أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - من هم البرابرة*؟















المزيد.....

من هم البرابرة*؟


منير ابراهيم تايه

الحوار المتمدن-العدد: 5310 - 2016 / 10 / 10 - 13:30
المحور: الادب والفن
    


من هم البرابرة*؟
يحشد كل شيء لمواجهة هؤلاء البرابرة الذين لا نفهمهم، ولا نرغب في أن نفهمهم. وفي الطريق إلى محاربتهم يصبح كل شيء مبررا حتى تحول محاربو البرابرة إلى "برابرة".. ان البرابرة هم من يعتقدون بوجود البرابرة، لأن نزع بشرية اي انسان يجعل من الفاعل فاقدا لأي قيمة أخلاقية.. عشت مع الرواية "في انتظار البرابرة" للكاتب الجنوب افريقي جون ماكسويل كوتزي أياما صعبة ممتعة، لا أعرف هل أنا أمام لوحة أم قصيدة أم منشور فكرى يدين الحضارة الغربية.
انها من الروايات "المزعجة" إن جاز لنا ان نصفها بهذه التسمية.. مزعجة لواقعيتها والطريقة الحقيقية التي تصور بها العالم، كما لا تفعل معظم الروايات والكتب، رغم ان الكاتب جون ماكسويل كوتزي لاينتمي عرقيا للأفارقة السود رغم أنه من جنوب إفريقيا غير انه رجل أبيض. والرواية تعتبر من أهم الأعمال الأدبية التي تناولت طغيان الرجل الأبيض ومحاولته استئصال الثقافات التي تختلف عنه، فهو يصور لنا الإمبراطورية العظيمة في دور الإنسان المتحضر والبرابرة المستعمرون في دور الإنسان المتخلف لتقوم بينهما علاقة السيد والعبد و محاولة كل منهما استمالة الآخر من خلال جعله يرضخ له، الرواية جميلة وقصتها رائعة تختلط فيها وجودية الإنسان مع الزمن و المبادئ و الحب و الأسطورة.. الاستعمار والعنصرية واختفاء المعنى الحقيقى للعدل، وقدرة الإنسان، الذي يدعى التحضر والمدنية، على ارتكاب أقسى وأبشع الجرائم ضد الآخر بدعاوى كاذبة، بينما العلاقة قائمة على الكذب والاستغلال حتى النخاع إلى غير ذلك من الأمور بأسلوب مشوق وممتع.
الرواية تبدو للقارىء في البداية صعبة الإستيعاب، فالكاتب يقدم عالم مشحون متنوع في السرد والحبكة و الإنتقالات المقنعة و المقبولة، كما يكثر من التداخل لعوامل وحالات و أحداث يشعر القارىء فيها انه أمام عالم مزدحم ومضغوط بأحداث و أحلام وأفكار ورؤى ، ويتطور هذا التداخل الى إختلاط هذه الأحداث و الأفكار بالأزمنة التي ربما تكون غابرة أو معاصرة أو متخيلة، فمن اصطناع الذعر والأعداء الوهميين لإبقاء الشعوب تحت سلطة الخوف من المجهول والفوضى والجوع والهلع، وعن تدمير حياة هانئة وسعيدة، باسم شعارات كبرى عن الوطن والأعداء، يدخلنا في مشاهد الحروب المفتعلة مرة والوهمية مرة أخرى، ليطلع القارئ على الذرائع والمبررات التي تتشدق بها الإمبراطوريات والحكومات في ممارسة التنكيل والإرهاب بحق شعوبها ، ومن خلال هذه المشاهد التصويرية، يطرح المؤلف أفكارا فلسفية عن الظلم والحقد والطغيان واحتقار الاخر، ويتساءل عن سبب احتقار الامبراطورية للبرابره لان لا اساس لهذا الاحتقار سوى اختلافهم عن الاخرين..
لكن من هم البرابرة الذين تتحدث عنهم الرواية؟
بالنسبة للحاكم فهم "غول" الذي ينبغي اخافة الشعب منه، واستنزاف كافة الموارد في القضاء عليه وبالنسبة للقاضي الذي تدور على لسانه الرواية، هم شعب مسكين بسيط يخدع ولا يؤذي وتربطه بالمنطقة علاقة تعايش طويلة الأمد، قوم هادئون ومسالمون، يتعرضون للنصب و الاحتيال كونهم فئة غير مرغوب بها من قبل الدولة المدينة "دولة الحضارة" التي تنعم بالعيش الرغيد، انهم ضحايا المستوطنين الذي يتعاملون معهم بفوقية واستعلائية ، من خلال إبتزازهم وخداعهم في البيع و الشراء والمقايضة، اما بالنسبة للقارئ فسيكتشف أن قصة البرابرة مستمرة حتى يومنا هذا في كل مكان، وهذا في رأيي ما دفع الكاتب لعدم تحديد زمان أو مكان الرواية؟
