أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - متى تنتهي جدلية الدين والدنيا















المزيد.....

متى تنتهي جدلية الدين والدنيا


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5293 - 2016 / 9 / 23 - 10:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


متى تنتهي جدلية الدين والدنيا
في الوقت الذي بلغ فيه الإنسان المتحضر درجات عليا من مقاسات القيم الأخلاقية التي تقترب من حدود الإنسانية الطبيعية بسموها وتكاملها، ما زال المجتمع الديني والمتدين ورافع شعارات الدين يعيش في مستنقعات النفاق والتعفن الفكري والإنحطاط القيمي، متمسكا بمقاسات ومعايير سلوكية لم تعد تقنع حتى المتخلف فكريا ومعرفيا أن تكون فيصلا في تقسيم العالم إلى مجتمع فاضل وأخر متناقض، هذا الواقع المؤلم يؤشر لحقيقة مرة جدا ولا بد من التصريح بها علنا إن كنا صادقين فيما نقول، إن لم نعيد الدين إلى موقعه الأول خارج القراءات والأفكار الأجتهادية الكهنوتية الأعتباطية ونتقيد بمثله الأخلاقية قبل أن نتقيد بصورية التدين وشكلية التظاهر بها، لا يمكن إلا أن نبعد الإنسان عن الدين والديان ونجعلهما في خصومة لا تنتهي.
لا ندع أولا أن الدين ليس قيما على السلوك ولكننا ندين في ذات الوقت أن يكون لهذه القيمومة الأخلاقية منهجا جبريا إلجائيا دون خيار القناعة والوعي بها، فمهما نجحت القيم الدينية في فرض نفسها بقوة السلطة أو الخوف أو الترهيب فإنها من جهة أخر تعيد هذا الإنسان المغلوب إلى دائرة الرفض السلبي اللا واعي لها، وبالتالي تحويله إلى عدو لنفسه ومحتقرا لعبوديته التي لا يستطيع مقاومتها إلا من خلال ممارسة النفاق والوقوع في دوائر الشك والتردد والحيرة فينهزم وينهزم معه شكل التدين أو صورة الدين.
الأخلاق الأجتماعية ما هي إلا مظاهر إنعكاسية لقيم وثقافة ووعي متأصل في المجتمع، وعندما تجد أن الجميع يتحرك للإمام وبروح إنسانية ويحاول أن يقدم لك يد المساعدة والتواصل وأنت متوقف في مكانك ورافض لكل مساعدة إنقاذية بحجج الإصالة والمحافظة على الهوية، تأكد أن قيمك ومعتقداتك وثقافتك مريضة وتستحضر وبحاجة إلى تداخل لينقذها أولا من نفسها وثانيا ليقتلع منها سرطان التحجر والمثالية الزائفة، ويكشف لك مقدار النفاق والتعفن الذي أصاب روح المجتمع وأفكاره الذاتية.
تعود للعنوان وهو جدلية الدين والدنيا والتي كثيرا ما ترجمت على أنها جدلية الدين مع العلم أو الدين مع الحقيقة بثوبها الواقعي، كل الأفكار والمثل والقيم هدفها الأساس الأرتقاء بوجود الإنسان وتطوير وسائل الحصول على أفضل النتائج من وجود البشر ككائن مفكر وصانع للحياة، وهذا الأمر لا يختلف عليه عاقلان يؤمنان بأن الوجود متسع للحركة وليس فقط مكان لنكون فيه على أنه النهاية، من هنا فالإيمان بالحركة والزمن والتجديد والتطور ركن عقلاني من مبادئ الوجود الإنساني، وحتى في مفاهيم الذين يؤمنون بتطور الأديان وتعاقبها، فلولا الحاجة للتحديث والتطور لا يمكن لنا قبول فكرة أن هذا التسلسل في الأديان وفي نزولها كفكرة حكيمة ونؤمن بها، فمن لا يؤمن بالدنيا قابلة للتطور عليه أن يكفر بمبادئه الدينية التي تقول أن الله تدرج في تنزيل الأحكام الدينية والديانات لمصلحة البشر أولا ولأنه هو أيضا يؤمن بتجدد الحاجات.
إن الأنتصار للحياة بشكلها المتطور هو في واحد من أوجهه المتعددة أنتصار للدين وأنتصار لفكرة التطور وأنتصار لحقيقة الإنسان ككائن خلاق ومنتج للقيم والمعرفة وصانع للفرص، فلا تعارض من وجود دين يؤمن بالتطور وبين الإصالة والثبات على مبدأ أساسي في الدين وهو مصلحة الإنسان ومصلحة وجوده، كلما كان الدين مساندا لحق الإنسان الأساسي في الانحياز للخيرية الوجودية، كلما كان الإنسان أكثر تمسكا بدواع التشجيع والتطوير له ومنها الدين بالتأكيد من الدعم الذي يتلقاه منه، الخطيئة التي أرتكبها الفكر الديني الكهنوتي على وجه الخصوص هي أن فكرة الدين نهائية ولا تقبل حتى القراءة من أوجه متعددة، والفكرة الأخرى أن الدين ضابط للحركة وليس منضبطا بفكرة المصلحة والخيرية.
