أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 23














المزيد.....

سيرَة أُخرى 23


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5124 - 2016 / 4 / 5 - 15:50
المحور: الادب والفن
    


1
أتذكّرُ صورةً، كانت على ما يبدو ايقونة قديمة لمريم العذراء والسيد المسيح.
منذ بداية وعيي للعالم، أعتدتُ على رؤية تلك الصورة وكانت معلقة في حجرة الجلوس. آنذاك، كنتُ أعتقدُ أنها صورتي مع الأم. وكانت والدتي تؤكّد اعتقاديَ الساذجَ، حينما كنتُ أسألها عن الصورة. على الرغم من إنجابها لخمسة أولاد قبل ولادتي، ومثلهم بعدها، فإنّ الأمّ كانت تمحضني دائماً محبّة خاصّة. حتى في عمرها المتأخر هذا، كانت تردد قولها لي: " يا خسارة كل ذلك الدلال! ".
كنتُ في الصف الثالث الإبتدائي، لما قررَ أستاذنا الإحتفالَ بعيد الأم. فأمر كلاً منا بجلب هدية. عندما عدّتُ للبيت، أجابتني أمي بهذا الخصوص: " لا حاجة لي بهديتك..! ". ولكن أمام إلحاحي، ودموعي، اضطرت والدتي إلى إعطائي زجاجة عطر كانت ما تزال بعلبتها. في اليوم التالي، جمّعَ المعلمُ الهدايا على طاولته ثمّ قام بوضعها في كيس: " على كلّ منكم أن يُدخل يده هنا ويُخرج هديته لأمه! ". جاء دوري، وإذا بيَدي تُخرج زوجاً من جوارب النايلون.

2
عام 1998، جرى في نيروبي هجومٌ ارهابيّ لتنظيم القاعدة على السفارة الأمريكية.
قبل ذلك الحادث، انتقلت امرأة كينية الأصل للعيش في جوارنا مع ابنتها. كانت امرأة شابة، مطلّقة حديثاً. طليقها، كان يعيش في مدينة أخرى ويحضر كل فترة لكي يأخذ ابنته. هذه الإبنة، كانت تقريباً في عمر ابني البكر، " ميدياس "، البالغ سنتين آنذاك. كانت تناديه بطريقتها الطفولية، مُحرّفةً إسمه إلى " ميسياس ". وقد قالت لنا والدتها ذات مرة، بأنّه اسم السيد المسيح بالكينية. من ناحيتنا، فقد قابلنا هذه المعلومة بالدعابة، حدَّ أننا صرنا أحياناً ننادي صغيرنا: " ميسياس ".
بعد وقوع الإعتداء الإرهابيّ، هُرعت السيدة الكينية لتخبرنا بما تعلمه من تفاصيل. كانت مُتأثرة ومُروَّعة، لدرجة أنني سألتها ما إذا كان ثمّة أقارب لها بين ضحايا الإنفجار. فأجابت بأن الأمرَ يتعلق بمواطنيها، ثمّ أضافت: " وهذه ليست المرة الأولى، التي نتعرّض فيها لمجزرة من قبل المسلمين! ". هنا، أوضحتُ لها بأنّ العملية إرهابية وذات صفة سياسية لا دينية. عند ذلك، تساءلت الضيفة فيما كانت تشملني وقرينتي بنظرة مُتشككة: " أأنتم مسلمون..؟ ". في اليوم التالي، صادفتُ جارتنا أمام باب العمارة وكانت مع ابنتها. وإذا بها تتعمّدُ الانحناءَ نحوَ الصغيرة، كي لا تضطر للرد على تحيتي. في المنزل، حينما ذكرتُ ما حصل مع الجارة، فإنّ أم الأولاد أجابتني بنبرة أسيفة: " نعم، لقد تعاملت معي اليومَ بنفس الأسلوب. ربما هيَ اعتقدتْ من حديثك أمس، بأننا من جماعة بن لادن!! ".

3
الرحّالة الأجانب، وغيرهم من المستشرقين، أجمعوا على أنّ السَلب والنّهب هما من الخصال السِلبية للكرد. إلا أنهم أكّدوا، من ناحية أخرى، على أنّ الكرديّ يُعامل ضحيته باحترام ولا يلجأ للأذى المجانيّ. الملاحظ، أن الكرديّ يعتبر تلك المثلبة شيئاً جديراً بالفخر ولطالما ذخر فلكلوره بأغنيات تمجّد قاطعي الطريق.
في هذا الشأن، ثمة مرويات وصلتنا من زمنٍ أقدم. إحدى تلك الحكايات، أنّ قطيعَ أغنامٍ كان في طريقه ذاتَ غروبٍ من المرعى إلى المبيت. عند مرورهم في قريةٍ غريبة، انتشرَ الرعيان حول القطيع خشية أيّ طارئ. رجال القرية، وقفوا على طرف الطريق يراقبون القطيع ثمّ ما لبثوا أن ردوا على تحيات الرعاة. هؤلاء الأخيرين، تنفسوا الصعداء حينما اجتازوا تلك القرية. بعد قليل، لاحظ أحدهم أن نعجة تعرجُ في مشيتها. تقدّم الراعي منها، وإذا به يتفاجأ بأنّ ليّتها مقصوصة.