الأحداث تجري في بقعة حدودية صحراوية من إمبراطورية عظمى لا اسم لها في مدينة صغيرة لا اسم لها ايضا وفي حقبة زمنية بعيدة عن التطور والحضارة، حيث يذهب العقيد جول من "المكتب الثالث" إلى المدينة ليحقق في تعديات البرابرة الذين يهددون الإمبراطورية، فيجد أن القاضي الذي يدير شؤون المدينة ويجمع الضرائب ويحل الخلافات الصغيرة بين أهل البلدة، يعيشون حياة هادئة، ويعتبرون أن الحديث عن خطر البرابرة، مجرد صدى يسمعون به ولا يعرفونه.. يعلن العقيد حالة الطوارئ على الحدود، حيث إن الإمبراطورية مهددة بهجوم "البرابرة" وإن هناك حملات عسكرية قادمة لصد العدوان وحماية الحدود. يبدأ بالاعتقالات العشوائية والتحقيق والتعذيب لكى يستخلص من أناس بدائيين، يشتغلون بالرعى والزراعة البسيطة، اعترافات بأخطار وهمية ومؤامرات ضد الإمبراطورية. لا يقبل القاضى هذه الأوهام ويقف ضد التعذيب والإرهاب الذي يحول المدينة إلى معتقل كبير، يمارس فيه عمليات تعذيب لا مبرر لها. لكن الإمبراطورية تحتاج إلى الحرب لتبرز قوتها، وترهب شعبها قبل البرابرة. هذا الوضع وهذه الأفكار تتعارض مع حياة وأفكار القاضي الذي يريد أن يعيش في هذه البلدة حياة هادئة، فيرفض الحديث عن خطر البرابرة.
يقول القاضى في حديثه مع نفسه الذي لا ينقطع طوال الرواية: "أتمنى لو أن هؤلاء البرابرة يثورون ويعلموننا درسا من أجل أن نتعلم احترامهم!!، رغم أننا هنا منذ مائة عام أو أكثر إلا أن هذه بلادهم ونحن بالنسبة لهم زوار عابرون، يوما ما سيكون علينا الرحيل"..
تنتهي الحملة العسكرية ويعود الجنرال إلى العاصمة، ويبقى عدد كبير من البرابرة الذين أطلق سراحهم في المدينة يتحولون إلى مشردين ومتسولين.
وبطبيعة الحال لا يستطيع القاضي أن يصلح الدمار والخراب الذي أحدثه البرابرة فمن الصعب إصلاح النفوس التي دمرتها الحروب وانتهاك حقوق البشر. وهذا ما حصل في هذه المدينة.
ويعبر الكاتب عن ذلك بقوله "وشيئا فشيئا أفرغت الأعمال العدوانية المدينة من قواها الحية. مدينة نهبها الجنود، وأصبحت قاحلة، تنتظر بهلع هجوم البرابرة الأخير".
وتظهر المدينة، بمن تبقى من أهاليها، في الفصل السادس والأخير من الرواية، بعد هجرة معظم الناس منها، ومن ضمنهم الصيادون بجوار المدينة، حيث يعمل الأهالي بقيادة القاضي في تنظيم أنفسهم وجمع المحاصيل، وإدارة الري والتموين استعدادا للشتاء بعد أن خرب الجنرال غول حياتهم الهادئة التي عاشوها لسنوات طويلة.
اننا أمام عمل أدبى فريد، فالرواية لا تنتمي لعالم وردي جميل يحتوي رومانسيات مثالية ينتصر فيه الخير في النهاية بكل سهولة، بل على العكس، في سطورها ستقرأ الفراق والألم والوحشية، العذاب والحيرة والتاريخ الذي يمحى ولا يكتب لشعوب وحضارات كاملة، الظلم والحروب التي تنشأ فجأة، ستقرأ عن "صناعة الغول" من قبل الحكومات، انها تعبير عن الحرب بدون إطلاق رصاص، واستعارة فنية لما يعانيه الإنسان من ظلم اخيه الانسان، كويتزي كان قاسيا في انتقاده الأخلاق المزيفة للحضارة الغربية..
إنها رحلة القوة الرهيبة الغاشمة.... الفكرة الرئيسية فيها رمزية على نحو رائع ما يمكننا من إسقاطها على واقعنا المعاش، فالرواية في نهاية الامر سوى كناية ترمز الى كل ما هو استعماري وامبريالي في عصرنا الراهن والعصور السابقة، فان الامبراطورية اي امبراطورية همها التوسع واخضاع الناس سواء كانت امبراطورية ضخمة كالولايات المتحدة الامريكية ام امبراطورية صغرى "كاسرائيل" او جنوب افريقيا العنصرية، اما "البرابرة" فانهم في الحقيقة ليسوا سوى برابرة في نظر الامبراطورية ودعاياتها التبريرية...
• كلمة "بربرية" هنا لا علاقة لها بكلمة "برابرة" التي هي اسم قبائل من اصول عربية تقطن بلدان شمال افريقيا، وغالبا ما كان الخلط بين هاتين الكلمتين مدار سوء فهم والحال ان اسم "بربرية" للهمجية هو على علاقة بقبائل همجية كانت تقطن الشمال الاوروبي في العصور السحيقة وكانت اعتادت ان تغزو المناطق الحضرية في اوروبا الوسطى والجنوبية وهي قبائل لا علاقة لها ب"بربر" شمال افريقيا.



