دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5110 - 2016 / 3 / 21 - 02:27
المحور:
الادب والفن
البلدة، المتّكئة على الوسادة الخضراء للوادي، كان ثمّة ما يُشغلها.
كان البحثُ جارٍ عن مؤذن جديد، كي يخلف سَلَفاً توفيَ قبل حين. أسبوعٌ كان قد مضى، دونما أن يتمكّن الأهلون من الإهتداء إلى طلبهم حتى في القرى المجاورة: المؤذن المطلوب، كان يُشترط فيه علّة العَمَى لضمان حُرمة المنازل نظراً لإشراف المنارة على أغلبها.
وهوَ ذا شخصٌ غريب، وكان شاباً ضريراً وعلى شيءٍ من الملاحة، يتقدّم أخيراً ليحلّ المُشكلة. كان يمشي بتؤدة، وبلا عصا، ممسكاً بيد أحد الأولاد: "عثرتُ عليه بالقرب من بستان اللوز. كان يُغني بصوتٍ جميل "، قال الدليلُ الصغير. بعدَ اختبارٍ قصير في مضافة المختار، تقررَ تعيينُ الضرير في المكان الشاغر بمسجد البلدة. ثمّ مضت الأيامُ في سيرها المعتاد، وكلّ منها كان يحملُ للشابّ الأعمى حصّة خير. الرجالُ، سواء أكانَ واحدهم موسراً أو فقيراً، دأبوا على نفح المؤذن عطايا من مؤن وسواها. الحق، فإنّ النساء هنّ من كنّ يشجّعن البعولَ على هذه الأفعال الحميدة. فلم تكن تخلو مناسبة فرح، وخصوصاً ولادة طفل، دونما أن ينال الأعمى هديّة ما.
ذات ظهيرة، وكان الوقتُ نهاية الصيف، تذكّرت إحدى النساء أن عليها ألا تسلو أمرَ صينية دبس الطماطم، المعروضة للشمس على سطح الدار. هذه المرأة، لم تجد حاجة لإيقاظ كنتها من هناءة القيلولة. وإذاً، تناهت إلى آخر الدرجات الحجرية، المُفضية إلى السطح. تريّثت لتأخذ نفسها، فيما عيناها ترتفعان إلى ناحية مئذنة المسجد. بغتة، خيّل إليها أن ثمّة أصواتٍ تأتي من جهة المطبخ القديم، المُحاذي لموقفها. الأصوات، كانت كأنها تأوّهات مكتومة. تقدّمت المرأة من باب المطبخ، فرأت أنّ القفلَ لم يكن يُترّسُهُ. حينما اقتحمت الحجرة، ما كان لديها شكّ بأنها هيَ، كنتها، من تعلو جَسَدَ شابٍّ غريب. " ولكن، رباه، إنه المؤذن الأعمى نفسه من يحدّق فيّ بعينين مفتوحتين، فاجرتين..! "، خاطبت المرأة سرَّها عندئذٍ.
بضعة أشهر، على الأثر، وكان على المؤذن أن ينال هديته بمناسبة ولادة جديدة.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