تشي غيفارا؛ الملاك المسلّح

دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5664 - 2017 / 10 / 9 - 01:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

" لأنتَ نجمة القطب، التي علينا تتبعها كي نهتدي إلى الطريق الصحيح "
رفائيل ألبرتي
*
في طفولتي، كان ثمة صديق حميم للوالد، غنيّ ومن عائلة معتبرة. منزل هذا الصديق، وكان يقوم بأسفل زقاقنا مطلاً على الجادة، إعتاد على حضوري برفقة الوالد وخصوصاً حينما يكون صاحبه مسافراً إلى أوروبا في رحلة عمل. ذات ليلة خريفية، وكنتُ مع والدي في صالة منزل صديقه، لفتَ نظري مجلات أجنبية وقد تصدرت أغلفتها صورة رجل ملتحٍ. لما سألت الوالد عمن يكون الرجل، فإنه أجابني: " هذا غيفارا، قتله الأمريكان لأنه كان يحارب من أجل الفقراء ".
في ربيع العام التالي، 1968، انتشرت صورة تشي غيفارا في العالم أجمع وصار اسم صاحبها على كل لسان، آنَ إشتعال ثورة العمال والطلبة في باريس والتي لم تلبث أن امتدت إلى عدة دول في أوروبا الغربية والشرقية. إذ أضحت الصورة وكأنما هيَ ايقونة تجمع أولئك الثوار الفتية، المؤمنين بأفكار التغيير والعدالة والمساواة والحرية. هكذا أستهلت أسطورة تشي غيفارا ( 14 يونيو 1928 ـ 9 أكتوبر 1967 )، فأضحت صورته الشهيرة تزيّن غرفَ الشباب وقمصانهم. وأعني بها تلك الصورة، المتبدي فيها بملامحه الوسيمة ولحيته وشعره المسترسل، المغطى بقبعة ( بيريه ) متوّجة بنجمة حمراء.
تشي غيفارا، كان جديراً بأسطورته ولا مِراء. مسيرته الثورية، بدأت على أثر رحلة عبرَ القارة الأمريكية الجنوبية، أنطلق بها على دراجة نارية برفقة أحد أصدقائه. كان إذاك طالباً في كلية الطب في بوينس آيرس، عاصمة الأرجنتين، هوَ المنحدر من أسرة متوسطة ومثقفة. ما عاينه خلال رحلته من مظاهر البؤس، التي تشترك فيها تلك البلدان اللاتينية، جعل داخله يتأجج بالسخط والرغبة في عمل أيّ شيء يمكن أن يسهم بالتغيير إلى الأفضل. فما أن أقيمت حكومة يسارية في غواتيمالا المجاورة، إلا والشاب غيفارا ينتقل إلى تلك البلاد يدفعه الحماس والأمل بأنها ستكون بؤرة للثورة في القارة كلها. بعد فشل التجربة الثورية في غواتيالا، بسبب التدخل الأمريكي السافر، انتقل غيفارا إلى المكسيك كي يعمل باختصاصه كطبيب. فلم يلبث أن تعرّف هناك على محامٍ من كوبا، سبقَ له أن حوكم بتهمة قيادة عصيان مسلح ضد حكومة بلده. وكان فيديل كاسترو في المكسيك، بهدف الإعداد لحملة ثورية جديدة. فانضمّ غيفارا إلى أولئك الرفاق، ممن حملهم مركب " غرانما " شبه البدائيّ إلى الجزيرة الكوبية. ذلك كان في شهر نوفمبر 1956، حيث ابتدأ الكفاح المسلح ضد حكومة باتيستا الموالية للولايات المتحدة. بعد أقل من ثلاثة أعوام على تجربة حرب العصابات، سقطت هافانا بيد الثوار الذين دخلوها في الفاتح من يناير 1959. أزمة خليج الخنازير، التي نشبت بين الولايات المتحدة وكوبا المدعومة من الإتحاد السوفياتي، وكادت أن تؤدي لحرب عالمية، لفتت أنظار الشعوب المستضعفة إلى هذه الجزيرة النائية وثورتها الفتية. آنذاك، كان تشي غيفارا قد أضحى مواطناً كوبياً وتسنّم مسؤوليات حزبية وحكومية رفيعة. بهذه الصفة، زار الرجل عدة بلدان في أوروبا الشرقية وأيضاً البلدان المتحررة مثل سورية ومصر. كان غيفارا وزيراً للزراعة، حين قرر فجأة الانتقال إلى الكونغو كي يدعم تجربتها الثورية. بعدئذٍ، عاد إلى كوبا ليستقيل من كافة مناصبه وليغادر هذه المرة سراً إلى بوليفيا، بهدف تفجير ثورة فيها على غرار الثورة الكوبية. ثمة لقيَ تشي غيفارا مصرعه إغتيالاً، بعد أقل من عام على بدء حركة حرب العصابات. طريقة إغتياله، بعد أيام من وقوعه أسيراً بيد فرقة من الجيش البوليفي، أججت غضب العالم على الولايات المتحدة والتي أتهمت استخباراتها بالمشاركة الفعالة في التخلص من الثائر الأمريكي اللاتيني الكبير.
لدى أسر تشي غيفارا، وجدوا في جعبته ديوان شعر لبابلو نيرودا. وقد أبدى هذا الأخير تأثره الشديد بالمعلومة، كما عبّرَ عنها في مذكراته الشهيرة " أشهدُ أنني قد عشت ". وغيفارا نفسه، كان قارئاً كبيراً للأدب، علاوة على تأليفه لعدة كتب أحدها بعنوان " مذكرات دراجة نارية "؛ الذي يحكي فيه تفاصيل رحلته الأولى عبرَ القارة الأمريكية عندما كان بعدُ في ريعان شبابه.

#دلور_ميقري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل