أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الخطيب - الأبتر















المزيد.....

الأبتر


حسام الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 5398 - 2017 / 1 / 10 - 22:23
المحور: الادب والفن
    


بخطوات وجلة تتعثر في مشيتها أقترب من منصة القضاء ، تطلع كثيرا الي القاضي بشعره الكثيف الذي يغطي حتي شحمة اذنه وانفه الاحمر الضخم فتنحنح ذلك الاخير قائلا :
- أنت البغل ، أليس كذلك؟
اجاب في ارتباك ملحوظ ، وان زالت عنه رهبة المكان بعض الشئ :
- نعم يا جلالة الأسد
- ما دعواك . ولما رفعتها علي ابوك وامك ؟
نظر البغل الي امه وابيه الجالسان داخل قاعة المحكمة قبل ان يحول بصره تجاه القاضي قائلا
- أنا يا جلالة الاسد ، ضحية عبث واستهتار أبي وأمي ، أنا البغل نتيجة زواج غير شرعي وغير متكافئ بين أنثي حمار وذكر حصان ، أنا الوحيد الدليل الحي علي انحطاط الاخلاق في داخل غابتنا العظيمة
رد علي الاسد بسرعة :
- ولكن يا بني ، تزاوج الحصان والحمار ليس حديثا او حالة فردية ، فهو شئ قديم قدم الدهر، وقد شهد التاريخ عشرات الالوف من حالات التزاوج تلك ، فلم يعتبرها ضد القيم او الاخلاق مثلما تفعل
اجاب البغل في حكمة غير معهودة :
- انتشار الشذوذ لا يعني اعتباره قاعدة معترف بها ، أو امرا طبيعيا ، فالطبيعيات ثابتة وما طغي عليها وخرج منها فهو المتغير ، انظر يا جلالة الملك ، الأصل في الزواج هو التكافؤ ، ولأننا معشر الحيوانات ليس لنا مال او جاه او منصب فاننا نتزاوج بالاصل وحيث ان الحمار يتزوج عادة من أتان والحصان من فرسة كشأن غيرهم من الخيول فهذا هو الطبيعي ، ولذا فأنني اعتبر ما حدث بين أبي امي كان مجرد نزوة لم يحسبا لها حساب , اشباع لشهوة حيوانية بلا قيد او رابط ، او ربما هو سحر الفاكهة المحرمة
هنا انتفض الحصان من مكانه وهو يقول :
- سيادة القاضي ، جلالة الاسد ، هل تسمح لي بالدفاع عن نفسي
اومأ الاسد براسه ايجابا وهو يقول
- نعم ايها الحصان ، تفضل
اقترب الحصان من منصة القضاء قبل ان يستدير مواجها ابنه قائلا :
- يا بني كن رفيقا بنا ولا تسئ الظم ، فأنت لست الأول ولن تكون الاخير كثمرة زواج الحصان والحمارة ، لقد كنا يا بني في ريعان الشباب والحياة منفتحة لنا ، ولما كنت لا اميل كثيرا الي بنات جنسي من الخيل ، لذا فقد اعجبني امك بشدة فتقربت أليها وانبهرت هي بي ، فقد كانت جميلة ، هيفاء القد ، ممشوقة القوام ، صلبة الحافر ، ورفضت كل بني جنسها من الحمير من أجلي ، فقد اشتعل بالحب قلبانا ولم نطق صبرا لنطفئ جذوة هذا الحب
نظر اليه البغل في حنق قائلا
- هكذا مجرد رغبة جسدية في قلبيكما ، أردتما أن تطفأها وذلك دون النظر اذا كان هذا طبيعا او لا
- الحب طول عمره طبيعيا يا بني
- لا اتفق معك ، الحب يكون طبيعيا بين ابناء الجنس الواحد يا أبي
- أتعني بهذا أنه عندما يقوم البشر علي سبيل المثال بالزواج بين رجل وامراة فهذا لا يكون طبيعيا وعندما يتزوج الشواذ فهذا هو الطبيعي
- هذا امر اخر يا أبي ، فلا تخلط الامور ، ما اقصده انه لم يحدث مثلا ان تزوج الاسد من نمرة او الفيل من زرافة او حتي الشمبانزي من غوريلا مع ان هذت الحيوانات تخضع لنفس العائلة ، انتما بذلك مثال للعلاقات المحرمة التي استهجنها واكرهها
- ولكننا لم نفعل شيئا جديدا ، ولم تكن علاقتنا سرية او حتي غير شرعية ، بل علي العكس كانت علنية واشهرنا الأمر واشهدنا عليه الغابة كلها
- الزواج العرفي لدي البشر قد يكون مشعرا ومع ذلك فهو ليس سليما
- ماذا تظن زواجنا اذن
- مجرد رغبة حقيرة من حصان المفترض انه بنتمي الي جنس يتسم النزاهة والنبل وكرم الطباع ، طالما اتبط بالفروسيةوالشجاعة والاقدام مع حمارة بلهاء مسكينة من الطبقة العاملة التي استغل ضعفها وسذاجتها العقلية والجسدية ليغرر بها تحت مسمي الحب والزواج
- رغبة !!! اهذا تفسيرك للأمر . مجرد رغبة
