أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الخطيب - حدث يوما















المزيد.....

حدث يوما


حسام الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 5395 - 2017 / 1 / 7 - 05:29
المحور: الادب والفن
    


حدث يوما أن كانت الحرية تسير في الشارع بصحبة إبن أخيها الحب عندما صادفت مظاهرة كبيرة فيها جميع غفير من الناس يهتفون باسم الخبز، تعجب الحب وسأل عمته قائلا :
- من هذا العظيم الذي يهتفون باسمه يا عمتي ؟
- إنه الخبز يا حبيبي
- أهو عظيم إلي الحد الذي يجعلهم يهتفون له؟
- في هذه الأيام إنه عظيم يا حبيبي
- ماذا فعل للناس من معجزات حتي يهتفوا له؟

هنا اقترب منهم الخبز في هدوء وجلس علي منكبيه ممسكا بيد الحب قائلا:
- سأقول لك يا بني ماذا فعلت للناس ، بدوني لا يستطيع الناس الحياة ، يموتوا ، يشعروا بذلك الالم في بيت المعدة والمسمي بالجوع ، بدوني تضيق الحياة ، وتشتعل الخلافات ويدب الشجار في البيوت وتنهار حياة العائلات ، بسببي تقوم الثورات وتندلع الحروب

هتف الحب مبهورا :
- اهكذا . اذن هو اعظم منك يا عمتي
صاحت فيه الحرية بصوت يملؤه الغضب
- الخبز لا يمكن أن يكون اعظم من الحرية
عقد الخبز ذراعيه حول صدره وهو يقول للحرية
- لابد أنك واهمة يا سيدتي الجميلة ، عبر كل العصور كان الخبز دوما اعظم من الحرية
قالت له مغتاظة :
- ذكرني متي حدث هذا؟
- الا تعلمين لما تقوم الثورات عبر العصور ، ألم يكن ذلك بسبب الخبز، الم تقم الثورة الفرنسية بسبب الخبز حينما هتفت الملكة الفرنسية ماري انطوانيت بالجموع الجائعة " اذا لم تجدوا خبزا فكلوا الكعك" هكذا تقوم أي ثورة حينما يشتد الجوع ويستوطن في البطون ويذهب بالعقول ، حينها تقوم الثورة
ردت عليه الحرية قائلة :
- أغلب الظن ان معلوماتك التاريخية خاطئة يا عزيزي الخبز، الثورة الفرنسية قامت لأجل تحرير الشعب من الاضطهاد واظنك تعي جيدا ان الثورة قامت ترفع شعارات العدالة والحرية والمساواة ، ولم تذكر الخبز أبدا
- هذا لأنها كانت تريد ان تتشدق بمثاليات كاذبة
- بل لأنها الثورة الحق، الحرية هي سبب أي ثورة
- ولكن الأنسان لا يستطيع الحياة بدون خبز
- وكذلك لا يستطيع العيش بدون حرية
- هراء يا عزيزتي ، احضري أي انسان وجوعيه أياما سوف يموت ولكن أحرميه من حريته سنين طويلة لن يموت
- ربما تقيس الأمر بالموت الجسدي ولكن كم من أحياء ماتوا نفسيا وروحيا في ظل القهر وانعدام الحريات
رد عليها الخبز متهكما:
- أتذكرين أنه في الدول التي تحررت من رقبة القهر والتسلط مثلما تقولين تعرضوا لفيض من الازمات كان أشدها انعدام الخبز حتي خرجوا في مظاهرات تطالب الخبز مقابل أن تاخذ منهم الحكومة الحرية مرة أخري
- هذه حالة استثنائية
- ولكنها القاعدة الأن ، إن من لا يملك قوته لا يملك حريته، الا تتحكم الدول في بعضها البعض عن طريق امتلاكها للخبز، الا تدب الحروب والمنازعات في العالم بسبب الخبز وانعدام الاقوات
- هيهات أن يكون ما تقوله صحيحا، كم من دولة صغيرة وفقيرة تعتمد علي اخذ خبزها من دولة اخري ولكنها حافظت علي حقها في الحرية
- وماذا كانت النتيجة ، تعرضوا للاضطهاد وقطع الخبز عنهم حتي اضطر الكثيرين للخضوع في النهاية
استدركت الحرية قائلة:
- الكثير وليس الجميع
- أتحاول أن تقنعني أنك اعظم تأثيرا . اذن لنستوقف أحد المارة في الطريق ونسأله
انتظر الثلاثة برهة قبل أن يمر احد المارة تبدو علي مخايل الثراء ، يركب سيارة فارهه فأوقفوه قائلين له:
- هل يسمح لنا السيد الموقر بسؤال ؟
- بالطبع ، ولكن بسرعة لأني علي عجلة من امري
- من هو الاعظم بنظرك الخبز أم الحرية
اجاب الرجل ودون أدني تردد
- الحرية بالطبع
سأله الخبز حانقا :
- لما تقول هذا؟
اجابه الرجل :
- لأنني ان فقدت حريتي ولو حتي ظاهريا ، فلن استطيع ان اعمل لأتي بالخبز، ولن استمتع بطعمه حتي اذا احضروه لي علي طبق من ذهب ، فالسجين لا يشعر بمتعة الخبز وهو في سجنه ، إنني علي استعداد لأن اقتات برغيف خبز واحد في اليوم علي أن تعطيني حريتي في كل شئ في السفر والحديث والنقد والفكر والعقيدة والتجمهر وكل تلك الحريات
قال الخبز وهو يحك رأسه :
- لا أظن أن هذا الرجل مناسب لسؤالنا ، فهو مرفه ، ثري، نريد بطنا عرفت الجوع من قبل حتي يكون لديها فكرة عما نتكلم عنه
انتظروا قليلا حتي ظهر رجل له مظهر سمين ، مكتنز، يبدو موظفا حكوميا باحد الدواووين ،له شارب قصير ، اصلع الرأس الا قليلا عند جانبيه، يمسك تحت ابطه بجريدة وتحت الابط الاخر ثمرة من البطيخ
استوقفوه علي الفور وسالته الحرية
- سيدي ، هل تسمح لي بسؤال ، من هو الاعظم بنظرك الخبز أم الحرية؟
رد الرجل بثقة :
- الخبز طبعا
سألته الحرية واجمة وهي تنظر الي الخبز المنتشي بالاجابة :
- لماذا يا سيدي ، ليس بالخبز وحده يحيي الانسان
رد عليها الرجل معقبا :
- نعم ليس بالخبز وحده يحيا الانسان ، يحتاج الي الجبن والخضار واللحوم والفاكهة ، هكذا يحيا الانسان ولكن صدقيني يا سيدتي ، الخبز أهم من حريتي ، ماذا يعنيني اذا سمحت لفمي بالكلام بحرية طوال الوقت ولم تطعميه بقليل من الخبز يقتات به ، ماذا يعنييني ان سمحت لي باعتناق ديانة او عقيدة ما بحرية والجوغ في حد ذاته كافر سيجعلني أكفر بكل ما ادين به واعتقد فيه

- ولكن الحرية هي ضمان لاستمرار الخبز
- ماذا تعنين ؟
- اعني لو أن أحدا سرق قوت يومك ، الخبز الذي تتحدث عنه، وليس لديك حرية الكلام التي تسمح لك بانتقاده، فكيف تضمن وصول خبزك اليك ، ألم تسمع المثل الذي يقول " جوع كلبك يتبعك"
رد الرجل في صوت حائر:
- أظن انه في النهاية سيسمح لي بالقليل من الخبز لأنه لو تركني جائعا ساتكلم ولن يستطيع ساعتها أن يحرمني من الأثنين الخبز والحرية وهو لديه المثل الاخر " جوع كلبك يأكلك"

هزت الحرية رأسها غير مصدقة قبل أن تقول:
- هذه بطن تعودت علي الذل والخوف ، تخاف من غياب القوت، لابد أن له اولاد واسرة، ولابد أن وظيفته قد علمته االخنوع وعدم الاعتراض ، هو من النوع االذي يعمل لبطنه وليس لفكره ، لنستمع الي شخص اخر اخير ليكون هو الفيصل بيننا

انتظر الجميع حتي راؤا شابا يسمك بيد فتاة ليعبر بها الطريق فاستوقفوهما وسأله الخبز:
- قل لي أيها الشاب من الاعظم بنظرك الخبز أم الحرية؟
نظر الشاب الي الفتاة وهو يقبض بيده علي كفها قائلا :
- الحب اعظم من الجميع
صعق الخبز وهو يقول :
- ماذا ؟ لابد انك واهم ولم تطحنك الحياة بعد ، الحب هراء يا فتي
هنا امسك الحب الصغير بتلابيبه وهو يقول :
- لماذا ايها الخبز ، أعجيب أن يكون هناك من يقدرني ويجعلني أعظم منك ومن عمتي الحرية
- أهدأ أيها الخبز ، ولكن في زماننا هذا حينما يخلو البيت من الخبز يغادره الحب علي الفور، وكيف يحب الانسان بمعدة خاوية ، لابد من الحب واشياء أخري ، كيف يحل الأنسان وهو مكبل الأرادة مسلوب الكلمة، في غير وجودي او وجود عمتك لا يستطيع المرء أن يحب ، وجودك مرهونا بنا ، ولكن لننتظر شخص اخير عله يفصل بيننا جميعا ، هناك الان نقطة لكل واحد منا ، نريد من يفصل بيننا

انتظر الجميع حتي ظهر شيخا وقورا يتوكأ علي عصا يعبر بها الشارع فاستوقفوه قائلين :
- أيها الرجل الطيب قل لنا من أعظم الخبز أم الحرية أم الحب ؟
أشار الرجل العجوز بعصاه قائلا :
- كانكم تخيروني بين الموت جوعا ، او ان اصبح عبدا أو أن افقد احساسي بالحياة
قالت له الحرية متبسمة :
- لا الأمر بسيط ، فقط أختر من بيننا أنا ام الخبز أم الحب
- ولما علي الاختيار، الا استطيع الاحتفاظ بكم أنتم الثلاثة
- لا يجب أن تختار واحد فقط
- اذن سأختار الموت
- هذا ليس من ضمن الاختيارات يا سيدي
هز الرجل راسه موافقا :
- بالطبع فهو أنسب الاختيارات ، كيف تطالبونني أن أعيش بالحب وحده او بالخبز وحده ، او حتي بالحرية وحدعا ، المرء لا يستطيع العيش بدون الثلاثة ، ولو عاش باثنان صارت حياته ناقصة ولو عاش بواحد فقط كان الموت أهون له
سألته الحرية :
- لهذه الدرجة يا سيدي
- بالطبع يا بنيتي الحرية
هتف به الخبز قائلا :
- ولكن انا الخبز الوحيد الذي اقاموا له بيتا وهو المخبز ، حيث تجدني علي الدوام ، الوحيد الذي له ثمن والوحيد الذي يمكن الحصول عليه من الجميع
قال له الرجل الوقور في هدوء :
- وهذا يجعلك ادناهما منزلة ، فالحب والحرية ليست لهما بيوت ولا ثمن، ولكن صدقت في قولك أنه يمكن الحصول عليك من الجميع، أما الحب والحرية مشروطان هما لا يتوقفان علي أرادتك فقط بل علي ارادة من يمنحونك هذا الحب وتلك الحرية

قالت الحرية وقد بدا لها انها المنتصرة :
- اذن فهو أنا يا سيدي ، أنا الاعلي منزلة
- أخطأت يا سيدتي ، الحرية مشروطة كما قلت ، وليست كلها خيرا، فحرية القول قد تؤدي الي الاشاعات والكذب والافتراء ، وحرية الفكرة قد تؤدي الي الدسيسة ،وحرية العقيدة قد تؤدي الي الالحاد ، وحرية النقد قد تؤدي الي الفوضي ، الحرية قد تقتل ، لو اتحت لطفلك الكثير من الحرية قد يقتل نفسه ، ولو اتحت للشاب الكثير من الحرية ربما انحرف

ضحك الخبز وهو يضرب الارض بقدميه في جزل :
- اذن هو أنا ، أنا الاعلي منزلة

هتف به الوقور وهو يربت هلي كتفه قائلا:
- ومن الحب ما قتل أيضا يا بني ، حب الفضول قتل القطة ، وحب الدبة لصاحبها دفعها الي قتله ، وكم من قصص حب كان لها شهداء

حدق الجميع فيه مصعوقين قبل ان يسألوه :
- اذن ما النتيجة ، أنت لم تجب علينا ، لم تختار من هو الاعظم
هز الرجل العجوز رأسه وهو يكمل مسيره قائلا :
- ولما علي الاختيار



#حسام_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خلسة
- الضرع
- عصفور
- ندم قابيل
- المتعة المسروقة
- الزيارة
- قدح الشاي
- قاتل أبيه
- فوضي الفتاوي
- اشكال الاسلام المرفوضة
- المسرح الاسلامي
- السينما الاسلامية
- البدائل الاسلامية
- مشروع مصر المستقبل


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الخطيب - حدث يوما