أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - في بلد العميان















المزيد.....

في بلد العميان


منير ابراهيم تايه

الحوار المتمدن-العدد: 5358 - 2016 / 12 / 1 - 16:25
المحور: الادب والفن
    


في بلد العميان!!
العيون ليست سوى عدسات، أما العقل فهو الذي يرى...!!!
واحدة من أشهر الروايات.. رواية عبقرية وملهمة.. ما ان تقرأها حتى تشعر أنها تلامس شيئا ما بداخلك.. ذلك ان الصراع الذي عاشه بطل القصة"نيونز" بين ان يظل محتفظا ببصره أو أن يقبل التخلي عنه مقابل إن يعتبره المجتمع مواطنا كاملا ليستطيع إن يتزوج من حبيبته (مدينا ساروته) .. ما من أحد يقرأ هذه القصة حتى يجد شيئا ما في حياته تشابه مع حالة الصراع تلك.. حالة الصراع بين ماهو متعارف عليه وبين ماهو بداخلك .. "ارض العميان" رواية الكاتب البريطاني هربرت جورج ويلز رواية رائعة تفوق الوصف يمكن إسقاطها على الوضع السياسي والإجتماعي الذي نعيشه اليوم.. عندما ينهار الحق أمام الباطل لان الحق حين لا يجد من ينصره يستسلم للباطل، الرواية لا تتحدث عن العمى الذي يصيب العيون وانما عن ذاك الذي يصيب النفوس والعقول. انها تتحدث عن "الجهل" والفقر الفكري وعن سهولة انتشارهما عندما يجدا الخصوبة في الأرض والمناخ الملائم... فالجهل هو الذي يحول الناس الى مخلوقات حانقة مذعورة عاجزة...
ان من يعيش في عالمنا اليوم عليه أن يضع على عينيه عصابة سوداء، وأن يلغي عقله ويقتل ضميره ، فكل شيئ في هذا العالم يصيب بالجنون، فلا حياة لمبصر وصاحب ضمير ، العمى وموت الضمير اصبحا شرطا للحياة على هذا الكوكب..
تحكي الرواية عن مهاجرين هربوا من طغيان الأسبان ثم حدثت انهيارات صخرية عزلتهم عن العالم في وادي غامض مجهول وانتشر بينهم نوع من أمراض العيون أصابهم بالعمى وظلوا يتوارثون هذا العمى حتى 15 جيلا، حتى نسوا نعمة البصر وعضو العينين ولكنهم استطاعوا تكييف أوضاعهم والتأقلم مع حقيقة عدم وجود البصر بالبصيرة وبالسمع وباللمس والإحساس ..، ونسوا ان هناك ما يسمى بنعمة البصر وبالعضو الذي يسمى العينان..
ويظهر هنا بطل القصة.. نيونز، وهو مغامر شاب يهوى تسلق الجبال .. تلقي به المقادير في بلادهم .. ويلاحظ أن المساكن ألوانها فاقعة غير متناسقة وبلا نوافذ ! ثم يدرك أنه في بلد العميان ويتذكر مقولة "الأعور يصبح ملكا في بلد العميان" فيظن أن بإمكانه أن يجد مكانا له هنا لأنه الوحيد المبصر بينهم، حاول إقناعهم بأنهم عميان وبأن هناك نعمة تسمى البصر يفتقدونها لكنهم لم يصدقوه واعتبروه مجنونا، حاول الفرار ولم يستطع، واضطر للعوده إليهم بعد تعب وجوع ليقر بخطأه ويضع نفسه تحت تصرفهم..
كانوا طيبي القلب معه فتقبلوا وجوده بينهم.. ويصادف المغامر فتاة من العميان كانو يعتبرونها قبيحه لان وجهها مدبب ولها أهداب طويلة مما يخالف فكرتهم عن الجمال ! بينما هو لانه مبصر استطاع أن يعرف أنها أجمل فتيات المدينة، أحبها وتقدم لخطبتها .. فاحتار أبوها، كيف يرضى بهذا المجذوب الذي هبط عليهم من غير موعد ؟؟!! هل يقبل به ام يرفضه ويتركها بلا زواج؟!!
طلب مشورة حكيم القرية .. فكان رد الحكيم بعد فحص الشاب بأن سبب جنونه هو عضوين مزعجين في وجهه أعلى أنفه "يقصد العينان" وأنه يجب استئصالهما ليكون طبيعيا مثل سكان القرية!! لكنه يرفض.. ويصف لحبيبته المتع والجمال اللذان يراهما بعينيه ولكنها تلمس يده برقة وتقول انها تحب خياله (!!) ولكن يجب أن يضحي إذا كان يحبها، يقبل الفتى الخضوع لعملية استئصال عينيه .. هكذا صار العمى شرطا حتى يرتقى ويقبل به المجتمع ويصبح مواطنا كاملا يستطيع أن يحيا حياة طبيعية مثل الباقين .. فهم لم يكتفوا بكونهم عميان ولم يصدقوا كلامه عن البصر بل اشترطوا أن يصبح مثلهم حتى يعتبرونه مواطنا كاملا ... إما ذلك واما يحرم من الفتاة التي احبها التي هي بدورها وإن كانت لا تسخر من قصصه مثلهم ولكنها في قرارة نفسها تعلم أنه مريض وأن مايقوله ليس سوى قصص من صنع خياله.. وفي اليوم الأخير قبل إجراء العملية خرج ليرى العالم للمرة الأخيرة ولما رأى الفجر يغمر الوادي بالوانه الساحرة.. شعر أنه سوف يرتكب جريمة في حق نفسه.. ما الذي انتوي أن أفعله.. كيف أقبل أن أكون أعمى وأضحي بحاسة البصر.. واتخذ قراره بان يتسلق الجبال ويهرب ... أخذ يتسلق بكل قوة وتصميم على الهروب، وحين غربت الشمس كان قد بعد جدا عن بلد العميان.. أخذ ينظر للنجوم وهو يبتسم..
هذا ملمح من القصة وهي عبقرية في رمزيتها، تمثيل سردي لسلالة عمياء تعيش في وادي منعزل عن عالم البشر، رمي فيه سلالة من المكفوفين، ثم ابتكر حدثا سرديا تأتى عنه تمثيل بالغ الأهمية لثنائية الأبصار والعمى بعد أن ربطهما بنزاع ثقافي وقيمي بين رجل أبيض مبصر وسلالة عمياء أبعدت، جيلا بعد جيل، عن مسار التاريخ، وكأن المبصر الأبيض جاء إلى واديهم لإنارة أبصارهم المنطفئة فالعميان قد يكونون أفراد أي مجتمع انغلقوا على ذاتهم، ورضوا بظلام جهلهم وعاداتهم فلم يعودوا يرون النور في أي مكان آخر، والعميان هم المتعصبون الذين لا يقبلون الآخر ما لم يؤمن بأفكارهم ويصبح أعمى مثلهم، كانت علاقته معهم اشكالية ، فعندما اخبرهم انه جاء من بوغوتا حيث الناس يبصرون لم يفهموا كلمة "يبصر" وعندما وقع في حب فتاة عمياء اشترطوا عليه أن يتخلى عن بصره ليوافقوا على ارتباطه بها الأمر الذي دعاه إلى الهرب منهم.. لم ينظر إلى ذلك الوادي باعتباره مكانا احتضن جماعة بشرية احتمت به من الأذى الإسباني، إنما نظر إليه على أنه أرض مجهولة انزوى فيها غرباء، أصيبوا بالعمى، فاعتزلوا العالم،. لفظهم التاريخ كون أقدام المستكشفين لم تصلهم اذ ينبغي أن يحضر المستكشف الأبيض ليعيد تأهيلهم بعد أن شذوا عن الطريق القويم
إذا فقد انبثقت حكاية بلاد العميان من خضم الخيال الاستعماري الذي شغف بالغريب والعجيب من الأراضي النائية والشعوب النائية، والمستكشفون الذين نذروا أنفسهم لإزالة العمى عنها باعتبارها حالة مظلمة من حالات الجنس البشري، وادراجها في التاريخ الإمبراطوري، وهو تاريخ المبصرين؛ فاتخذ العمى، في قصة "أرض العميان" موضوعه من الجدل بين الشعوب المتحضّرة والشعوب البدائية، ورغبة المستكشفين في حكم تلك الجماعات، وبسط السيطرة الامبراطورية عليها
إن الرواية تلقي بظلالها على كثير من الأحداث حولنا علنا نعتبر أو نتعظ، فعندما تكون أنت العاقل الوحيد في زمن الجنون .. المتعلم الوحيد في زمن الجهل .. المبصر الوحيد في أرض العميان .. أن تكون قيمك وأفكارك وآرائك ورؤيتك للحياه في كفة وتقبل المجتمع لك في كفة أخرى.. أن تشعر بأن عقلك وأفكارك عقبة بينك وبين المجتمع ... أو ان ينظر لك المجتمع أنك مواطنا مريض ويجب علاجك... محكوم عليك بأن تشقى وأن يكيلوا لك الإتهامات بالجنون والتهور والخيانه والعمالة والفلولية.. فما أكثر أصحاب البصر عميان البصيرة بيننا، وما من مبرر لهم غير عمى أبصارنا وبصائرنا فإما ان تستسلم وتصبح مثلهم وإما عذاب أبدي مقيم.



