مالوم ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 5225 - 2016 / 7 / 16 - 00:31
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
كلما حلت ذكرى 14 تموز انبرى بعض الكتاب العراقيين المتحذلقين بذرف الدموع على اطلال وخرائب الملكية وعلى الانسانية التي انتهكت يوم 14 تموز 1958 كما يدعون، فقد اكتشفوا، وبشكل متأخر جدا، بانهم لبراليون وانسانيون وديمقراطيون الى حد قشرة البطيخ، لا بل ان الله قد خصهم بما لم يخص به انبياءه، فهم جهابذة علم الغيب( ما سيكون ولو لم يكن).
انهم يدعون لولا انقلاب 14 تموز المشؤوم كما يسعدهم ان يصفوه، لكان العراق قد تطور وتحضر وتعمرن وتمدن وتقدم ولأصبحت بغداد الجنة الثانية، رغم الزرائب التي كانت تحيطها، ورغم نهر النفايات والمياه الآسنة المعروف بـ (شطيط) الذي يرقد على جنبها كثعبان اسود مخيف ينشر عبقه النتن بين احيائها.
المتباكون على العهد الملكي، هم ايضا من المنتقدين للحقبة الحالية التي لا تختلف في تركيبتها السياسية والنظامية عن الملكية المستوردة في العراق إلا في اختلاف التسمية الشكلية، انها ازدواجية تفضح سذاجتهم المنطقية وتذاكيهم الاحمق، اذ ان جل الزمر الحاكمة اليوم، هي السلالة غير المشرفة لخدمة البلاط الملكي التي غادرت العراق ( كعوائل) بعد ثورة 14 تموز ولم تعد اليه الا تنصيبا لا يختلف كثيرا عن تنصيب البريطانين للعائلة الهاشمية ملوكا على العراق . أما المرجعيات الدينية، شيعية كانت ام سنية، تلك التي لها اليوم تأثيرا كبيرا جدا على صناعة السياسة وعلى الحكومة، فقد كانت ولا تزال من اشد المعادين لثورة او انقلاب 14 تموزعلى النظام الملكي.
اما الفساد الذي ينتقده المتباكون على الحقبة الملكية، فهو فساد، و بكل عناوينه، تجد جذوره في تلك الحقبة التي يذرفون دموع التماسيح عليها ، فساد مالي ( الشرطي يسمى في العهد الملكي ابو الواشرات اشارة الى شيوع الرشوة في القطاع الحكومي) وقانوني واجرائي وتبعية لدول اجنبية، كذلك المحسوبية والمنسوبية وامية البرلمانيين واصحاب الشأن او كثرة المنتفعين او اهمال الناس وتركهم عرضة للاوبئة والامراض او التضييق على الحريات.
الفساد ورثته النفوس الرخيصة الحاكمة اليوم من العهد الملكي وبثت فيه الروح بعد ان عادت بشعارات ديمقراطية التحاصص اللصوصية.
لقد كانت امية البرلمانيين في العهد الملكي تفوق امية جوقة البرلمانيين الحالية، لقد كانو مواضيع للضحك والتسلية والتندر تروى في مجالس السمر والدردشة.
حتى ان اجتماعا حول مائدة مستديرة ضخمة دعى اليه الملك ضم الشيوخ المتنفذين والملك والوزراء لمناقشة الاحداث التي شهدها البلد، حضره ممثل بريطانيا، الذي لاحظ ان احد شيوخ العشائر وعضو البرلمان الملكي كان منهمكا في التفكير غير مهتما بما يدور حوله ، وبين لحظة واخرى يهز يده ويحرك رأسه استغرابا، وحين سأله عن الذي يحيره ويشغل باله! اجابه الشيخ بانه يحاول العثور على جواب مقنع لسؤال حيره منذ ان دخل الى هذه الغرفة التي تنتصب فيها المائدة المستديرة..
قال وهو يشير الى المائدة الكبيرة ، كيف ادخلوا هذه المائدة الكبيرة من باب الغرفة الصغير هذا؟ هل نصبوا الطاولة ثم بنوا الغرفة اما انزلوها من الاعلى ثم بنوا السقف بعد ذلك؟!!!!
المتباكون على الملكية، الحاقدون على الجمهورية ليس فقط لا يرون ابعد من ارنبة انوفهم، انما هم ابواق لما يقرأون ولما يلقنون.
