أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - هوس الكتابة.. وطقوس لا تخلو من الغرابة؟!















المزيد.....

هوس الكتابة.. وطقوس لا تخلو من الغرابة؟!


منير ابراهيم تايه

الحوار المتمدن-العدد: 5350 - 2016 / 11 / 23 - 20:05
المحور: الادب والفن
    


هوس الكتابة .. وطقوس لا تخلو من الغرابة؟!
الكتابة كسر للمألوف وهي حالة تنتابك من حيث لا تدري، تأتيك في غفلة في أي زمان ومكان، وقلق الكتابة أجمل بكثير مما يكتب، قهوة الصباح، شاي الظهيرة، القطيعة، واعتزال الدنيا والاستئناس بالوحدة والعزلة، لحظات مخاض من دون شك، الابداع مثل الموت يجعلك تتخلص من القيود التى تحيط بك وتكبلك تماما كما تتخلص الروح من قيود الجسد، ولكل كاتب لحظة تدفق ينهمر فيها ابداعه، هذه اللحظة تعرف بـ"الإلهام"، انها لحظة شديدة الخصوصية والسرية. يتحوّل فيها المبدع من كائن محتمل إلى كائن غامض لا يحتمل، غريب الأطوار، استثنائي، لا ارادي ينفصل عن ذاته الطبيعية ليدخل في عالم آخر من الخيال، فلحظة الإلهام، يتهيأ لها كل كاتب فى العالم، يقتل نفسه بحثا عن المكان الأنسب، والزمن الأفضل، والظروف الملائمة، تختلف من شخص لآخر استعدادا لميلاد شخصيات عمله الروائي او القصصى او أبيات اشعار ديوانه، لحظة المصالحة هذه هي من أغرب اللحظات التي تمر في حياة الاديب او المبدع.
والمسألة ليست مسألة ترف فكري أو نوع من الاستعراض، فالطقوس المختلفة من أجواء وألوان وروائح وملابس وأصوات تركز "الحالة" وتدفع بها إلى أقاصيها، والطقوس محفزات بالمعنى السيكولوجي للكلمة، وهي مجموع الأناس المتعدد والمتشكل والمنضبط ما بين غرائزية معتمة تنفلت وما بين مثالية تتشوق إلى الذوبان، فهل من يتبع طقسا في الكتابة أكثر إبداعا من سواه؟ وهل "الحالة" تضيف للإبداع شيئا أم هي بداية الإبداع؟
الروائية البريطانية زادي سميث صاحبة رواية "اسنان بيضاء" تقول: لا تحاول إضفاء الطابعٍ الرومانسي على "مهنتك" ككاتب، فإما أنك تستطيع كتابة جمل جيدة وإما أنك لا تستطيع ذلك؛ إذ لا يوجد شيء يسمى "أسلوب حياة الكاتب" وتقصد بذلك الأسلوبِ الصورة الشائعةَ عن الكتاب كمخلوقات حائرة تعيش مهددة بأشباح الإدمان والجنون، مهمِلين في ثيابهم وصحتهم وهائمين على وجوههم هنا وهناك. كلما أمعنت في رحلتك مع القراءة والكتابة سوف تكتشف أن هذه الصورة الشائعة غير صحيحة، وأن مئات الكتاب الكبار اتسموا والتزموا بالتنظيم اليومي الصارم، والحرص على تفاصيل حياتهم، وعلى عيش حياة هادئة وممتعة.
فهـل للكتابـة طقـوس؟ ومتى يكتب الكـاتب؟ أين وكيـف؟ مـاذا يلبس ومـاذا يأكل..؟
طقوس الكتابة كانت شيئا أساسيا فى حياة شعراء الجاهلية والعصور التى تبعتها، والطقس يعني العادات "الغريبة" التي يمارسها الكاتب قبل او اثناء الكتابة، فمن هه الطقوس ما يكاد يعجز ليس العقل بل الخيال عن فهمه، فقد كان المتنبى يصوغ شعره على إيقاع خطواته، أما أبو تمام فكان يكتب فى غرفة حارة بعد أن يرش أرضيتها بالماء و الفرزدق كان يركب ناقته، ويطوف منفردا فى شعاب الجبال، والأ‌ودية، والأ‌ماكن الخربة، حتى يأتيه إلهام الشعر ويقول ان نزع ضرسٍ أهون عليه من عمل بيت من الشعر، و أبو نواس يكتب القصيدة ليلا، حتى إذا جاء الصباح حذف معظم ما كتبه، وترك ما اقتنع به..
وقد قرأت منذ زمن أن مؤلفا موسيقيا روسيا كان لا يحلو له التأليف إلا عند محطة القطار، اماالكاتب الألماني توماس مان فقد كان يحلق ذقنه ويتطيب باجمل العطور ويلبس أفخر البدلات قبل أن يكتب نصا حتى لكأنه مقدم على خطبة أو زواج...
