أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 21














المزيد.....

سيرَة أُخرى 21


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5102 - 2016 / 3 / 13 - 03:18
المحور: الادب والفن
    


1
تميّزت المرأة الكردية، بحَسَب الرحّالة والباحثين الأجانب، بتمتعها بالجمال والحرية على حدّ سواء. لم تكن تعرف النقاب أو الحجاب، وكانت تجالس ضيوف المنزل من الرجال الغرباء. كذلك، فإنّ الفتاة الكردية كانت تتزوج غالباً بعد حكاية حب.
أما في حيّ الأكراد بدمشق، ونتيجة للتأثر بمجتمع المدينة المُحافظ، فلم تكن المرأة على ذات القدر من الحرية. وقد انتشر بينهن اللباس الشاميّ، وخصوصاً الملاءة الزمّ السوداء اللون. إلا أنّ المرأة الكردية، في المقابل، اندفعت لتحصيل العلم وخوض ساحات الكفاح الإجتماعي والسياسي على حدّ سواء. فمنذ فترة مبكرة، اشتهر عددٌ من نساء الحيّ بقوة الشخصية والإسهام بمعارك التحرر الوطني والنضال ضد الديكتاتوريات العسكرية. عمّتي عائشة ( زوجة الشهيد محمد خالد ايزولي بطل معركة معربا 1922 )، كانت إحدى هاته النساء وعُرفت بشجاعتها حينما كانت تنقل لثوار الغوطة السلاحَ والمؤن. في زمن عبد الناصر، لما تمّ الزجّ بوالدي في المعتقل مع العديد من رجال الحيّ، هبّت العمّة إلى الشارع ذات يوم صارخة بالنساء الخروجَ بمظاهرة احتجاج. وهذا ما حصل في اليوم التالي، عندما تجمعت النساء أمام البرلمان السوريّ في جادة الصالحية. غير أنّ الدرك تدخل لتفريق المظاهرة، ولم يتبق في المكان سوى ملاءات الزمّ، المرمية على الأرض.

2
ابني الكبير، " ميدياس "، سيبلغ بعد بضعة أشهر سنَّ العشرين. بدأ الدراسة بمعهد السينما في مدينة أخرى، تبعد قرابة نصف ساعة بالقطار عن مدينته؛ أوبسالا. اعتادَ على العودة إلى منزل الأسرة آخر الأسبوع، وكان يقوم بزيارتي أحياناً. في الشهرين الأخيرين، صرنا نتكلم على الخاص بسبب وجودي في مراكش. رداً على صوَري مع الشيشة ( الأركيلة )، فإنه مازحني يوماً بصورة مع أصدقائه في البار. عيد الفصح اقترب، وقد سألني في آخر مرة: " ألن تعود على عطلة الربيع؟ ". فكان جوابي: " الربيع هنا في المغرب، وليسَ في السويد! ".
كنتُ في مثل عُمر " ميدياس "، عندما استدعيت للخدمة الإلزامية. والدي، كان آنذاك في نفس سنّي الآن تقريباً. لا أسلو قط، يوماً شتوياً، مثلجاً وكئيباً، رافقني فيه الأبّ إلى كراج الحافلات الكبيرة، العاملة على خط دمشق ـ حلب. قبل ذلك بعدة أيام، كنتُ أقضي سهرة رأس السنة صُحبة أصدقائي حول طاولة عامرة بالمشروب والمازة. وإذاً، انتُزِعتُ من الصحبة الحميمة لأُلقى في عالمٍ كان بالنسبة لي مجهولاً بعدُ. ثمّة، في محطة الحافلات الكبيرة، بقيَ الوالدُ يومئذٍ واقفاً ينتظرُ تحرّكَ الرّحل. فجأة، تقدّمَ من موقفي بإزاء نافذة الحافلة: " أين هيَ ساعتك؟ "، سألني فيما كان ينظر إلى معصم يدي اليسرى. في ذلك الوقت، كنتُ أمقتُ حملَ ساعة يد. إذ كنتُ من الرقة والنحافة، حدَّ أنّ الساعة كانت تنزلق من معصم يدي. " خذ هذه..! "، قال لي والدي وهوَ يخلع ساعة يده. ثمّ أضافَ يوصيني: " العسكرية، هيَ انضباط وصدق ". لا أدري، ما إذا كان في تلك اللحظة قد استعادَ صورة ما من أيام خدمته في جيش الشرق الفرنسي. إلا أنّ الدمعة الكبيرة، التي ملأت عين الوالد على الأثر، كنتُ متأكداً بأن مردّها ذكرى أخرى، مؤلمة: شقيقي الكبير، الذي عادَ من العسكرية وهوَ مختل العقل بسبب تعذيبه في سجن تدمر.

3
يومَ أمس، 11 آذار، أكملتُ ثمانية وعشرين عاماً من غربة متواصلة، مؤبدة.
في ذلك الصباح البارد، المهيمن عليه ضبابُ الربيع المبكر، كان كلّ من بالبيت حاضراً خلال ساعة الوداع. أو بالأصح، كلّ من كان قد بقيَ من أفراد أسرتنا. والدي، بدا لعينيّ هَرِماً فجأة؛ هوَ من كان يُحاول إخفاءَ انفعاله وتأثره. جدّتي لأمّي، التي توفيت بعد ذلك اليوم بحوالي ثلاث سنين، قالت لي بصوتٍ مرتجف وباكٍ: " دَعَني أقبلك يا بنيّ، فلا أعتقد أنني سأراك مرة أخرى ".
سيارة الخال، كانت تنتظرُ أمام باب المنزل. لم أكن أحمل عندئذٍ سوى حقيبة يد صغيرة، تحتوي على بعض الملابس والكتب. قبل ذلك بيوم واحد، كنتُ منشغلاً بإعداد قائمة بأسماء جميع الكتب في مكتبتي الأثيرة. علّة الأمر، أنني كنتُ آمل بإمكانية إرسال ما أحتاجه من تلك الكتب عن طريق البريد. على أنني، في المقابل، عكفتُ على انتقاء مجموعة من الكتب، القريبة لقلبي، كي أصحبها معي إلى مجاهل الغربة. فلكأنما الإحساس بالفراق النهائيّ، الذي صرّحتْ به الجدّة، كان قد دَهَمَني أولاً.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمثولة وحكاية
- أقوال غير مأثورة 3
- سيرَة أُخرى 20
- غرائب اللغات
- قلب أبيض
- نبع
- سيرَة أُخرى 19
- الإنسجامُ المعدوم
- سيرَة أُخرى 18
- ( اسمُ الوردة )؛ الرواية كفيلمٍ فذ
- لقطة قديمة
- سيرَة أُخرى 17
- امرأة سمراء
- سيرَة أُخرى 16
- المتسوّلة
- سيرَة أُخرى 15
- درهم
- سيرَة أُخرى 14
- خفيفاً كعصفور
- سيرَة أُخرى 13


المزيد.....




- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 21