|
(عيد يناير) بين الإنكار والإصرار
الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 5744 - 2018 / 1 / 1 - 03:57
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
.
°°°الأمم الراقية في الحضارة هي الأمم التي تعتني بالعد و حساب الزمن وتقلباته ، فكان للنصارى تقويمهم الميلادي ، وللمسلمين تقويهم الهجري ، و لليهود تقويمهم العبري ، كما للفرس ، والرومان ، والفراعنة ، و اخترع الفرنسيون تقويما خاصا بهم جعلوا من حدث ثورتهم معلما وبداية للعد والحساب . °°° التقاويم غالبا تتخذ معلما تاريخيا أو حدثا كبيرا في تاريخ الأمة كمنطلق للعد والحساب ، فالعرب المسلمون اتخذوا على سبيل المثال من حادثة الهجرة بداية للتاريخ الإسلامي .
°°°السنة الأمازيغية قديمة قدم تاريخ الأمازيغ نفسه الذي هو بعمر يزيد عن عشرة آلاف سنة ، فقد أكتشفت حديثا أقدم بقايا للإنسان العاقل عمره يزيد عن 300.000 سنة في [جبل ايغود] [1] في اقليم اليوسوفية بالمغرب الشقيق، وهو ما يرجح فرضية أن شمال افريقيا هي المهد الأول للإنسانية . وطبيعي أن إلإنسان الأمازيغي الذي هو أول من عمَّر هذه البقعة الجغرافية قد تفاعل مع طبيعتها وترك لنا جداريات فائقة القيمة هي حاليا عرضة للنهب المنظم و التخريب الهمجي في التاسيلى والأهقار .
°°° يمكن النظر للتقويم الأمازيغي من ثلاثه جوانب ، [كسنة أمازيغية] ، و[ كتراث ثمين ] ، و[تقويم مستحدث ] .
1)ففي الجانب الأول، السنة الأمازيغية حاضرة بقوة في ربوع الشمال الإفريقي مع فروقات بسيطة أملتها شساعة المكا ن وتدرج المناخ ، بين الشمال والجنوب ومن الشرق إلى الغرب ، مع تأثر الأقوام النازحة إلينا زمن الحرب والسلم بهذا التقويم ، فالسُنة الأمازيغية مشتق من عائلة [التقويم اليولياني] الشمسي القديم ، علاقتها بالأرض والطبيعة والمناخ ولا علاقة لها بالدين ، [فيناير ] الذي هو غرة السنة مدونٌ أحداثه ومراسيمه عند ( بني سنوس ) جهة تلمسان من طرف المستشرق Ed.Destaing منشور في المجلة الإفريقية عدد 49 و استقى معلوماته من كتابين إسلاميين أحدهما (المدخل للعبدري ) وتانيهما كتاب ( الخطط للمقريزي) ، وقد أشارالتاريخ إلى ضلوع االشمال الإفريقي بنخب عالمة في الفلاحة والزراعة مثل العالم [ماغونMagon ] ،في القرن الثاني قبل الميلاد ، صاحب موسوعة الفلاحة ذات 28 مجلدا والتي ترجمت إلى عدة لغات عالمية . أما في العهد الإسلامي فقد تناغم الأمازيغ مع دينهم الجديد واستبعدوا في احتفالاتهم (بيناير) الطقوس التي لا تتطابق وروح الإسلام ، و حسب [جمال الدين مشهد] [2] فإن المخطوطات التي تحويها مكتبة جده الموهوب أولحبيب بتلا وزرار جهة بني ورثيلان مذيلة غالبا بأشهر أمازيغية ك( شتومبر ، فرار ، غشت ... الخ) ورمزوها بالجمل المرقمة [3] وأدخلوا رزنامة الأشهر الهجرية القمرية و مزًّغُوها ( ثاعشورث ، أربيب نتعاشورث ، ...الخ . والأبحاث جارية لاكتشاف المزيد من الشواهد عن السنة الأمازيغية في المخطوطات القديمة وفي المكتبات العالمية .
2) ففي الجانب الثاني ، السنة الأمازيغية هي تراث قديم لكل الفضاء الشمال الإفريقي ، أصيلهُ ووافدهُ ، فالمصطلح الفلاحي الأمازيغي بتجربته الميدانية الطويلة ترُجم إلى العربية الدارجة التي حورته إلى تقويم فلاحي ، وهو جزء من استراتيجية تغييب ونكران الذات المحلية ، فأسماء الحيوان والبقول و الخضر والأكلات كلها أمازيغية ، النظم الغذائية متوارثة مشفوعة بالأساطير ، الإحتفال بيناير تتقاسمه الأسر المغاربية بتنظيم إحتفالات العائلات الموسعة فيما بينها ابتهاجا وتيمنا بعام فلاحي جديد ، فالأرض هي الأغلى ، وهي مصدر كل الرزق فلدينا من السلالات الحيوانية والأشجار والحبوب أنواع ٌ مصدرها عندنا هنا ، فلم تأت لا من اليمن ولا من فلسطين ، ولنا أصناف من القمح والتمور بلا عد ..... وشبابنا حاليا نشط في الترويج لنظامنا الغذائي عبر العالم فأكلات (الكسكسي ) و(دقلة نور) و(الزفيطي) أصبحت من الأكلات المطلوبة في أرقى المطاعم الغربية وأمريكا الشمالية .
3) أما الجانب الأخير ، فمقومات التقويم الأمازيغي متوفرة ، له شهوره ، وفصوله ،ودوراته الزراعية ذات العلاقة بالأرض والمناخ المحلي ، وله معالمه المتداولة ، ينقصه المعلم الزمني الذي يتم اختياره من حدث مهم في تاريخنا وما أكثرها ، فقد رأت [الأكاديمية البربرية] [4 ] التي كانت محظورة وطنيا بأن حادثة إعتلاء ( شيشنق الأول ) الليبي الأمازيغي عرش الفرعونية في سنة 950 ق.م هو الأنسب ، وهو استدلال ذو قيمة رمزية دال على عراقة هذا الجنس الأمازيغي فالإغريق يعترفون بأن أجدادنا أحد الواحد والثلاثين شعبا الأقدم في العالم ، فالعبرة ليست بالسنين الرمزية وإنما بعراقتنا وأثالتنا في التاريخ قديمه وحديثه . فالفرنسيون أرخوا لفترة بحادثة الثورة الفرنسية 1789، واستحدثوا شهورا وفصولا ، والإرانيون الفرس في 1925 غيروا تقويمهم (القمري الهجري) القديم واستبدلوه بالتقويم (الشمسي الهجري )، وقاموا بإحياء وبعث شهورهم الفارسية القديمة وتشاركهم أفغانستان بنفس التقويم الذي يتخلف عن التقويم الهجري القمري ب 43 سنة ، وأرخ السوفيات بثورة 1917 كمعلم للتقويم إلا أن ألغي في 1940.... ولا ندري ما الضرر من اتخاذ حادثة اعتلاء ( شيشنق الأول) منصب الفرعونية التي توارثها أبناءه وأحفادهم طيلة قرنين من الزمان كرمز ؟؟ وما القصد من عداء الإسلامويين و المستعربين لعيد يناير الأمازيغي الذي أصبح رسميا وعطلة مدفوعة الأجر .؟؟ .
°°°مفصل القول ، الأمة الأمازيغية تعيش إرهاصات الإنبعاث وبدايات اليقظة ، وحركة الإيقاظ وديناميتها ليست حكرا على أمازيغ الجزائر وإنما لها امتدادات نحو كل الفضاء الشمال إفريقي وتخوم الصحراء الكبرى وجزر الكناري ، فالمملكة المغربية كذلك في طريق ترسيم (يناير ) كعيد وطني قريبا أسوة بالجزائر والبقية ستأتي . . الهوامش________________________________ [1] يمكن تقصي حقيقة الأمر في هذا الموقع بالعربية https://www.scientificamerican.com/arabic/articles/news/oldest-homo-sapiens-fossil-claim-rewrites-our-species-history/ [2] جمال الدين مشهد ، باحث في المخطوطات ، جامعة بجاية ـ مشرف على مخطوطات مكتبة جده في تالة وزرار ، بني ورثيلان . سطيف . [ 3] نفس المصدر ( مشهد) ، الترميز بالجمل مثل : [ نويش ] الحرفان الأول والرابع يعنيان الشهر والفصل ( ن ) نومبر (ش) شثوا ، الحرفان الأوسطان (و، ي) بحساب الجمل ومجموع قيمتهما عدديا هو 16 ، ومعناه أن بداية الشتاء في 16 نومبر . و نفسه عن بداية الصيف والخريف والربيع . [4] وضع معلم التقويم الأمازيغي ( عمار نقادي الشاوي ) في 1980 في إطار نشاطه في الأكاديمية البربرية .
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(البربريست) الذين ولّدُوا الهمة .
-
الترسيم (الكاذب ) للأمازيغية .
-
أزمة صائفة 1962 ... والثورة التي سُرقت .
-
الأمازيغية ... جريمة في ثورة الجزائر !؟
-
الأكاديمية البربرية بين الحقيقة والتزييف .
-
امبريالية اللغة العربية .
-
رايات الهوية ... تؤرق الأنظمة الإستبدادية .
-
معركة الهوية ..... بين الأمازيغ والنظام الجزائري .
-
حجم الدمار من انقطاع العلاقات القطرية السعودية .
-
الأمازيغية ... حقوق أم رغبة في الإنفصال ؟
-
مأزق الدولة الوطنية في الجزائر .
-
الأمازيغ من (كراكلا) إلى ( بومدين) .
-
مأزق الهُوية في فرنسا .
-
أنريكو ماسياس ، Enrico Macias
-
مجزرة في مدينة الرسول .
-
عبث هوياتي ... وترسيم شكلي للأمازيغية .
-
سكوت ... نحنُ أمة تَقتل ؟!
-
الأمازيغ أبدعُوا (الأرقام الغُبارية ) [ج2] .
-
الأمازيغ أبدعُوا (الأرقام الغُبارية ) [ج1] .
-
الوزير ( قرين ) وشرطة (أورلي ) .
المزيد.....
-
فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك
...
-
إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب
...
-
بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ
...
-
قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN
...
-
قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان
...
-
فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا
...
-
ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة
...
-
لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا
...
-
بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف
...
-
إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن
...
المزيد.....
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
-
آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس
...
/ سجاد حسن عواد
-
معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة
/ حسني البشبيشي
-
علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|