أبو القاسم الشابي الذي توفي عام 1934 وهو في الخامسة والعشرين من عمره كان يقول أن الالهام لا يأتيه الا في الهزيع الأخير من الليل وكان يضطر عنما يلهم الى استخدام فحم الحطب كطبشورة يكتب بها على جدران الغرفة التي يقيم فيها حتى اذا جاء الصباح عمد الى نقل ما كتب على الجدار الى كراس وكان ذلك يتسبب في مشاجرات مع الأهل ولكنه كان يقول لهم أنه مضطر الى التعامل مع العملية الابداعية على هذه الشاكلة
والروائي إبراهيم أصلان كتب معظم أجزاء روايته "مالك الحزين" في أحد المقاهي في قمة الضجيج، اما إرنست همينجواي فكان يصعد أعلى منزله، يكتب واقفا بالقلم الرصاص وهو ينتعقل حذاء اكبر من مقاسه، وكان يتابع عدد الكلمات التي يكتبها يوميا "كي لا يخدع نفسه" على حد قوله وحين يتوقف إلهامه الكتابي، يترك العمل على الروايات والقصص ويتجه للردّ على رسائل البريد.
وشاعرنا الكبير محمود درويش فقد اعتاد على نمط حياة معين، فلم يكن يبيت عند أحد، ولا يرغب في أن يبيت عنده أحده، كما اعتاد على النوم مبكرا فلم يتجاوز الثانية عشر ليلا ليستيقظ عند الثامنة صباحا، ويبدأ بحلاقة ذقنه، وتناول قهوته، ثم ارتداء ملابسه كاملة، كما لو كان لديه موعد غرامي، ليجلس وراء منضدته ليبدأ بكتابة أشعاره أو انتظار الإلهام، ولم يعرف عنه انه استخدم الكيبورد في كتابته قط، كان يكتب بقلم حبر سائل على ورق غير مسطر ثم يمزق الأوراق ويعود للكتابة ثانية ويستمر مسلسل تمزيق الأوراق طويلا قبل أن يقتنع بما يكتبه..
ويصف لنا حنا مينة طقوس الكتابة لدى الجواهري بالقول :رؤيتي الاولى للجواهري كانت في أواسط الخمسينيات دخلت غرفته في الفندق الذي نزل فيه ،في الظهيرة كانت النوافذ مغلقة والكهرباء ضعيفة وكان يدور في الغرفة في حالة من الغضب الغضوب وهو يتمتم بما لا أدري من الكلمات ،كان الدخان منعقدا، وأعقاب السجائر في كل مكان ،في المنفضة ،على حديد مشعاع التدفئة على الأرض ،وكان قد كتب على ظهر علبة سجائره وعلى أوراق صغيرة وعلى الجدران وقال لي أنه يدون مطلع المورد في القصيدة فقط وبعد ذلك في الملعب البلدي –الذي كان في موقع معرض دمشق الدولي ،ألقى قصيدته في تأبين الشهيد عدنان المالكي والتي مطلعها :
خلفت غاشية الخنوع ورائي**وجئت أقبس جمرة الشهداء
الكاتبة البريطانية جي. كي. رولينغ كاتبة سلسلة هاري بوتر الشهيرة تكتب رواياتها على أوراق مقسمة إلى مربعات وكأنها "تمائم" ثم بعد ذلك تقوم بجمع الرواية في تسلسل واحد.. وللقارئ أن يتصور حجم الجهد وحجم المعاناة التي عليها تحمّلها وهي تقوم بجمع مسودة ما كتبت.. لكنها لا تستطيع التخلص من تلك العادات الكتابية.
هذه الحالة يصفها أندريه جيد بقوله: ان أجمل الأشياء هي التي يقترحها الجنون ويكتبها العقل وينبغي التموقع بينهما بالقرب من الجنون حين نحلم وبالقرب من العقل حين نكتب..
اما الروائي الجزائري الطاهر وطار، فكان لا يكتب في بيت الزوجية أبدا، وكتاريخ للبدء في الكتابة، فإنه يختار شهر أبريل من كل عام لكتابة رواياته كونه يمتاز بطول النهار، ويستخدم الحاسوب للكتابة، وعندما كان يستخدم القلم كان يكتب في سجل، ويصحح الأخطاء بقلم أحمر، ويبقى من التاسعة صباحا حتى الخامسة عصرا دون طعام
هاروكي موراكامي عندما يشرع في كتابة رواية، يستيقظ في الرابعة صباحا، يعمل على مدى خمسة أو ستة ساعات دون توقف. في فترة ما بعد الظهر، يفضل ممارسة رياضة الجري أو السباحة، يقرأ، يستمع إلى الموسيقى، يخلد للنوم في التاسعة ويحافظ على هذا النظام يوميا دون تغيير.
واخيرا هناك "طقسان" يكاد يشترك فيهما جميع الكتاب: القهوة والتدخين، و سأتجنب الخوض في التدخين وأكتفي بالقهوة.. يبدو لي أن غالبية كتاب الدنيا في عصرنا الحاضر لا يكتبون إلا والقهوة بجانبهم وخاصة القهوة التركية المحروقة الثقيلة. ويقال إن سارتر أتم كتابه "الوجود والعدم" في أحد المقاهي وقد استهلك أكوابا هائلة من القهوة...