هنا قتل الفكر الديني ليس الإنسان وحده وأرتكب الجناية التي لا تغتفر، بل قتل الدين حينما صنمه وجعله حجرا يعبد كما هو وكما يفهمه صاحب الرغبة في التصنيم، الدين الأخلاقي والإنساني الذي تحول بمفعول الصنمية إلى سلسلة من القيود والحدود التي أنتهت إلى محبس ومحجر للعقل وقيد سجن عليه في فهمه للوجود، وتحولت المصلحة البشرية العامة إلى مجرد ظل لمصلحة الفكر الديني وقراءاته وأفكاره الشاذة وليس لمصلحة الإنسان والدين معا، وهنا أنقسمت المفاهيم إلى مفاهيم دين محاطه بهالة تقديس وتعظيم وتفاخر ومفاهيم دنيا موصومة بالمهانة والأحتقار والتبريء منها، ونصب الكهنوتي نفسه حكما وفيصلا في مدى المطابقة والموافقة بينهما وفقا لأفكار أعتباطية هو من أختلقها دون أن تكون جزء من أساسيات الدين أو من تفصيلاته أو حتى من غائية الدين وروحه؟
كان الغرض الأساسي من فصل الدين عن الدنيا هو فصل طبقي بين السدنة والكهنة والناطقين باسم الله وبين الناس، بين فعل الأستحمار والتعالي والتكبر والغرور وبين الإنسان صاحب المصلحة الحقيقية في أن يكون الدين متحركا معه في الحياة وملاذا له في حالات النجاح والفشل، وما الإصرار على هذا المنهج الفاشل الذي حطم الإنسان المتدين وجره إلى السكون جوار القبر التاريخي والعودة به للوراء كلما فكر أنه في أنتظار فجر جديد، إلا تأكيدا على أن المسيطر والمتحكم بالفكر الديني ما زال مؤمنا أن الحياة توقفت منذ زمان، وأن هذا التعاقب الديناميكي الذي يراه يوميا بين الأمس واليوم، ما هي إلا مظاهر خادعة لا يمكن التحقق منها طالما أن عقله لا يفرق بين الليل والنهار، بين الأمس واليوم والغد لأنه لا يؤمن أصلا بمسمى الزمن ويراه مجرد خدعه لا تنطلي على أحد.
من هذه النقطة يمكننا أن نفهم الحاجة إلى تجاوز هذه الإشكالية الجدلية المتناقضة مع طبيعية الحياة الوجودية، وأن نذهب بعيدا عن الوقوع في المطبات التي صنعها المحرف والمصمم للصنمية والتفريق بين الإنسان ووجوده وقيمه الدافعة والداعمة للبقاء، على الإنسان اليوم مسئولية التفلت من هذه الفكرة ونتائجها وتحجيم كل الأضرار التي أصابت العقل الإنساني جراء الفصل بين المثاليات الأخلاقية وبين وظيفتها الطبيعية لرسم أفضل الحلول والنتائج من وجود الإنسان كائن معرفي وأخلاقي قبل أن يكون عبدا لقيم وأفكار فردية، ويتجلى كل ذلك برفص الفصل بين الدين والدنيا كقيم متناقضة والعودة بها إلى معيار المصلحة البشرية الخاصة والعامة في ترتيب دور الدين وظيفيا وأخلاقيا.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على نية الرحيل أحمل همي
- العراق وخيار السلام
- هل نحتاج اليوم الى عمل جبهوي نخبوي في القيادة والتخطيط لرسم ...
- هيت لك ....... كلمات على وزن الشعر
- المدرسة العقلانية التجريبية ودورها في كشف ماهية المعرفة
- رحيل شاعر البلاط ...... من مأتم الشعر
- توظيف علاقة القيمة الدينية في الأقتصاد المجتمعي.
- تداعيات الانهيار ومرحلة ما بعد السقوط
- القيامة والنار وعبيد الصنم
- القضية الأخلاقية والإنسان المستبعد منها
- صورة البطل في المخيال الشعبي الديني. ح2
- صورة البطل في المخيال الشعبي الديني. ح1
- إحياء الوعي أم تفعيل العقل ح1
- الحقية والرأي ومديات مفهوم التجربة بينهما
- لماذا ننحاز للعقل ونتهمه دوما بالتقصير
- الأقتصاد الريعي والمدنية الأجتماعية.
- الدين الإنساني اليوم بين اتقليد والتجديد
- مذكرات رجل ... كان ح4
- مذكرات رجل ... كان ح3
- مذكرات رجل ... كان ح2


المزيد.....




- -صدق-.. تداول فيديو تنبؤات ميشال حايك عن إيران وإسرائيل
- تحذيرات في الأردن من موجة غبار قادمة من مصر
- الدنمارك تكرم كاتبتها الشهيرة بنصب برونزي في يوم ميلادها
- عام على الحرب في السودان.. -20 ألف سوداني ينزحون من بيوتهم ك ...
- خشية حدوث تسونامي.. السلطات الإندونيسية تجلي آلاف السكان وتغ ...
- متحدث باسم الخارجية الأمريكية يتهرب من الرد على سؤال حول -أك ...
- تركيا توجه تحذيرا إلى رعاياها في لبنان
- الشرق الأوسط وبرميل البارود (3).. القواعد الأمريكية
- إيلون ماسك يعلق على الهجوم على مؤسس -تليغرام- في سان فرانسيس ...
- بوتين يوبخ مسؤولا وصف الرافضين للإجلاء من مناطق الفيضانات بـ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - متى تنتهي جدلية الدين والدنيا