|
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال 2
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5433 - 2017 / 2 / 15 - 09:23
المحور:
الادب والفن
من الشائع بين العامّة ( لا أدري ما لو كان له أساسٌ علميّ )، أنّ سمّ الأفعى يجعل الملدوغ ضحيةً لأعراض الهذيان. لكأنني كنتُ تلك الضحية، آن فرغت امرأتي من سرد جانبٍ من سيرة طفولتها. الدوّار، أمسك بتلابيبي مذ أن أخلدت للصمت حيّةُ هذه الضاحية الكئيبة والمعزولة. محموماً، رحتُ أغذي شعلة تفكيري بزيت أقوال " الشريفة ". إلى ذلك، عقدتُ في ذهني بعض المقارنات الضرورية مع ما سبقَ لي معرفته بفضل مخطوطة " شيرين ". لقد أعتمدت شقيقتي تعبيراً مشنوعاً، ومُلتبساً في آنٍ واحد، لوصف العلاقة غير المشروعة بين أفراد من عائلة " الشريفة ". إنّ استعمال المخطوطة لتعبير " زنا المحارم " لم يشمل ربّ العائلة حَسْب، وإنما أيضاً الابن البكر. كذلك أذكر بشكل جيد، أنّ صاحبة المخطوطة لم تكن تخفي سخريتها من إدعاء والد " الشريفة " بكون هذه الأخيرة ابنة سِفاح نتيجة علاقة مزعومة لوالدتها بأحد مخدوميها الأجانب. " شيرين "، كانت من الذكاء وقوة الملاحظة أن طرحت شكوكها بإدعاء الأب بناءً على بيّنة في غاية الأهمية: كون " ميمو " الصغير معاقاً ذهنياً، على خلاف أخويه المفترضين، يبرهن على أنه ابن سِفاح المحارم. بمعنى أنّ والد " الشريفة " قد لفق حكاية نسَبَها إلى دمٍ أجنبيّ، لكي يكون في حلّ من معصية زنا المحارم في العالم الآخر. وكما لحظتُ بنفسي، فإنّ العامّة في هذه البلاد يرون أنه من السهل خداع ربّ العالمين وذلك من خلال التمسك ببعض الفرائض؛ كالصلاة والصيام والزكاة. إنّ أيّ شيخ جامع، وبمقابل بضعة دراهم، لا يتورع أن يفتي لسائله البسيط بأنّ الله يغفر أيّ خطيئة باستثناء الشرك به! وهذه هيَ امرأتي، المشمولة بالحرام الصوفيّ السميك والمزدوج، ترنو إليَ عن قرب محاولةً على ما يبدو إختراق حُجُبَ أفكاري. لم تلبث أن أتبعت ذلك بخطوة أخرى، وهيَ التغلغل فيّ بجسدها الدافئ: " والدتي تؤكّد، أنّ فترة النفاس هيَ أسبوع واحد لا أكثر. فلو أردتَ النومَ معي، فإنني أيضاً راغبة بذلك؟ ". فما أن نطقت جملتها، إلا وبارقة فكرة جديدة تلمع برأسي: إنها ترغب بشيءٍ آخر، وسبيلها إليه سيكون المعاشرة الجنسية ـ كما هوَ دأبُ بعض النساء. " ليكن ذلك في الغد، فإنني اليوم مرهقٌ بسبب إفراطي بتناول الخمرة عند مسيو جاك.. "، أجبتها متعمّداً التشديد على اسم الرجل. شحَبَ وجهها نوعاً، وبدا لي أنّ نذر الشرّ أخذت تعكّر صفاء خضرة عينيها. بعيدَ وهلة تفكير، فإن فمها كشّر عن ابتسامته الساخرة، المألوفة: " إنني آسفة، كوني عرضتُ عليك نفسي. إذ ربما أعتقدتَ أنّ لي غرضاً من الإقتراح؛ كأن أغيّر مجرى الحديث، مثلاً.. " " لا تكوني حمقاء! " " كنتُ كذلك، حينَ طلبتَ مني الصعود إلى حجرة نومنا لكي تسرّ لي بأمر يخصّني. فإنني توقعتُ أن يكون الأمرُ يتعلق بالكردان الذهبيّ، الذي أهداه مسيو جاك لابنتنا. لقد تفقدتُ الكردان ظهراً فلم أجده، وبحثت عنه عبثاً في أرجاء البيت " " ستعثرين عليه في مكان ما، طالما أنّ غريباً لم يدخل بيتنا... " " بيتنا..؟ لقد كان يوماً أسوَدَ، يومَ عدتُ للعيش في كنف أمي "، قالت لي قاطعة كلامي بنبرة مريرة. كنتُ ما أفتئ مشوّشَ الفكر، فلم أدرِ كيف خرجت هذه الجملة من فمي: " إنه بيتنا، بما أنّ لديك أوراق ملكيته. وإذا لم يعجبها وجونا هنا، فبإمكانها أن تعود إلى أسرتها في الصويرة أو تستأجر غرفة في فندق... ". هنا، عادت " الشريفة " إلى مقاطعتي هامسة: " صه، لا ترفع صوتك..! ماهذا الكلام؟ هل جننتَ، أم أنك سكران؟ أنتَ لا تعرفها لأمي.. أنت لا تعرف شيئاً.. " " كلّ مرة ترددين، بأنني لا أعرف شيئاً. وهأنذا أخبرتك للتوّ، بأنني عرفتُ أشياء كثيرة بفضل مذكرات شقيقتي " " أحقاً؟. ولذلك أنت عازمٌ على هجري والسفر لوحدك إلى أوروبا؛ لأنني ابنة سِفاح، ولديّ ابن سِفاح أيضاً.. ولكن، فكّر بابنتك على الأقل، بدلاً عن التنقيب في الأوراق ونكش الفضائح... ". جاء دَوري هذه المرة، لأرجوها أن تهدأ بعدما أصمّ صوتها أذنيّ. تنفّست هيَ بعمق، وراحت تهز رأسها بحركة من شعَرَ بالندم لإطلاقه عبارات ما كانت جديرة بالنطق. في سانحة الصمت، نهضتُ من الفراش كي ألقي نظرة خِلَل شقّ الباب. رائحة المطر، قغمت للفور أنفي. كان الهدوء شاملاً المكان، بما في ذلك قنّ الدجاج والأرانب، المحاذي لحجرة نومنا. من منوَر السطح، كان يشع ضوء الصالة الأرضية. إلا أنّ كل شيء كان ساكناً ثمة، مما يدل على أنّ ابنتنا نائمة في حضن جدّتها. " ميمو "، كان قد غفا أيضاً على الأغلب. كنتُ عندئذٍ أراوح قدميّ عند حافة المنور، بعدما أغلقت باب الحجرة على أمه. أجل، إنها أمه! أعترفت لي " الشريفة " بذلك، أكثر من مرة، خلال حديثنا. إلا أنّ ثمة أشياء أخرى ضمن السياق، كان يتعيّن عليها أن تبوح به لولا أن أفكاري المشوّشة فوتت عليّ ذلك. كان لا بدّ أن أعود إلى امرأتي الملولة، متخذاً لهجة أكثر رقة في الكلام. وبأيّ حال من الأحوال، فإذا كانت الحيزبون تملك وسيلة ضغط تواجه به ابنتها متى شاءت، فإنني بدَوري أملك وسيلة مماثلة تجعلني استعملها لكي أتملّص مع ابنتي من هذا السجن الكابوس.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 3
-
سيرَة أُخرى 47
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء
-
سيرَة أُخرى 46
-
سيرَة أُخرى 45
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 3
-
سيرَة أُخرى 44
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين
-
الجزء الثاني من الرواية: الراء 3
-
سيرَة أُخرى 43
-
الجزء الثاني من الرواية: الراء 2
المزيد.....
-
باريس تودّع كلوديا كاردينال... تكريم مهيب لنجمة السينما الإي
...
-
آخر -ضارب للكتّان- يحافظ في أيرلندا على تقليد نسيجي يعود إلى
...
-
آلة السانتور الموسيقية الكشميرية تتحدى خطر الاندثار
-
ترامب يعلن تفاصيل خطة -حكم غزة- ونتنياهو يوافق..ما مصير المق
...
-
دُمُوعٌ لَمْ يُجَفِّفْهَا اَلزَّمَنْ
-
جون طلب من جاره خفض صوت الموسيقى – فتعرّض لتهديد بالقتل بسكي
...
-
أخطاء ترجمة غيّرت العالم: من النووي إلى -أعضاء بولندا الحساس
...
-
-جيهان-.. رواية جديدة للكاتب عزام توفيق أبو السعود
-
ترامب ونتنياهو.. مسرحية السلام أم هندسة الانتصار في غزة؟
-
روبرت ريدفورد وهوليوود.. بَين سِحر الأداء وصِدق الرِسالة
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|