مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 5208 - 2016 / 6 / 29 - 15:02
المحور:
حقوق الانسان
استعراض لكتاب بهذا الاسم صادر عن مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية 2015 , عمان , الأردن
في كراس بعنوان مواطنون لا أقليات , عن مركز أمية للبحوث الاستراتيجية , عمان الأردن - 2015 الطبعة الأولى , عرض عدد من المثقفين و السياسيين السوريين آراءهم حول قضية شائكة , هي الطائفية , تحت هذا العنوان العريض و الرائع : مواطنون لا أقليات .. لكن الكراس , الذي يفترض أن يعبر عن رأي الإخوان المسلمين السوريين و حلفائهم العلمانيين , يخلق من التشوش و عسر الفهم , و سوء الفهم , عن هذا الموضوع الشائك المعقد أكثر مما يوضح و يشرح .. رغم أن مدير المركز بسام ضويحي يؤكد في مقدمته أن الطائفية دخيلة على أمتنا و حضارتنا و قيمنا و تراثنا , و أنها فقط نتيجة للمؤامرات و الخطط الصهيونية .. ليس رجال الدين هم الذين خلقوا الطائفية , بل السياسيون المأتمرون بأمر برنار لويس و و غيره .. و بنفس اللهجة يؤكد الدكتور عبد الله الطنطاوي أننا "لسنا طائفيين" .. نعم , و هذا هو الدليل : كان للكاتب جيران "من الأكراد و التركمان و الشركس" * , و أصدقاء أكراد و شركس و مسيحيين و علويين و دروز و اسماعيليين , و هكذا أيها السادة , يمكن التأكيد أننا "لسنا طائفيين" , لقد كنا نصادق بعضنا البعض و نعيش بجوار بعضنا البعض , نتحادث , و نتخاصم , و أحيانا حتى نتزاوج الخ الخ .. بل كان هناك سياسيون و ضباط كبار و وزراء و برلمانيون , من غير المسلمين و من غير العرب , في دول يفترض الدكتور طنطاوي أنها دول عربية إسلامية .. لقد بلغ التعايش و وصلت بهم المواطنة إلى أنهم كانوا يأكلون و يشربون , و حتى يعملون في الدولة و الجيش , أحيانا .. لكن كلام الدكتور طنطاوي يخلق من المشاكل أكثر مما يحلها , يعقد المسألة أكثر مما يبسطها , فحتى في ظل نظام الأسد , الذي يصفه الجميع بأنه طائفي , و يصفه بذلك حتى غير الطائفيين , لدينا أيضا جيرانا علويين و دروز و مسيحيين و أكراد و أرمن و شركس , و هناك ضباط و مسؤولين سنة و دروز و اسماعيليين و مسيحيين و أكراد في كل فروع المخابرات السورية في زمن الأسد الأب و الابن و في كل الحكومات السورية في زمن الأسدين , بل غالبا ما ترأس الحكومات السورية الأسدية رؤوساء وزراء سنة !! .. و لأن الدكتور طنطاوي لا يحل لنا اللغز , لنتركه إذن و لننتقل إلى وزيرة ثقافتنا الحرة , لعلنا نحصل على جواب شاف على أسئلتنا .. و بالفعل تأخذنا الدكتورة سماح هدايا إلى الأمام , في عدائها المطلق و إنكارها و شجبها للطائفية و إصرارها على أننا مواطنون لا أقليات في سوريا .. و رغم أنها وزيرة للثقافة الحرة , تبقى لهجة الدكتورة واقعية و لا تندفع كثيرا : تذكرنا الدكتورة أنه "لا يمكن تحقيق دولة مثالية" , و هذه لازمة على لسان المعارضين كما على ألسنة الأنظمة , فعلى الشعوب أن تقنع و ترضى , و الذي يرضى يعيش , لكن هذا لا يعني طبعا أن ترضى بحكم طائفي نصيري , فالواقع غير مرضي و مرفوض طالما كان الحكم لغيرنا , و كان السمع و الطاعة لغيرنا , لأن هذا سمع و طاعة في غير محله