أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - لعبة الذكرى














المزيد.....

لعبة الذكرى


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5739 - 2017 / 12 / 26 - 11:21
المحور: الادب والفن
    


بناء دار النشر، وهو مكوّن من دورٍ أرضيّ وحيد، كان مزدحماً على غير العادة.
لدى ولوجي عبر ممر المدخل، المتخم بأكداس الكتب ذات الرائحة الطازجة، شملتُ بعينيّ بعضَ عناوينها. اسمُ كاتبٍ صديق، رحل عن الدنيا منذ أعوام، كان بارزاً ثمة. فكّرتُ عندئذٍ، بأنني كان عليّ أن أستعيد هذه الذكرى بمقال. وخزٌ في جنبي، عليه كان أن ينبهني بأن علاقتي مع الراحل لم تكن على ما يرام في أواخر سني حياته. وخزٌ ثانٍ، أخذني إلى أيام مرض ذلك الكاتب، حينَ نشرتُ مقالاً بدا لكثيرين أنه شماتة به.
وراء مكتب مدير دار النشر، كان ثمة امرأة جالسة ومنهمكة بالكتابة. ملامحها، كانت تشي في الوهلة الأولى أنها من مواطناتنا السويديات. لما رفعت رأسها كي ترى من القادم، فإن نظرتها عكست ذكرى ما. عندئذٍ، قلتُ لنفسي أنها هيَ؛ الحسناء الاسبانية، التي جالستها مرة في الطائرة المتجهة إلى مدريد. وعلى الرغم من أننا آنذاك لم نتبادل الحديث إلا لماماً، فقد فهمتُ منها أنها تدرس في معهد بيولوجي بالعاصمة السويدية. وهيَ ذي هنا، في دار النشر.. في مكانٍ لا يمت بصلة لاختصاصها. بقيت نظرتها متعلقة بي، وكأنها بدَورها كانت تمارسُ لعبة الذكرى. ثم ما لبثت الحسناء أن هتفت بنبرة مرحة: " آه، إنها لمصادفة سعيدة أن أراكَ مجدداً! ". لدهشتي، فإنها راحت على الأثر تقرع رأسَ قلمها على سطح المكتب بحركة من يود تقديم خدمة. إذاك كلمتها بطريقة مضطربة عن كتاب أود طباعته، وأنه نوع من أدب الرحلات. سألتني وهيَ تضيّقُ عينيها، ما إذا كان الأمرُ يخصّ رحلتي المغربية. عندما قالت ذلك، تذكرتُ كيفَ أنها كانت في الطائرة قد أشاحت بوجهها إلى الجهة الأخرى حينَ علمتْ أنني في طريقي إلى المغرب للقاء فتاةٍ.
" أتودّ الذهاب إلى هولندا..؟ "، عادت لتسألني وعلى شفتيها بسمة إغراء. أجبتها بحماس، أنني سبق وقضيتُ في أمستردام شهراً كاملاً آن مجيئي إلى أوروبا للمرة الأولى. ثم أضفتُ: " لديّ نصٌ طويل عن أمستردام، أتمنى أن يجد مكانه في كتاب آخر ". بدا من خمود ابتسامتها، أن جوابي كان على شيء من الحماقة. خاطبني داخلي ساخراً: " ألا ترى كيفَ تغويك بالسفر معها إلى هولندا، أيها الغبي؟ ". في اللحظة التالية، رن هاتفي الجوال. كانت صوتٌ أنثويّ على الخط، يُعلمني أن ابنيّ ينتظرانني في مطعم مكدونالدز. رأيتني بعدئذٍ أعتذر من المرأة الحسناء، مضيفاً أنني سأعود إليها بعد ساعة. مضيتُ كالمسرنم، لدرجة أنني لم أسمع ردها. المبنى، الشبيه بالقبو، جعلتني ممراته المتعددة تائهاً على غير هدى. إلى أن عثرتُ أخيراً على شارة المطعم المطلوب. ما أن دخلته، إلا وابنتي تلوّح لي بيدها الصغيرة. كنتُ أقترب من منضدة تضمها وشقيقها، حين انتبهتُ إلى أن أحدهم يشير لي عن بعد. ذاكَ كان صديقَ الصبا، وكان يقيم في ألمانيا مذ قرابة العقدين من الأعوام. اتجهتُ نحوه، وكان يجالسُ شخصين عرفت في أحدهما شقيقه الأصغر. هممتُ بمعانقة صديقي، فأبعد رأسه بحركة مازحة قائلاً أنه مصابٌ بالزكام. ثم صافحتُ الشقيقَ: " تبدو وكأنك تعاني أيضاً من الزكام؟ ". أجابني ببطء، وهوَ يتناهض من مجلسه: " نعم، وسأنتقلُ حالاً إلى مكان المدخنين ". رنةُ حزنٍ عميق، كانت تتماهى في صوته مع نوع من العتاب.
" إنه مريض.. مريض جداً "، همس لي صديقي بعدما ابتعد شقيقه. هذا الأخير، راحَ من مكانه يرسل نظراتٍ ملؤها الأسى واليأس. شعرتُ بالعبرات تلهب خديّ، فأشحتُ بصري إلى ناحية أخرى. وإذا بعينيّ تلتقيان بعينيّ تينك المرأة الاسبانية، وكانت ما تفتأ جالسة وراء طاولة مكتبها. خجلاً من مظهري الرث، هربتُ بنظراتي عبرَ صالة المطعم وصولاً إلى منضدة ولديّ، المفترض أنهما ينتظرانني ثمة. خفق قلبي بقوة، حينَ بدت المنضدة خالية. بعينين يغشاهما الدمعُ، رحتُ أنقل بصري في أرجاء الصالة. إلا أنّ عينيّ لم تعثرا هنا وهناك، سوى على أعينٍ تنطقُ نظراتها بالتهكم والشفقة والشماتة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرة أخرى 63
- سيرة أخرى 62
- البُرَاق
- سيرة أخرى 61
- سيرة أخرى 60
- سيرة أخرى 59
- سيرة أخرى 58
- سيرة أخرى 57
- شادية وأدب نجيب محفوظ
- الكردي كمال جنبلاط
- القاعة رقم 1000
- سيرة أخرى 56
- المقهى
- سيرَة أُخرى 55
- العربة
- سيرة أخرى 54
- المبنى المهجور
- سيرة أخرى 53
- سيرة أخرى 52
- سيرة أخرى 51


المزيد.....




- ماذا قالت الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز بشهادتها ضد ترامب؟ ...
- فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
- شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما ...
- -نبض الريشة-.. -رواق عالية للفنون- بسلطنة عمان يستضيف معرضا ...
- فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...
- -روائع الموسيقى الروسية-.. حفل موسيقي روسي في مالي
- تكريم مكتب قناة RT العربية في الجزائر


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - لعبة الذكرى