- نعم يا أبي ن مثلما يحدث لدي البشر ، هل تظن زواج الاغنياء والفقراء طبيعيا يا بني ، هل رأيت قصة زواج رجل غني من أمراة فقيرة ناجحا دون ان تكون رغبة الرجل هي سبيله الاساسي . الزواج هو الثمن الذي يدفعه الذكر مقابل الجنس والجنس هو الثمن الذي تدفعه المرأة مقابل الزواج ، وبعد ان ياخذ الذكر غرضه منها يتركها ويلفظ وليدها ان وجد ، الم يحدث هذا في كل عصر ومكان
- ولكن هؤلاء لم يجمعهم الحب يا بني ، اما زواجي من أمك فقد كان علي العكس قصة حب بوهيمية خلبت لب الغابة كلها
هتف البغل مقاطعا :
- ماذا تقول !!؟؟ حب !!، هذا هراء يا أبي فحتي قصص الحب العذري قد تصلح أساسا للرومانسية ، أما عندما يصل الأمر الي الزواج وهو قمة الواقعية ، هنا يختلف الامر ، تحب بقلبك ولكن عندما تتزوج يكون ذلك بعقلك .
صاح به والده الحصان معاندا :
- أتحسب انني لم اكن لاستطيع نيل امك سرا بغير زواج
- بالطبع كنت تستطيع ولكنك كنت ستخسر نبالتك التي اشتهرت بها بين الغابة ، فأنت كنت مرغم علي ذلك ، قل لي أترضي أن تتزوج الفرسة من حمار
- بالطبع لا
- لماذا ؟
- لأن زواج الحصان بالحمارة حب ، اما زواج الفرسة بالحمار فهي دناءة
- هكذا ، شهد شاهد من اهلها ، انت قلتها بنفسك ، فانتم تعتبرون الحمير جنسا أدني منكم ، مثلما يقبل الحر زواجه من جارية ولا يقبل للحرة زواجها من عبد ، منتهي الانانية
هنا قامت الحمارة الام علي استحياء وهي تقترب من منصة القضاء قائلة
- هل تأذن لي يا جلالة الملك الاسد بالحديث ؟
رد القاضي عليها وهو يضع مخالبه تحت يده متضايقة
- تفضلي ، علني انتهي من كل هذا
نظرت الأتان الي ابنها نظرة رؤؤوم فيها حب وعتاب في وقت واحد وهي تحاول ان تستدر عطفه ولكنه كان غاضبا عليها فتهتفت به :
- ابني العزيز ، يا من حملتك في بطني شهورا طوال ، ورأيتك تكبر أمامي وانا اغمرك بكل الحب والتفاني، لما اصبحت هكذا جاحدا ، ما الذي حدث لك ، ما الذي نزع العاطفة منك تجاه ابويك من قلبك الطيب ، لماذا ترفع دعواك ضدنا ، ما الذي اذيناك به
قال القاضي وهو يراجع اوراق الدعوي قائلا :
- نعم يا بغل ، ما فحوي دعواك ، لقد ولدت وانتهي الأمر ، ولن نستطيع اعادتك الي بطن امك مره أخري
رد عليه البغل قائلا
- هذا هو فحوي دعواي يا سيادة القاضي ، انت تعلم انني الكائن الوحيد علي وجه الارض الذي يفاخر بأبائه ولا يفاخر بأبنائه
قالت الام في هدوء واشفاق وقد ادركت الامر
- بالطبع يا بني ، فأنت لن يكون لك ابناء . البغال عقيمة
نظر لها البغل في استنكار قائلا :
- اذا كنت تعرفين هذا قبل مولدي
ردت عليه متعلثمة :
- هذا طبيعي يا بني ، فالبغال لا ينجبون ، فهم غير قادرون علي التزاوج والاخصاب
- ومع ذلك حملت بي وانجبتني وأنت تعلمين العيب الخلقي الذي ساولد به ، والذي سيشقيني مدي الحياة دون أدني أعتبار لما ساعانيه
- هذا امر بديهي يا بني ، لم اظن أنني ساغير شيئا ، لم يخطر هذا ببالي ابدا
- لانك لست اما رحيما ، انت اما غير مسؤلة ، لو كانت لديك مشاعر امومة حقيقية ، لما حملت بي ولفضلتي أن تكوني بلا نسل ، لو كنت اما رحيمة لاجهزتي علي يوم ان لفظتني الي هذه الارض ولما تركتني اعاني مع عاهتي
هتف الحصان في شدة وهو يحتضن الأتان التي توشك علي البكاء :
- كفي يا بني ، لا تقسو علي امك
رد البغل في ثورة
- وانتما لما قسوتما علي بمثل هذه القسوة ، وجعلتماني اعيش حياة تعيسة علما بأنه لن يكون لي نسل علي الاطلاق ، غريب امر هؤلاء الاباء يحملون وهم يعلمون بأن ابنائهم سياتون مشوهين او ذوي اعاقة او سيرثون منهم امراضا معينة ومع ذلك يصروا ان ياتوا بالابناء ، يتزوجون وهم لا يعلمون مقادير الزواج ومسئولياته ، يتكاثرون وهم لا يملكون ما ينشئون به ابنائهم تنشئة سليمة
هتف به القاضي في جزع
- أنك عاق لوالديك ايها البغل
رد عليه البغل وهو يضع حافراه علي منصة القضاء قائلا:
- بل هم العاقين لي يا سيادة القاضي ، حينما تعلم ان ابنك سوف يولد وبه مرض او اعاقة او تشويه قد يحرمه لذة الحياة او متعتها او احد حقوقه الشرعية ، لابد أن تقرر الا تأتي به الي هذه الحياة ، هذه هي دعواي ، لقد اتوا بي وهم يعلمون انني لا انجب ، لم يرتضوا أن يحرموا من حق الانجب وارتضوا لي هذا المصير من عدم الانجاب ، أنني اقاضي امي وابي بتهمة العقوق ، نعم عقوق الاباء تجاه الابناء

