نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
الحوار المتمدن-العدد: 5384 - 2016 / 12 / 27 - 21:40
المحور:
الادب والفن
عندما تندب أمّ فقدت عزيزاً لا يسعنا سوى البكاء. النّدب ليس عتابا، وميجانا. هو لغة القلب، ولغة الظلم والقهر فعندما سمعتها تندب ابنها أحمد الذي قتل على يد قوات الجيش وهو في بيته ظنّنت أنّني أنا من قتله،لأنني لم أستطع أن أمنع عنه الضيم.
غنيّت معها ولم أمنع نفسي من العويل، ولما التقيت بتلك الأمّ التي رأيتها في مركز اللجوء، والتي كانت تحدثني عن ابنها المقتول، وأنّها اطمأنّت عليه أنّه قد مات، لكنها قلقة على ابنها المخطوف. كانت تتحدّث بشكل طبيعي بينما أبكي، ثم اعتذرت مني وذهبت إلى غرفة الصلاة في سكن اللجوء، التفتت إليّ وقالت لم أكن أرغب بالمجيء لكن إخوتي هربّوني لأنّني امرأة كي لا يغتصبني الجنود في حمص. كان هذا قبل ثلاث سنوات.
لن أوجع قلوبكم فأنا لست معارضة ولا مواليّة . إنّني ندّابة . تخصّصت بالنّدب منذ ما قبل ميلاد المسيح، وكنت شاهداً على صلبه، وعلى كلّ الذين قضوا عقوبتهم صلباً حتى الموت. رأيت الاسخريوطي عندما أوشى به، ولا زال ذريّته تتكاثر في بلادي حتى أصبحت أعتقد أن كلّ من يتحدّث لغتي هو اسخريوطي يريد أن يصلبني.
عندما كانت أمهاتنا ترنّم لنا بصوتها الحزين، وكنا لا زلنا في أسرة الولادة. كنّا ننام على صوت البكاء، نمتلئ بالحزن، نختزن الصوت في لا وعينا، نخاف الظّلام، نهرب من فراشنا إليها كلّما ازدادت سنوات عمرنا.
ليس كلّ الأمّهات متشابهات، فهناك أمّهات يربيّن أولادهن على أنّ القتل بطولة. سلب الاستبداد أمومتهن، أصبحن يفكرنّ في الانتقام. الموت هو الموت، وهناك فرق فقط بين من قتل ظلماً ومن قتل انتقاماً للظلم.
كلّما جلست مع نفسي في ساعة صفاء. أحتاج إلى النّدب، وأبدأ بما قلته لأميّ بعد
رحيلها:
آه يا أمي شو صعب حالي من كتر همّي أبكي ع حالي
آه من غربتي، ومن كربتي ومن طول كلّ الليالي
مضيع وليفي. مضيع وليفي
يوم التقينا ضاع وخلا بالقلب خوفي
آه من غربتي، من كربتي ومن خوفي
للحكاية تتمّة لا أستطيع أن أسردها لأنّ عينيّ اغرورقتا بالدّموع.
هو ندب ليس إلاّ. أنتهي منه ثم أعود مبتسمة، أشكر الحياة لأنّها أعطتني الكثير، ولا زالت تعطيني، أتمتّع بالجلوس مع أولادي، وأحفادي. القريب منهم والبعيد. أضحك، أقهقه، أغضب، وأبكي فأنا من صنف البشر، وليس من صنف التماسيح.
#نادية_خلوف (هاشتاغ)
Nadia_Khaloof#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