#منير_ابراهيم_تايه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هوس الكتابة.. وطقوس لا تخلو من الغرابة؟!
- أدباء وشعراء -منحوسون- واحلام على قائمة انتظار -نوبل-؟!
- وعد بلفور.. بيت العنكبوت الذي صار حصنا
- من هم البرابرة*؟
- -الساعة الخامسة والعشرين- عرت الوجه الحيواني للانسانية
- --الغابة النرويجية- للياباني هاروكي موراكامي اليابان بين نقد ...
- تصريح -بلفور- وعد ام عقد مشاركة؟
- صناعة الغباء والتلاعب بالعقول؟
- بين الضوء والظل .. اللامنتمي!!
- قيس بن الملوح... امام العاشقين
- -قناديل ملك الجليل- لابراهيم نصر الله.. رواية الثورة والحلم
- -أبناء الأيام- لإدواردو غاليانو: متحف الذاكرة الإنسانية
- -النفوس الميتة- ثقب في ضمير الانسانية!!؟
- رضوى عاشور في -الطنطورية- تعيد سرد تاريخ النكبة الفلسطينية
- -الخيميائي- رواية فلسفية تأخذك لعالم الروح
- الف شمس مشرقة لخالد حسيني
- -عزازيل- يوسف زيدان.. تشابك المتخيل والتاريخي
- الفكاهة والهزل في الادب
- -الذرة الرفيعة الحمراء- لمو يان.. عوالم روائية مدهشة
- العلم الحديث بين التعريب والعبرنة


المزيد.....




- -الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال ...
- ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل ...
- صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة ...
- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...
- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - في بلد العميان