نظر القاضي الي البغل وقد بدت عليه دلائل التفكير العميق قبل ان يقول ك
- حسنا يا بني لقد فهمت دعواك وشكواك ، فحقك في الانجاب لا ينكره عليك احدا ولكن يا بني ألست تري ان لوالديك هذا الحق أيضا وهما قد مارساه دون ادني سوء نية لكي ياتيا بك الي الحياة ، دع ما حدث لك ورائك حتي لا يعيقك ، والا فلن تستطيع الحياة ، ومن وجهة نظري دعواك مرفوضة ، فلا يسعني العودة بالزمن الي الوراء وليس بامكاني منحك القدرة علي الانجاب ، ولكن فكر جيدا أن الله لم يخلق الأرض عبثا وبالتأكيد خلقك لهدف في الحياة فاسعي جيدا لمعرفة الهدف الذي خلقت من اجله
قال البغل في عناد :
- يمكنك علي الاقل اصدار قرار بمنع زواج الخيل والحمير، فان كنا لا نستطيع اصلاح الماضي ، فلنعمل علي اصلاح الحاضر والمستقبل



#حسام_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما تملكه موهير
- براءة
- سلوي
- حدث يوما
- خلسة
- الضرع
- عصفور
- ندم قابيل
- المتعة المسروقة
- الزيارة
- قدح الشاي
- قاتل أبيه
- فوضي الفتاوي
- اشكال الاسلام المرفوضة
- المسرح الاسلامي
- السينما الاسلامية
- البدائل الاسلامية
- مشروع مصر المستقبل


المزيد.....




- MAJID TV “تثبيت تردد قناة ماجد 2024” .. نزلها في خطوة واحدة ...
- الروائية ليلى سليماني: الرواية كذبة تحكي الحقيقة
- -الرجل الذي حبل-كتاب جديد للباحث والأنتروبولوجي التونسي محمد ...
- شارك في -صمت الحملان- و-أبولو 13?.. وفاة المخرج والمنتج الأم ...
- تحميل ومشاهدة فيلم السرب 2024 لـ أحمد السقا كامل على موقع اي ...
- حصريا حـ 33 .. مسلسل المتوحش الحلقة 33 Yabani مترجمة للعربية ...
- شاهد حـ 69 كامله مترجمة .. مسلسل طائر الرفراف الحلقة 69 بجود ...
- التمثيل الدبلوماسي العربي في فلسطين... أهلا وسهلا بالكويت
- معرض الدوحة الدولي للكتاب.. أجنحة ومخطوطات تحتفي بثقافات عُم ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الخطيب - الأبتر