#منير_ابراهيم_تايه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدباء وشعراء -منحوسون- واحلام على قائمة انتظار -نوبل-؟!
- وعد بلفور.. بيت العنكبوت الذي صار حصنا
- من هم البرابرة*؟
- -الساعة الخامسة والعشرين- عرت الوجه الحيواني للانسانية
- --الغابة النرويجية- للياباني هاروكي موراكامي اليابان بين نقد ...
- تصريح -بلفور- وعد ام عقد مشاركة؟
- صناعة الغباء والتلاعب بالعقول؟
- بين الضوء والظل .. اللامنتمي!!
- قيس بن الملوح... امام العاشقين
- -قناديل ملك الجليل- لابراهيم نصر الله.. رواية الثورة والحلم
- -أبناء الأيام- لإدواردو غاليانو: متحف الذاكرة الإنسانية
- -النفوس الميتة- ثقب في ضمير الانسانية!!؟
- رضوى عاشور في -الطنطورية- تعيد سرد تاريخ النكبة الفلسطينية
- -الخيميائي- رواية فلسفية تأخذك لعالم الروح
- الف شمس مشرقة لخالد حسيني
- -عزازيل- يوسف زيدان.. تشابك المتخيل والتاريخي
- الفكاهة والهزل في الادب
- -الذرة الرفيعة الحمراء- لمو يان.. عوالم روائية مدهشة
- العلم الحديث بين التعريب والعبرنة
- بابيون او الفراشة لهنري شاريير والصراع من اجل الحرية


المزيد.....




- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - هوس الكتابة.. وطقوس لا تخلو من الغرابة؟!