و لغير أهله , سمع و طاعة لا يراد بها وجه الله , أو وجه الشعب أو الوطن أو الأمة , و لا التعايش و لا المواطنة , الخ الخ , لكن عندما نصبح وزراء حتى لو في حكومة مؤقتة في المنفى , فيعود الواقع واقعا و يجب علينا عندها أن نتخلى عن المثالية في مطالبنا و توقعاتنا من ولاة الأمر .. تؤكد الدكتورة هدايا : "من الصعب أن يحصل الإلغاء الكامل لاستبداد الأغلبية لكن بناء التعايش المرضي ضمن الصيغ القانونية و الدستورية في مفهوم المواطنة و دولة المواطنة هو الأمر الجوهري لأي وطن و أمة" ... كلام جميل و رائع و منمق , يحشر فيه كل ما يفترض أن يجعلك تشهق من السعادة : التعايش إلى جانب القانون و الدستور و دولة المواطنة و أولا و قبل أي شيء : الأمر الجوهري ... أخيرا , أنت مواطن يا أخي .. و كما قالت العرب من قبل : ارفع رأسك يا أخي .. لكن ليس كثيرا ... ف"التعايش" يقوم "وفق قواعد يتفق عليها الجميع" , أما أساس التعايش فهو "العقل الجمعي" لا "الجماعاتي" ( لأن الفرد لا يعيش إلا في جماعة , أرجو ألا ينزعج إخوتنا الإسلاميون من أن هذه الفكرة أيضا هي فكرة ماركسية , بل و لينينية قح .. ماركس أيضا لا يوجد عنده سوى العقل الجمعي , هناك أشياء لا تحتاج إلى وحي من السماء كي يؤمن بها البشر ) .. و فجأة يأتيك من الأخبار ما لا تتوقع , فجأة تقصفنا الدكتورة هدايا ببرميل تعايش على حين غرة : "لكن عليه ( أي الأخ المواطن ) أن يبقى مراعيا لقوانين الدولة التي اتفق عليها المجتمع و قواه المختلفة و طوائفه و ممثلوه .. وفق أعرافها السياسية و الأخلاقية و القانونية" , "أما من لا يتواءم مع متطلبات مجتمعه العليا .. لا خيار أمامه سوى الانكفاء أو الهجرة إلى مجتمع آخر" ... "فالوطن يتطلب مواطنا , كذا و كذا , و الوطن يريد مواطنا كذا و كذا" .. هذا هو التعايش إذن : "عقد بين الذات و الواقع" : إن لم يعجبك الواقع يمكنك أن تهاجر أو تنكفئ , بكل حرية و تعايش .. هذا ليس تطهيرا عرقيا , إنه ما يريده الوطن , و ما يطلبه الوطن , لا ما تريده الدكتورة .. أما إشكالية الهوية فتبدأ "عندما تكون مجموعة الأقليات غير ناضجة حضاريا و أقل تطورا من غيرها , نتيجة التهميش و العزلة , و لديها إحساس بالمظلومية" .. و "الأمة لا تعني بالمعنى الصارم عرقا" , "لكنها إطار تنظيمي و سياسي حمل لون الهوية الأكثر ثراءا و قوة و حيوية" , "أما عندما تحمل بالقسر لون عرق فرعي أو مذهب غير قابل للنمو و التطور اجتماعيا فإنها تنهار" .. إذن فهو ليس تطهير عرقي , لأن الدكتورة هدايا لا تستخدم مفهوم العرق بالمعنى الذي يستخدمه الفاشيون أو الذي استخدمه هتلر , حاشا و كلا , إنها تستخدمه بمفهومه الوطني , الذي يضع الوطن "فوق الجميع" ( ما يجعل هذا الوطن يشبه فجأة سوريا الأسد ) .. إنه تطهير وطني إذن .. على هذا النسق تستمر الدكتورة في التنقل بسرعة و "مهارة" بين المواطنة و الأقليات : "العالم توجهه ثقافة سائدة" , و رغم أنها سائدة لكنها "ثقافة تتشارك فيها الثقافات كلها", و أيضا : "لا مسوغ للخوف من الآخر و من الحداثة .. ما دمنا نحافظ على هويتنا" , ثم أيضا : "ثقافات متعددة" و "هوية جامعة" , و وسط هذا التنقل السريع المتعب لعقولنا