هؤلاء يتجاهلون التطور الكبير المعرفي والعمراني والمعاشي والقانوني والاداري والثقافي والعائلي الذي حدث في عهد جمهورية 14 تموز ولا يقارنون ذلك كله بــ عهد الملكية حيث حالة البؤس الحضاري والمعاشي والتخلف الثقافي وسيطرة المرجعيات الدينية البليدة على شؤون الناس وظلم وجور الاقطاعيين، الذين لا يتورعون عن قتل الفلاحين واغتصاب نسائهم، انهم يتناسون ذكر الامراض والاوبئة وشيوع الجهل والامية، ولا يهتمون بحياة الملايين الشقية في العوز ولاملاق والعيش في بيوت اشبه بحضائر الحيوانات، ولا بالعنف والحملات التأديبية وقتل الناس براحة ضمير بما فيها قصفهم بالطائرات ويصمتون كليا عن سياسات التهجير مثل تهجير الاشوريين واليهود فيما بعد ولا محاربتهم للشعب الكوردي ولا اقدامهم على قتل المتظاهرين والمضربين عن العمل..
كل ما يهمهم هو ان 14 تموز كان انقلاب وليس ثورة ذلك ان عبد الكريم قاسم كان ضابطا في الجيش الملكي!!
لكن هذا الطرح يتناقض كليا ومواكب النواح والعويل على البلاط والشتائم التي يكيلونها لزعيم الثورة ويتناقض بشكل مضحك مع اداعائهم معرفة تطور الاحداث لو لم تحدث ثورة 14 تموز.
فالانقلاب لا يغير شيئا لا من النظام ولا من اسلوب الحكم، انه تبديل غير جوهري يشتمل فقط على تغيير وجوه بوجوه اخرى ولا يمس النظام ولا البنية الاجتماعية- الاقتصادية ولا البنية الثقافية - السياسية ولا البنية الحقوقية - القانونية.. وهذا يتناقض مع ما يدعيه جمهور المتباكين على الاطلال، ذلك انهم ينسبون لـ 14 تموز إحداث تغيرات، وان كانت سلبية بنظرهم، على نظام الحكم وتحويله من ملكي الى جمهوري، وذا كانوا ياخذون تحكم العسكر بعد ثورة تموز بالدولة، فنحن نذكرهم بان رجال العهد الملكي كان جلهم من العسكريين الذين خدموا في الدولة العثمانية وكانت لهم اليد الطولى في السياسة وادارة شؤون الدولة فنوري السعيد كان ضابطا عسكريا وليس مدنيا تخرج من الأكاديمية العسكرية التركية في إسطنبول، وخدم في الجيش العثماني الى ان التحق بالامير فيصل في سوريا واستعانت به بريطانيا لتنصيب فيصل ملكا على العراق.
هؤلاء المتباكون يقارنون الانقلابات التي حدثت في العهد الملكي بثورة 14 تموز، فانقلابات العهد الملكي( انقلاب بكر صدقي 1936وانقلاب رشيد عالي الگيلاني والعقداء الاربعة1941 ) لم تكن الا محاولة العسكر للسيطرة على السلطة دون المساس بالنظام، دون المساس بالبنية الاقتصادية الاجتماعية – العشائرية ، دون اي اعتبارات وطنية تعمل على رفع الغبن عن الطبقات الكادحة، لقد كانت انقلابات ضغينة وطموح للسيطرة السلطوية وليس للتغير، بينما ثورة تموز لم تترك امرا الا غيرته وبعثت فيه الحياة بعد ركود موات.
الثورة هي احداث تغيير في بنية وطبيعة النظام، تغير العلاقات الاجتماعية والملكية، هي هبة جماهيرية لاحداث هذا التغيير، لكن اي هبة او ثورة في العالم لا تحدث عفويا الا ما ندر، الثورة تحتاج الى شرارة وكانت 14 تموز شرارة الثورة التي اندلعت فيما بعد بتلاحم رائع بين الناس وبين الجيش..
ان اخطر ما يساهم فيه هؤلاء الذين يرفعون عقيرتهم في البكاء المر على اطلال الملكية الخربة، هو انهم يشوهون الحقائق والتاريخ، الخطورة هي ان الجيل الجديد، الذي وبفعل احفاد خدمة البلاط الملكي، الذين استولوا على السلطة وبفعل سيطرة المرجعيات الدينية الخادم الامين لمصالح الاقطاع والملكية في ماضيها وخادمة المصالح الطفيلية والفساد في حاضرها، نشأ في فراغ ثقافي تاريخي فاسد ابعده عن الفهم والتحليل السليم، ان هذا الجيل سيتقبل او قل سيتأثر بتلك الصورة المشوهه التي يقدمها هذا النفر المتحذلق.. نشير هنا ايضا الى ان خراب العقل الاسلامي كان في تشويه حقائق وشخصيات التاريخ..
#مالوم_ابو_رغيف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