أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - أردت أن أكرّم نفسي














المزيد.....

أردت أن أكرّم نفسي


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 5367 - 2016 / 12 / 10 - 18:34
المحور: الادب والفن
    


مرّ هذا الحديث في ذاكرتي، وأنا أجلس في المطعم إلى طاولة الغداء، وأمامي صحن من اللحم المشوي، والحمص والخبز. تمرّر صديقتي شريط حياتها أمامي، وهي تبتسم: اكتشفت أن عقلي عقل طفل في السّابعة. لم أنجح بأيّ موضوع. لم أفكّر في نفسي.كنت أشعر بالسّعادة عندما أطبخ طعاماً يأكله أفراد عائلتي بمتعة.
لم أجلس إلى المائدة معهم بل كنت أتابع طريقة أكلهم، أقوم على خدمتهم بمحبّة، كان أولادي صغاراً، وربما تكون هي أجمل فترة من حياتي.
عاتبني زوجي مرّة: تطعمين أولادك اللحمّ، ولا تخصّصيني بطبق منه.
-أعتذر يا زوجي. تجلب كيلو غراماً من اللحم كلّ شهر، ولا تترك لنا مصروفاً في المنزل، وعندما تستطيع شراء الجنس تذهب مع امرأة ما إلى المطاعم، والفنادق. أعتقد أنّني مسؤولة عن جلب هؤلاء الأطفال إلى الحياة، وعليّ أن أطعمهم.
-أنت مجنونة ملعونة تفترين علي. هل شاهدت بعينك؟
الحقيقة أنّني شاهدت بعيني فعلاً، لكنّ السكين التي كانت بيده منعتني من الإكمال.
اعتذرت منه ، وقلت له عندما سوف تجلب لنا اللّحم سوف أخصّك بأوقيّة منه.
-أنت شريرة، ليس لك أمان. سوف أترك هذا المكان.
-تعالَ إلى هنا. أعطني بطاقة الراتب. في كلّ مرّة تقول سوف تعيدها لي، ولم تعدها. عدها، وأغلق خلفك الباب.
- تضربيني منّية بالبطاقة. راتبك لا يكفي "للبرسيم" الذي تطعمينا إيّاه، لم أشمّ منك رائحة عطرة يوماً.
ذهب، ولم يعطني البطاقة، وسوف يبقى مدّعياً الغضب لعدّة أيّام، وبعدها يعيد الأمور طيبة، يجلس على رأس السّفرة يقول الطّرائف كونه رجل يعرف كيف يدير الحياة، وتلك السّفرة أنا من عليّ أن أقوم بصنعها. أحياناً أسرق من جيبه ثمن الخبز، وأحياناً أبيع أعمالاً يدويّة في الحدّيقة.
لا أفكر بالطّلاق. فقط أرغب أن يدفع لي ثمن طعام الأولاد. دخلي يكفي، لكنه لا يسمح لي بالتّصرف به فالبطاقة لديه، خبّأها في مكان ما. فتّشت عنها، ولم أجدها.
انتهى الموضوع منذ عدّة سنوات. نعيش في نفس المنزل دون حوار. أولادنا يكبرون، ويحتاجون المال. يقول: اعتبريني من الأموات.
عليّ أن أصنع الطّعام، وأجلب الخبز، وهو يأكل من أكلنا ويشكر ربه، لكنّه لا ينسى أن يشتري زجاجة الخمر كلّ مساء. تلك الزّجاجة التي دمّرت العائلة وسوف تحوّلها إلى هباء. ما الحلّ؟
لو غادرت المنزل هل سوف تطعمون أولادي؟
لجأت إلى الغذاء البديل. صنّعت اللحوم من وصفات ابتكرتها كي أستطيع إشباع أولادي. غذاؤنا هو خبز مع اللحم. في كلّ مرّة أصنعه بطريقة. لحم من صنعي ليس فيه بروتين.
عاش أولادي في ظلّ أمّ وأب، ولو عاشوا في ظلّ حائط لكان أفضل، ولما كانوا اختزنوا ذلك الألم الذي يولد لديهم الغضب.
نسيت نفسي، كنت أتناول غدائي من الفضلات التي يتركونها على الطّاولة. أحسست بشعور متدّنٍ، أحسست أنّني كنت مخطئة، وعندما فكّرت في اللحم الذي عاتبني عليه زوجي في يوم من الأيّام اكتشفت أنّني لم آكل اللّحم إلا عن طريق الصّدفة.
أصبح الأولاد شباباً، وذهب زوجي مع امرأة أخرى. عندما تهاتفني ابنتي، تقول: أحبّك. أبكي بعد أن أغلق الهاتف أشعر أنّني لا أستحق. لماذا سوف تحبّني؟ لقد سمحت لوالدها أن يجلب عشيقاته، وأن يغازلهنّ أمامها، كما أنّ الشّك كان يراودني بأنّه قد يعتدي عليها أيضاً.
كنت عاجزة عن حماية نفسي، وحمايتهم. لكنّهم ربما نجوا، وبقيت أنا. عادت بطاقة الرّاتب إليّ. البارحة أردت أن أكرّم نفسي، ذهبت إلى المطعم، طلبت صحناً من اللحم. أكلت الخبز والحمّض، ثم أخذت اللحم معي. كنت أبكي، وصلت إلى مكان بعيد تجتمع فيه الكلاب الشّاردة، وضعت اللّحم المشوي لهم. لم أستطع بلعه.
لا أعتبر نفسي ضحيّة لأنّني أدرك جيّداً أنّ أيّة امرأة لا تستطيع فعل أكثر مما فعلت. كان عليّ أن أغادر. ماذا عن الأولاد؟ هم قانوناً لوالدهم، كان عليّ أن أتركهم إن غادرت. هل سوف أسامح نفسي لو تم الاعتداء على ابنتي. الأمر ليس بسيطاً. نحن في عصر عبودية الإنسان، وعبودية المرأة بشكل خاص.
بمناسبة اليوم العالمي لحقوق اإنسان



#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلام مشربك شوي
- لا أبالي
- من يحمي كرامة كبار السّن؟
- ساعة واحدة من أجل البكاء
- من أجل القضيّة
- عنّي وعنهم
- عودة إلى الحبّ
- تعالوا نعرّي الحبّ
- المجد، والخلود للوطن
- ينتابني شعور مبهم
- يقال أنّه الحبّ
- العضّ على أصابع النّدم
- التّحكّم بمصير النّساء
- كلام عبثيّ خارج الحدود
- ألبوم الصّور
- ثقافة الزّيف، والنّفاق
- أعود إلى زمني
- اعتذار
- عتاب
- لا تنتظر موعدنا الليلة


المزيد.....




- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - أردت أن أكرّم نفسي