#منير_ابراهيم_تايه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الساعة الخامسة والعشرين- عرت الوجه الحيواني للانسانية
- --الغابة النرويجية- للياباني هاروكي موراكامي اليابان بين نقد ...
- تصريح -بلفور- وعد ام عقد مشاركة؟
- صناعة الغباء والتلاعب بالعقول؟
- بين الضوء والظل .. اللامنتمي!!
- قيس بن الملوح... امام العاشقين
- -قناديل ملك الجليل- لابراهيم نصر الله.. رواية الثورة والحلم
- -أبناء الأيام- لإدواردو غاليانو: متحف الذاكرة الإنسانية
- -النفوس الميتة- ثقب في ضمير الانسانية!!؟
- رضوى عاشور في -الطنطورية- تعيد سرد تاريخ النكبة الفلسطينية
- -الخيميائي- رواية فلسفية تأخذك لعالم الروح
- الف شمس مشرقة لخالد حسيني
- -عزازيل- يوسف زيدان.. تشابك المتخيل والتاريخي
- الفكاهة والهزل في الادب
- -الذرة الرفيعة الحمراء- لمو يان.. عوالم روائية مدهشة
- العلم الحديث بين التعريب والعبرنة
- بابيون او الفراشة لهنري شاريير والصراع من اجل الحرية
- -عساكر قوس قزح- لأندريا هيراتا.. قصة المنسيين
- الحلاج.. مأساة عاشق؟!!
- ابن باجة الاندلسي والمدن غير الفاضلة


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - من هم البرابرة*؟