أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الخطيب - قدح الشاي














المزيد.....

قدح الشاي


حسام الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 5388 - 2016 / 12 / 31 - 15:02
المحور: الادب والفن
    


سكب شلال الماء الساخن في بطء مثير ، وهو يراقبه يعانق حبيبات السكر داخل القدح الزجاجي في حميمية، أحس بشعور بالسعادة يملؤه ، ولما لا وهو اول قدح للشاي يحتسيه منذ الصباح، التقط ملعقة فضية صغيرة بين انامله وهو يقلب بها الشاب ليفني ما بقي من حبيات السكر، وكانه يحررها من مرحلة الشرنقة التي هي لا شئ الي مرحلة الفراشة التي هي كل شئ ، ولوهلة شرد في سحب البخار المتصاعد من الشاي مع افكار فلسفية تافهة لا قيمة لها.
تساءل في قرارة نفسه عن الشعور الذي لدي حبيبات السكر لو كانت تشعر تحت الماء المغلي ، ماذا لو كانت حبيبات السكر تشعر ولكن لا تقدر علي الكلام ، هل يشبه الالتحام بين الشاي والسكر بحميمية العلاقة بين الذكر والانثي
اخذ قدح الشاي الي الشرفة ووضعه علي حافة افريزها وهو يشاهد غروب الشمس من بعيد وتسائل كيف كان سيكون شكل العالم لو لم يكن هناك شاي ، هل كان سيحب القهوة، أم انه سيلجأ اليها لانه لا بديل لها
في رأيه القهوة تختلف عن الشاي ، فهما ليسا متماثلان في الطعم واللون والرائحة، ولكنه يعتبر القهوة مشروب من يريد التركيز، اما الشاي فمشروب من يريد الشرودن مع سحائب الدخان والبخار المتصاعدة من اقداح الشاي يمكنك الشرود في أي شئ ، وهو ليس شرودا بتفكير، فلن تنهي حل معادلات رياضية او تحل لغزا بوليسيا اثناء ذلك، بل شرودا يأخذك من كل عالمك وواقعك وامالك واحلامك والامك ، ليلقي بك في قعر بئر لا قرار لها ، الي فضاء سرمدي لا نهاية له، بلا افكار او احلام ، وكأن اسمك وشخصك يذوبان في كيان واحد اسمه لا شئ ولا احد
أرتشف اول رشفة من قدح الشاي، آه لو قدر له ان يصفها ، تشبه اول قبلة لفتاة، اول راتب نتحصل عليه بعد عمل شاق، اول مره سافر بها، هي الشعور باللذة، منتهي اللذة، ابتسم في قرارة نفسه ، أدرك ان كل الاشياء لها بعد فلسفي حتي قدح الشاي
ارتشف الرشفة الثانية ، حاول ان يفلسف طعمها ، فلم يجد، ربما المرة الثانية من الشئ ليست بذات طعم المرة الاولي ، هي فقط للمقارنة ، تقارن زواجك الثاني بزواجك الاول ، ابنك الثاني بابنك الاول ، بيتك الثاني ببيتك الاول ، هي فرصة للتاكد كذلك، تتأكد من انك اخطات او اصبت
نظر الي القدح وهو يوالي الرشفات ، يحاول ان يستحلب اللذة بكل اشكالها ، أغلق عينيه بقوة مع بعض الرشفات ليكتشف لذة اخري هي لذة الكفيف في التذوق، للشراب طعم احلي وانت تشربه مع عينان لا تري، ربما لانك تعزل حواس النظر ليحتل محلها حوا س التذوق، انف يشم ولسان يتذوق
قاربت الرشفات علي الانتهاء، بقي رشفة واحدة اخيرة، أحس بها مثل بوابة الجنة ، هي اخر ما تراه، وما لا تريد التفريط به ابدا، هو كغيره يدرك ان الرشفة الاخيرة في اي كوب تعادل الكوب كله ، لذا كان يحرص حين يتقاسم الكوب مع اي شخص علي ان يترك له النصف الاول ليستمتع هو بلنصف الثاني والاخير، بطعمه الاحلي والاشهي، وبالذات ليتمتع بمذاق الرشفة الاخيرة ولا شئ يضاهيها، هي تشبه لفافة التبغ الاخيرة التي يدخنها من هو مقدم علي الموت تشبه الحب الاخير في حياتك الذي ينسيك عذابات ما قبله، تشبه المفتاح الاخير لديك الذي يفتح الباب بعدما تفشل بقية المفاتيح
أنهي الرشفة الاخيرة وكانه يلعق القدح لعقا، قبل ان يضحك ضحكة نصف مبتورة لخيالاته، نظر الي الشمس الراحلة وهو يتسائل هل الكون معقد ام بسيط ، أكوب شاي يحتاج كل هذه الفلسفة والتأملات ، ماذا عن غروب الشمس هل يشبه الوفاة ام الميلاد الجديدة، ام استراحة محارب تعب ، ماذا عن المد والجزر، ماذا عن الخسوف والكسوف، ماذا عن حركات الطير في السماء، ماذا عن موسم التزاوج لدي حيوان الطلطميس ، ان كان هناك حيوان بهذا الاسم
أحس برغبة في كتابة خواطره، امسك باجندة قديمة يحتفظ بها لتدوين مواعيده واعماله العاجلة، جلس يكتب كلمات غير مترابطة ، الموت، موسم الشتاء، هجرة السلمون، عم ادريس الساعي، الباذنجان المقلي، رائحة التراب بعد رش الماء عليه، كلمات غير مترابطة، أخذ يفكر كيف يمكن ان يوجد فلسفة داخلية عميقة عن كل كلمة من هذه الكلمات، اعتصر مخه بحثا ، عجز عن ايجاد العلاقة او الفلسفة، اغلق اجندته وهو يبتسم قائلا لنفسه
- الامر يحتاج الي قدح، قدح شاي



#حسام_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قاتل أبيه
- فوضي الفتاوي
- اشكال الاسلام المرفوضة
- المسرح الاسلامي
- السينما الاسلامية
- البدائل الاسلامية
- مشروع مصر المستقبل


المزيد.....




- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الخطيب - قدح الشاي