مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 5187 - 2016 / 6 / 8 - 14:34
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ترجمة مازن كم الماز
بدلا من المقدمة : أهمية هذا النص هو أنه يقارب وضعا شديد البؤس بصورة رائعة , بؤس يتكرر دائما في التاريخ , عندما تنفلت المنافسة بين القوى السلطوية من عقالها , من أي عقال , من أي قانون , لتصبح جنونا محضا .. قوى تختصم على الهيمنة على نفس الفريسة , التي تزعم , كل منها على طريقتها , أن سيطرتها على تلك الفريسة تعني "تحريرها" , و أنها تنافس خصمها , تقتل و تدمر , فقط كرمى لعيون تلك الفريسة .. و النص معاصر جدا , رغم مرور عقود على كتابته , و هذا محزن , لأنه يعني أننا عمليا ندور في نفس الدائرة المغلقة , على الرغم من كل "التغيرات الكبيرة" , و أهمها الحراك الشعبي الذي فاجأ الجميع منذ 2010 ... إذا كان رودنسون مضطرا لأن يستدعي شيئا من التفاؤل في نهاية مقاله , بالحديث عن وسطاء , أو عن إمكانية ما للالتقاء , بين عالمين يبتعدان عن بعضهما , يتواصلان اليوم فقط عن طريق الانتحاريين و الطائرات من دون طيار و الصواريخ و القنابل الموجهة بالليزر , في حرب هي مرة حرب على الإرهاب و في نفس الوقت حرب ضد الكفار و الصليبيين , لا يمكننا اليوم الاختباء خلف مثل هذا الأمل .. إن كان من أمل اليوم فهو في ذات الحروب القائمة , في عبثيتها , و عقمها , و انغلاق أفقها , هذا مرعب لكنه حقيقي , أن الأمل "الوحيد" هو في القوة الإيقاظية لأفعال القتل و التدمير اللامحدودين التي يرتكبها السادة و مهووسي السلطة و الهيمنة من كل الأطياف و المشارب و الطوائف و الأحزاب و التيارات .. الآمال بشيء ما , جديد , أقل كذبا و تزييفا للواقع و لمفاهيم الحرية و العدالة و الأنا و الآخر الخ , أن يقتل الموت نفسه في نهاية الأمر , أن تقتل الكذبة ( أو الأكاذيب ) نفسها , لكن هذا ليس فقط غير مضمون , بل غير واقعي , فسقوط الكذبة لن يعني شيئا حتى لو انكشف زيفها , لأن البشرية , و الشرق خصوصا , لم تعرف نقصا في الأوهام و الأكاذيب ابدا , إن الاقتراب من الحقيقية يقتضي فعلا إيجابيا , تطويرا حقيقيا للقدرات على التفكير و النقد خارج ما هو مباح و ممكن , من الممكن أن تفني الحرب القائمة عقولنا أو إرادتنا المستقلة لفترات لا يعلمها "إلا الله" , أن تطلق عصور ظلام قصيرة أو طويلة أو أزلية ربما , هذا مرعب لكنه حقيقي أيضا , إذا كان علينا أن نتحدى فناءنا كبشر , كبشر و ليس كطوائف أو كأشياء أو كعبيد أو كحمقى , فلا بديل عن تحدي البلاهة العامة , من يدري , لعلنا ننجح أخيرا في الخروج الآمن من تحت كل هذه الأنقاض , ربما ...