المتواضعة و وسط براميل المحبة و التعايش و المواطنة التي تقصفنا بها الدكتورة في سماء لا طائفية فيها , تقدم لنا الدكتورة , دون قصد منها على الأغلب , وصفا بليغا لحالتنا : "أما عندما يعمل أحد ما أو فريق أو جماعة على إلغاء هويات الآخرين و تحقيرها أو نبذها أو إقصائها .. فلن تنشأ أمة و وطن و مواطنة .. ستنشأ عصابات و شلل" .. كم هذا معبر فعلا دكتورة هدايا .. لكن الكتاب الرافضين للطائفية لا يتوقفون عن فضح الطائفية و إدانتها , و محاولة قتلها إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا , كما قال الإمام علي : لو كان الفقر رجلا لقتلته , و لأنه ليس رجلا , و لأن الفقر هو من يقتل الرجال , لم يقتله لا الإمام علي و لا سيدنا عمر و لا أبو بكر و لا أي من الأئمة و الصحابة و لا التابعين , رضي الله عنهم و أرضاهم , لكن لننتظر , فربما يولد لهذه الأمة رجال يقتلون الفقر أخيرا , و يقتلون معه أشياء أخرى طالما حيرت العقول و ذهبت بالألباب , و الله أعلم .. و يأتي دور الأستاذ محمد السيد ليؤكد و يقسم على "احترام المسلمين لكل مقدسات أصحاب المقدسات الدينية منذ اللحظة الأولى للقاء الإسلام بأهل البلاد التي فتحت و طيلة تاريخ الإسلام" .. أهل البلاد التي فتحت , التي فتحها المسلمون , عرفوا ذلك الاحترام , أحسوا به , و ستعرفونه أنتم اليوم أيضا , و ستشعرون به , يا أبناء الشعوب المفتوحة الذين أصبحتم اليوم مسلمين بفضل من الله , لكم ما لفاتحيكم و عليكم ما عليهم .. طبعا لا حاجة لسؤال تلك الشعوب المفتوحة , أي التي فتحت , يكفي هنا آراء بعض "المستشرقين" "المنصفين" , لأن ما سنقع عليه إذا سألنا تلك الشعوب المفتوحة , أي التي فتحت , هي فقط بعض النزعات الشعوبية المغرضة المتحيزة ضد عدالة الفاتحين , و هل عرف العالم فاتحين أعدل من العرب , و سترون ذلك اليوم بأم أعينكم مرة أخرى كما رآها أجدادكم من قبل .. يذكرنا الأستاذ محمد بقصة عمر بن العاص و القبطي , التي نحفظها جميعا , مسلمين و مسيحيين , و طبعا قصة جبلة بن الأيهم و الأعرابي , التي نحفظها جميعا أيضا , مسلمين و مسيحيين , كما هتف ذات يوم الشهيد سمير قصير , إذا جاز أصلا أن نعتبره شهيدا , إلا اللهم لأن من قتله كان كافرا , لكن طبعا من دون ال 73 حورية أو أية قصور في الجنة الخ الخ .. لكن لدي همسة صغيرة للسيد السيد , أخي السيد : يمكنك أن تكرر هذا على أي منبر تشاء , في أي مكان تشاء , لكن أرجو ألا تقوله في وجه أخ مجاهد من إخوانك المجاهدين , و لا أمير من أمرائهم الأشاوس , خاصة كلمات عمر بن الخطاب لجبلة بن الأيهم : "الإسلام سوى بينكما" , كما نصحنا آباؤنا ألا نردد هذه الكلمات في وجه شبيحة الأسد , و لم نعمل بالنصيحة , و لعلك ترى ما نرى .. إن نتائج مثل هذا العمل قد تكون وخيمة .. و كي أريح ضميري و أكمل نصيحتي , أرجوك أخي السيد ألا تذكرها أيضا في أي من بلاد الإسلام , لا القائمة اليوم و لا التي ستقوم في الغد , هذا الكلام مخصص للمنابر فقط يا سيدي , لمخاطبة العامة تحديدا , لا لمخاطبة الإخوة المجاهدين و أمراءهم , و لا لمخاطبة آل سعود و لا ملالي إيران و لا ضباط المخابرات الباكستانية أو لمخاطبة أي من