4
ذلك كان منذ حوالي عشرة أعوام، عندما كنتُ مقيماً في " أوبسالا ".
اتصلَ بي أحدهم، داعياً إياي لمنزله: " لدينا ضيف، وهوَ معجبٌ بمقالاتك ويريد التعرّف عليك ". المتّصلُ، كان يعيش في جوارنا. آنذاك، كان قد استقال للتوّ من قيادة منظمة أحد الأحزاب الكردية متحجّجاً باختلافاتٍ فكرية. لم يكن قد طُرد بعدُ، بعدما تمَّ فضحه لاحقاً كأكبر نصّاب في السويد.
الضيف، كان قادماً من بلدٍ أوروبيّ لا يقلّ رقياً. خلال ساعتين من وجودي في منزل الجار الكريم، لم يتكلّم ضيفه بكلمة عن مقالاتي. بين طُرفةٍ وأخرى، كان يعود للتحدّث عن بيعه لهذا المطعم وذاك الكشك. " والآن، عليك مُداراة صحتك. خصوصاً وأنك حصلتَ على تقاعد مَرَضي "، قال له المُضيف وهوَ يبتسم. ثمّ التفتَ إليّ، ليقول بنبرة مُتفكّهة: " المسكين، إنه مصابٌ بالسرطان..! ". عندئذٍ تطلعتُ بدهشة إلى المريض المفترض، الذي كان بحجم الثور وخفّة دمه.
في اليوم التالي، دعوتُ الجارَ وضيفَهُ إلى الغداء في مطعمٍ متخصص بالكباب على الفحم. ما أن فرغنا من الطعام، إلا والجار يتلقى مكالمة من البيت. عندما كان يتكلّم، فإنه أومأ إليّ فجأةً: " الرجل كان يودّ دعوتكِ أنت والأولاد، ولكنه فضّلَ أن يُحمّلني الكبابَ إلى المنزل! ". على أثر خروجنا من المطعم، توجّهنا إلى السوق. ثمّة، مررنا على مخزن شهير لبيع الألبسة. بدأ الضيفُ يُجرّب هذه البدلة وتلك، مُعبّراً عن سروره برخصها مقارنةً بأسعار بلده. ثمّ ما لبثَ أن التفتَ نحوي، طالباً مني أن أدفعَ ثمن الملابس: " لا أحملُ سوى اليورو..! ". فأجبته وأنا أشيحُ بوجهي: " وأنا أيضاً لا أحملُ الكرون. ولكن بإمكاني أن أدلّكَ على محل تصريف العملات، فإنه يقعُ في نفس هذا الشارع ".
بعد حوالي الأسبوع، اتصلَ بي مطربٌ معروف لكي يدعوني إلى سهرة بمنزله على شرف ضيف الله: " جارك، يريدُك أن تجلُبَ الأركيلة معك ". مساءً، كنتُ هناك مع آخرين نستمعُ إلى الأغاني الكردية على وَقْع الكأس وأنفاس الأركيلة ( الشيشة ). كانت ساعة متأخرة من الليل، حينما ودّعتُ الضيفَ بما أنه سيسافر إلى بلده في نهار الغد.
في اليوم التالي، كان صديقنا المطربُ على الخط: " أأنتَ وعدّتَ فلاناً بأن تهديه الأركيلة؟ ". وكان يعني ذلك الضيف. فلما أنكرتُ الأمرَ، فإنّ صديقنا قال: " وأنا رفضتُ إعطائها له ". ثمّ أضافَ بنبرة أسيفة متماهية بالتهّكم: " بعد ذهابه، اكتشفتُ أنه سرقَ فخارة الأركيلة والملقط الصغير الخاصّ بها!! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة أُخرى 22
- القيدُ الحديديّ
- خنجرٌ نحاسيّ
- طبيب
- حافظةُ الحظ
- معلّم
- أعمى
- فنانة
- قصة صداقة
- في المتحف
- سيرَة أُخرى 21
- أمثولة وحكاية
- أقوال غير مأثورة 3
- سيرَة أُخرى 20
- غرائب اللغات
- قلب أبيض
- نبع
- سيرَة أُخرى 19
- الإنسجامُ المعدوم
- سيرَة أُخرى 18


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 23