أسطورة الفاتح أو المنتصر - ماكسيم رودونسون
أزمة الخليج ؟ تهديدات صدام حسين ؟ الرهائن الغربيون و غيرهم ؟ تتصادم وجهتا نظر عالميتان حول هذه المسائل - رأيان عامان , يستحوذ كل منهما على جماهير من البشر , يقف كل منهما بحماسة إلى جانب أحد الطرفين المتخاصمين , كل منهما له حججه القوية . كيف يمكن "للغربيين" ( بالمعنى الواسع لكلمة غربيين ) ألا يتذكروا هتلر ؟ لقد انتهك صدام أهم أحكام القانون الدولي دون أي اكتراث . و هو لا يلتزم بوعوده مطلقا . و نزعته التوسعية الوقحة تهدد الجميع . متى سيمكن إيقافه إذا سمح له العالم بأن ينجو بفعلته اليوم و يحتفظ بالأرض التي احتلها ؟ بالنسبة للجماهير العربية , و بعض المسلمين , ( أكثر من ذلك يمكن للمرء أيضا أن "يسمع" صمت بقية العالم الثالث ) فهو بطل . إنه يدق ساعة الانتقام من الغرب المكروه , ذلك المستغل و المضطهد الثري ؟ إنه يجعل المدافعين المغرورين عن الهيمنة يرتعدون خوفا : جاء دورهم الآن ليهانوا و يسجنوا و يضربوا , أو حتى ما هو أسوأ . هناك الكثير من الاستثناءات بالطبع : الأكراد و بقية من عانوا على يد العراقيين , هناك أيضا سادة الكنز المدفون في أرض الجزيرة العربية , كل الذين أزعجهم هذا المنافس المسلح جيدا . لكن لا يجب أن تكون هناك أية أوهام في الغرب . إن حماسته لخوض هذا التحدي هي التي ستنتصر , و بفارق كبير . أسباب ذلك كثيرة . توزيع الثروة النفطية في البلاد التي تعتبر مركزية بالنسبة للإسلام هو فضيحة بكل معنى الكلمة . العدد الهائل من الأمراء في الإمارات و العربية السعودية , الذين ينفقون دخلهم الهائل من النفط بتبذير غير معقول , ليعيشوا حياة مترفة بشكل وقح قد يصعب حتى تخيله , و للإنفاق على جيوش من الخدم و العاهرات , و شراء المباني و الأراضي في باريس , و على شاطئ الريفييرا الفرنسية , و لندن أو نيويورك . إنهم يوزعون القليل جدا فقط , بينما يعيش الملايين من أبناء أوطانهم أو شركائهم ( "إخوتهم" ) في الدين في بؤس و جوع و فقر مدقع . تقول أن القانون الدولي قد انتهك ؟ لكن كيف لا يشك المرء في هذا الغضب المفاجئ , و هذا الرد السريع و الفوري , بينما قوبلت الكثير من الانتهاكات الفاضحة من قبل فقط بالصمت . المثال الذي غالبا ما يذكر في الشرق الأوسط - و الذي لا يجب أن يفاجئنا - هو ازدراء إسرائيل الدائم طوال عقود بقرارات الأمم المتحدة . لم يصدر في وجه هذا الازدراء الدائم سوى الإدانات التي , كما نعرف جميعا , كانت غير قابلة للتطبيق منذ لحظة صياغتها . وراء كل الاضطرابات الكبرى هناك محرك واحد . هو الجماهير , التي أغضبها الظلم الذي يضربها مباشرة , و التي يحركها الغضب المشروع , فتنهض لتنتقم لنفسها , لتحرر نفسها . لكنها لم تترجم غضبها أبدا مباشرة إلى فعل مستقل لها . كانت هناك دائما جماعة , منظمة , هي التي تقود . في حالة ثورة يحركها الغضب القومي , تكون تلك عادة دولة , على رأسها ملك , أو قائد , أو فوهرر . صاغت الحركات القومية إيديولوجيتها , التي هي في أغلبها على الأقل , محض أسطورة . فكرة دولة واحدة , شعب واحد , غالبا ما جرى ترديدها و استغلالها من قبل الدول و قادتها : بيسمارك و كافور قبل لاسال و غاريبالدي . تم تحقيق "الوحدة" . لكن هل عادت النتيجة بالفائدة على تلك الشعوب و غيرها ؟ ماذا في حالتنا هنا ؟ هل سيكون العراق , كما يأمل ملايين العرب بحماسة , نظير بروسيا أو بيدمونت , التي ستحرر أخيرا الجماهير العربية و توحدها , تحت ( كما يأمل الكثيرون ) الوصايا الحكيمة للقرآن ؟ فالعراق لا يمكن أبدا أن يوضع في خانة الدول الفقيرة بالموارد . هو أيضا يملك الكثير من النفط و الأراضي الصالحة للزراعة , أكثر مما تملكه مصر مثلا . أما بالنسبة لقائده الأعلى , الذي أصبح فجأة محط غضب الغرب , لا يمكنه هو أيضا أن يزعم أنه حام لثورات الفقراء . مبادراته السابقة تقود للاعتقاد أنه كان منصرفا لأشياء أخرى غير إنقاذ العالم الثالث . طالما قارن نفسه بسلفه نبوخذ نصر الذي دمر آخر بقايا الدولة الإسرائيلية الأولى , لكن الذي هيمن أيضا على جزء كبير من منطقة سوريا و العراق التي فتحها كثير من الفاتحين السابقين أيضا . صدام على حق . إنه أكثر إدراكا من ملايين مؤيديه الجدد لثوابت السياسة الجغرافية في الشرق الأوسط التي تتجاوز الحركات الإيديولوجية . في عصر نبوخذ نصر ( حوالي 600 ق . م . ) و ما قبله لم توجد هناك مسألة الإسلام , و لا حتى مسألة العرب بأي شكل من الأشكال . مع ذلك كانت أقطاب القوة كما هي اليوم : مصر , بلاد ما بين النهرين ( أي العراق ) و إيران . كأسلافه قبل ألفي أو ثلاثة آلاف سنة , يسعى صدام لمد نفوذه أقصى ما يستطيع . و يستخدم لذلك كل الإيديولوجيات التي بتصرفه , واحدة بعد أخرى , ليعط الشرعية لغزواته و يحفز قواته . قبل وقت ليس بالبعيد , أعاد , بجرأة , تفسير تاريخ الإسلام على أنه صراع أزلي بين العرب و إيران . أدى ذلك إلى حرب استمرت ثماني سنوات و خلفت مليون قتيل . يريد منا السذج أن نصدق اليوم أن ذلك الإنسان المسكين الضعيف قد دفع لارتكاب كل ذلك من قبل الأمراء القذرين الأثرياء الذين لا يكترثون إلا لمصالحهم ! هذه هي سذاجة المناضلين ! الشخص الذي يفترض أن يكون فاتحا أو غازيا منتصرا يجب أن يحسب جيدا قوة أعدائه . ربما فعلها أيضا هذه المرة . الأيام القادمة ستخبرنا . لكنها في كل الأحوال لحظة صراع على السلطة المطلقة , لبناء امبراطورية بابلية جديدة , و ليست ثورة لإنقاذ المعذبين في الأرض . لنذكر جيدا أن امبراطورية نبوخذ نصر سرعان ما دمرت هي أيضا على يد الإيرانيين , كورش الذي كان ينتظر عند الأسوار . الإيرانيون الآخرون , الذين يسعون للاستفادة من الوضع الحالي دون أن ينسوا الماضي , ينتظرون هناك هم أيضا . لا توجد نهاية للتاريخ . هزيمة الولايات المتحدة ( و الأمم المتحدة ) - إن كانت ممكنة - لن تكون بداية عالم جديد مشرق . الإنسانية لن تدخل عصرا جديدا من الحرية و السعادة بفضل انتصار شعب مختار جديد - "أمة عربية واحدة , ذات رسالة خالدة" , كما يصفه الشعار الأساسي لحزب البعث - و لا بتطبيق تعاليم الإسلام الاجتماعية المبهمة ( المزدوجة ) . أيا كان ما تتخيله الجماهير , لأسباب مفهومة بالتأكيد , المتعطشة لترى انتصارا على التاريخ , فإننا هنا أمام محاولة لبناء امبراطورية بابلية جديدة , ستعاد صياغتها في أفضل الأحوال لتشمل المنطقة العراقية - العربية . لماذا يجب على هذه الامبراطورية القديمة - الجديدة أن تفكر بتحسين حياة أو مصير محرومي بوتسوانا أو البيرو أو حتى بنغلاديش ؟ حان الوقت لنتوقف عن الإيمان ببابا نويل . لا توجد هناك حلول سحرية . الوضع خطر جدا . هل نوجه ضربة و إهانة للجماهير البائسة بأن نفرض استسلاما غير مشروط على القائد الذي وضعوا كل آمالهم عليه , حتى لو كان ذلك خاطئا ( أو وهما ) ؟ أم نبدأ تحت أسوأ الظروف بتوزيع السلطة و الثروة بإزالة الحواجز التي تمنع أحدهم من تحقيق انتصار عسكري , تلك الحواجز التي بناها القانون الدولي بصعوبة بالغة - رغم أن هذا القانون الدولي كان خبيثا جدا بأن ترك تلك الحواجز منخفضة جدا أمام الفاتحين الأكثر قوة ؟ و قبل كل شيء , هل نبدأ حربا , دون أن نعرف مسبقا نتائجها ؟ لحسن الحظ , أننا لا نتعامل هنا مع كتل صلدة , صماء . الوسطاء موجودون , و أفضلهم هم أولئك الذين يثيرون أقل قدر من الشك عند الناس الذين يهمهم الوضع . يستحق هؤلاء أن يتحدثوا بحرية , و أن نعطيهم شيكا على بياض .
نقلا عن
https://rosswolfe.files.wordpress.com/2015/11/maxime-rodinson-mythology-of-a-conqueror-1991.pdf
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