خدمهم و حشمهم أو شرطتهم أو مباحثهم , حمانا الله و إياك من مكائد الشيطان يا أخي ... حقا , يا أخي السيد , بمثل هذا حكم الحجاج و زياد بن أبيه و خلفاء بني أمية و بني العباس و بني عثمان , طيب الله ثراهم , و جزاك الله و جزاهم عنا و عن العباد "كل خير" ... أما عن "منجزات" المسلمين العلمية فلم أفهم ما تقصده بالضبط يا سيدي .. عدا عن أنك تتحدث أحيانا عن علماء المسلمين , و لم أفهم أي علم تقصد هل كان ذلك علم الفقه أم الحديث أم أسباب النزول , و مرة أخرى تذكر اسم مارق زنديق ملعون كابن رشد , كما أني مضطر لألفت نظرك إلى قضية تتعلق بهذه المنجزات العلمية , قد تكون غابت عنك , لأنها شديدة التعقيد و نادرة الظهور .. إذا نظرت حولك , كل شيء حولك تقريبا , إذا تأملت في سيارتك , جوالك , تلفزيونك , كومبيوترك , ملابسك , الخارجية منها و الداخلية , إلا إذا كنت ترتدي العباءة العربية القح , و الملابس الداخلية الشرعية السنية للفرقة الوحيدة الناجية رغم أني لا أعرف بالضبط شكل أو لون هذه الملابس , هدانا الله و إياك لما يحب و يرضى من ملبس و غيره , و إذا , أبعد الله الشر عنك و أهلك و عن كل المؤمنين , إذا مرضت أو مرض شخص تعرفه فإن الطب الذي سيشخص ذلك المرض و يعالجه من آلامه , إلا إذا كنت تتداوى و تداوي الناس بالرقية الشرعية , و إذا نظرت في مطبخك يا أخي , و أنت تشرب الماء البارد من برادك , أو تخرج اللحم المثلج من الفريزر الخاصة بك , و الفرن الذي تطبخ عليه زوجتك ذلك اللحم , بالصحة و الهناء , الخ الخ , كل ذلك هو من "اكتشاف" الغرب الكافر , أهلكم الله يا أخي , و من تسميهم علماؤنا الذين لم يكونوا إلا حفنة من الزنادقة الذين لم يكتفوا بكلمات الله و فكروا بطريقة تسمى تفكيرا علميا محاولين فهم قوانين الطبيعة و المجتمع و تسخيرها للبشر , و لا شك عند الكثير من إخوتك و أساتذتك المحترمين من أنهم طليعة المؤامرة على دين هذه الأمة و هويتها .. يمكن أن نشتري البراد أو السيارة , و طبعا الديناميت و البندقية , لكن الفكر الذي ينتجها هو فكر إلحادي مرفوض , غريب , مدسوس , مشبوه , و كل ما يتصل به من شك و حرية في النقد و التأمل و التفكير , هذا فكر تجب حماية الأجيال منه , بكل الوسائل , و أهمها طبعا منعه و ملاحقته و تحريمه بقبضة من حديد , أي بالسيف .. أما أننا من اكتشف كروية الأرض , فهلا شرحت ذلك لإخوتك , أتباع شيخنا الجليل المرحوم ابن باز , الذي أصر حتى مات , رحمه الله , أن الأرض منبسطة , و أن الزعم بأنها كروية هو جزء من المؤامرة الغربية الماسونية على ديننا و أمتنا .. و فعلا كما تقول يا سيدي , إن مفهوم المواطنة الذي تقدمه هو المفهوم الصحيح , بل و الوحيد : نحن , جميعا كبشر , أمة واحدة , من أب و أم واحد , و دين توحيد واحد , فكيف , و لنا دين واحد و إله واحد , و نبي واحد , لا نكون شعبا واحدا , له قائد واحد , و جيش واحد , الخ الخ , و كيف بعد كل ذلك ( بعد كل تلك الأشياء الواحدة التي تجمعنا ) , لا نكون مواطنين ؟ .. لقد تفوقت على نفسك يا أخي , و على الآخرين في كلماتك هذه : و قد "عاش الشعب السوري غالب الوقت منذ الفتح الإسلامي .. بانسجام تام بين مكوناته , و كان أفق الحريات و الحقوق في حدوده المقبولة لجميع المكونات و كان الأفق مفتوحا أمام اي مواطن حتى 1965 ليتسنم أي منصب في الدولة" .. لقد حملت كلماتك البشرى لقلبي الحزين و لقلوبنا البائسة من انتظار ما لا يأتي , فهذا وعد صريح منك و من إخوانك , أننا سنحصل , أخيرا و الحمد لله , على كل الحقوق التي كان يتمتع بها "السوريون" منذ الفتح الإسلامي و نفس الانسجام و التعايش , أنت تعدنا جميعا أننا سنحصل على نفس الحقوق و نعيش نفس الانسجام الذي عاشه أجدادنا تحت حكم الحجاج و قراقوش , فيا سعادتنا و فرحتنا يا أخي , أبشروا أيها الجرحى و الشهداء , أيها المعتقلون و الأسرى , سيحصل آباؤكم و أولادكم , إذا شاء الله طبعا , على كل تلك الحقوق و الانسجام , فقروا عينا و ارتاحوا في قبوركم و سجونكم , إنه "نسيم الحرية" أيها الرفاق , أو ربما خيل الحجاج ... أما الرفيق جورج صبرة فسامحك الله , تقول أن لكل إنسان وطنان , وطنه و سوريا , ناقصنا يعني .. و سامحك الله لأنك ما زلت تقول أن الدين "دينا من أجل خلاص الإنسان و رسالة لتنظيم الشو اسمو .." و أنه "يصبح طائفيا عندما يوظف لأغراض سياسية" , سامحك الله , فأنت لم تحفظ بعد أن الإسلام دين و دنيا , مصحف و سيف , احفظوها بقى .. و لتثبت أننا "لسنا طائفيين" تأتي أنت أيضا بأمثلة لا تختلف كثيرا عن أمثلة من سبقوك و من سيأتون بعدك : الراهب يوحنا الدمشقي الذي عمل مستشارا ماليا عند عبد الملك بن مروان و ابنه الوليد , و الشاعر المسيحي الأخطل , مادح خلفاء بني أمية , و زوجة معاوية , و طبيب معاوية , و عامل معاوية على حمص , و ... معاوية , حتى أنت يا بروتوس !! و يحدثنا الأستاذ جورج عن تاريخنا الطويل مع التعايش و المواطنة : "و كان صوت الشاعر العربي الأخطل , و هو نصراني , يصدح بحرية في قصور الخلفاء الأمويين" , يصدح ! بكل حرية !! و في قصور الخلفاء !!! طالما وجدت المواطنة و التعايش دائما في قصور الخلفاء !! و الحرية أيضا !!! و يضيف الأستاذ صبرة "و من يعرف أن كلمة الخليفة الأموي المقيم في دمشق كانت هي القانون في طول هذا الملك الواسع و عرضه يعرف أهمية هذه الروح السمحة التي أفسحت المجال لحياة مشتركة تنتج حضارة" .. سماحة و حضارة و طول و عرض و كلمة واحدة و قانون واحد و ملك واحد , الخ الخ الخ .... لكن رفيق جورج , أنت فقط تعيد ما سبقك إليه الأستاذ السيد من أن "المسيحيين و الوثنيين و اليهود و المسلمين كانوا يعملون في خدمة الحكومة" ( الإسلامية ) , و ليس عندنا أي شك , أن كل هؤلاء و أكثر قد عملوا بالفعل في خدمة الحكومة , و ما زالوا و سيستمرون بإذن الله , حتى يقضي الناس أمرا كان مفعولا !! طيب , و ماذا بعد .. ثم يستشهد أستاذنا بأبجر بن جابر الذي كان زعيم بكر في الكوفة , و عندما أسلمت بكر بقي هو مسيحيا "و لم ير أحد في ذلك غضاضة" .. فعلا , و لا أي غضاضة .. و أخيرا "ألسنا نعبد إلها واحدا لا يتجزئ ؟" .. فعلا ؟ .. نعبد إلها واحدا لا يتجزئ ؟ من تقصد بالضبط أستاذ جورج : المسلمين أم العرب أم السوريين أم الجهاديين أنفسهم , الذين يكفرون و يذبحون بعضهم بعضا ؟؟ .... و يأتي دور الشيخ دندل جبر , عضو هيئة العلماء السوريين , فيلقي المزيد من الضوء على ذلك التعايش و تلك المواطنة : "النص يدل على جواز استشارة غير المسلم" , و لعل هذا الكلام يفترض أيضا إمكان استشارة المسلمين أنفسهم في أمورهم , و الله و رسوله و أنتم أعلم ... و يستشهد أستاذنا بالدكتورمحمد سليم العوا بأن "الأحكام الخاصة بمعاملة اليهود الواردة في وثيقة المدينة تصلح معيارا للحكم على الآراء الفقهية المختلفة في هذا الخصوص" , لا بأس , أن نتمتع في بلادنا بنفس الحقوق التي تمتع بها اليهود في دولة المدينة لهو أمر حسن و رب الكعبة .. لكن لا تغرنكم كل تلك الحقوق و كل ذلك التسامح , فالنفي و الحصار و الموت و أكثر من ذلك في انتظار كل من ينكث بوعوده أو يرى الحاكم أنه قد نكث بوعوده .. الحاكم هو الذي يعطي , و الحاكم أيضا هو الذي يأخذ .. ثم المزيد من المواطنة و التعايش : "أعطاهم أمانا لأنفسهم و أموالهم و كنائسهم و صلبانهم .. و أن لا تسكن كنائسهم و لا تهدم .. و لا شيء من أموالهم و لا يكرهون على دينهم و لا يضار أحد منهم" , كان هذا عهد أمير المؤمنين عمر لأهل القدس ... كلما تحدث إخوتنا الإسلاميون يتملكني شعور أنهم يعيدون فتح بلادنا من جديد و أنهم ينظرون إلينا نظرة الفاتحين العرب للشعوب التي فتحوها , و لذلك يعتقدون أنهم يطمئنونا بكلامهم هذا عن السلوك الراقي الحضاري لأساتذتهم الفاتحين الأوائل عندما فتحوا بلادنا لأول مرة .. ثم : "كتاب خالد بن الوليد إلى أهل دمشق تأمينا على أنفسهم و أموالهم و كنائسهم" , و كتاب "حبيب بن مسلمة لأهل تفليس .. أمانا لهم و لأولادهم و لأهليهم و أموالهم ..." .. كلما فكرت بدستور مقترح لدولة الخلافة أو لدول الخلافة أو إمارات الخلافة , التي على منهج النبوة , وجدت نفسي أفكر فورا في الصيغة التالية : هذا عهد أمير المؤمنين أبو بكر البغدادي أو أبو محمد الجولاني أو الأستاذ رياض شقفة الخ الخ , رضي الله عن كل هؤلاء و أرضاهم , للشعب السوري , بكل طوائفه و أقلياته , أنكم آمنون على أنفسكم و أولادكم و أموالكم الخ الخ الخ .. فعلا بعد كل هذا التعايش و المواطنة لا يبقى أي كلام عن الأقليات ممكنا , أيها الإخوة و السادة : نحن الأقليات في بلادكم , و أنتم وحدكم الأكثرية ... و أنا أيضا أكرر معك , أخي محمد السيد , ما ذكرته عن الشاعر الأمريكي رونالد ركويل الذي قال بعد أن أشهر إسلامه "لقد راعني حقا تلك السماحة التي يعامل بها الإسلام مخالفيه , سماحة في السلم و سماحة في الحرب" , حقا , لقد راعتنا جميعا سماحتكم يا سيدي , فها نحن آمنون على أنفسنا و أولادنا و أموالنا و أدياننا , في بلادنا , كما وعدتمونا , و كما فعل أجدادكم بأجدادنا ... هذا كثير يا أخي , كثير جدا .. كم أشعر الآن بالطمأنينة , و الأمان , و التعايش , و المواطنة , و من يستطيع أن يقول غير ذلك : "من يستطيع أن يجرؤ على القول" بأن هذه ليست "هي روح الدين" ؟ .. أخيرا , فقط للتوضيح و للتذكير : كل هذا ليس طائفية و لا إكراه , كل هذا الكلام تعايش و مواطنة و عدالة و حرية , و لكن أكثر الناس لا يفقهون ... و لا حول و لا قوة إلا بالله .........
* الكلمات ضمن قوسين مأخوذة حرفيا من الكتاب
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