أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 14















المزيد.....

سيرَة أُخرى 14


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5068 - 2016 / 2 / 7 - 02:25
المحور: الادب والفن
    


1
دور دمشق القديمة، مشهورة بسِعَتها وأقسامها العديدة من دهليز وأرض ديار وأيوان وحديقة وسلاملك وحرملك وقبو المؤن. خلاف ذلك، هوَ المنزل المراكشي القديم ( الرياض ). فإنه معروفٌ بمحدودية أقسامه، المقتصرة غالباً على صحن الدار، المطوّق من أركانه الأربعة بحجرات صغيرة الحجم تتقاسمها أدوارٌ ثلاثة أو اثنتين. ضيق مساحة المدينة القديمة، ربما يفسّرُ طرازَ عمارة رياضاتها، الموصوف. تعويضاً عن الجنينة، فإنّ المواطن هناك قامَ بنقل ما يستحبّه من أغراس وأشجار وعرائش إلى سطح منزله. السائحُ الغريب، في مكانه المرتفع على ترّاس أحد المقاهي أو المطاعم أو الفنادق، لا بدّ أن تتملّكه مشاعر الدهشة، المتماهية بالإعجاب، حينما يلقي نظرةً على الأسطح المجاورة، الشبيهة بحدائق " بابل " المعلّقة.
في مبتدأ تعرّفي على مراكش، كان يخالجني الشعورُ نفسه. آنذاك، أقمتُ شهراً في رياضٍ كائن بحيّ " باب دكالة ". سطح الرياض، كان يضمّ استراحة مجلّلة بالقماش على شكل الخيمة البربرية. من مجلسي هناك، المحاط بالأرائك والطنافس التقليدية، كنتُ أستمتعُ بمشهد أغراس النخيل وعرائش المجنونة، المبثوثة في فخاريات عملاقة. بالقرب من باب الغرفة المجاورة، المستخدمة كمكتب، كان ثمة غاردينيا متسلّقة، تزهو بأزهارٍ ناصعة ورائحة فوّاحة. هيَ ذي أعوامٌ ثمانية، مرّتْ على تلك اللحظات الحميمة وفي كلّ مرة تتجدد مشاهداتي ودهشتي. ولا أنسى تسمّري ذاتَ يوم قدّام مشهد نخلة هائلة، متناهضة من سطح أحد الرياضات في " دوّار كَراوة ". في واقع الحال، فإنّ الحدائق المعلّقة لا تقتصر على الأسطح. شرفات العمارات، المشغول بعضها بخشب الأرز الثمين ذي النقوش المذهلة، أكثرها يحتضنُ شجيرات البرتقال والنخيل والدفلى والصبّار. علاوة طبعاً على عرائش " مجنونتي " الفاتنة، المغطية جانباً كبيراً من أسقف وجدران تلك الشرفات.

2
كان مما له مغزاه، أن يحمل الكتابُ الأول من سيرتي الذاتية هذا العنوان، " زهرُ الصبّار ". على ذلك، فلم يكن بالغريب أن أستعيدَ ذكريات طفولتي في كلّ مرةٍ أصدف فيها نوعاً من الشوكيات خلال زياراتي لمدينة مراكش. الصبّار ( أو كرموز النصارى بالدارجة المغربية )، يبدو أصيلاً في تربة هذه البلاد بالنظر لكثافة انتشاره. الشوكيّات الأخرى، مجلوبة بالأساس من أمكنة مختلفة في العالم لاستزراعها كنباتات زينة. نزيل مراكش، الرسام الفرنسي جاك ماجوريل، قام في عشرينات القرن الماضي بأسفار عديدة إلى جزر الكاريبي لجلب أنواع نادرة من الشوكيات إلى حديقته الساحرة، المعروفة باسمه، والكائنة في حيّ " غيليز " الراقي. ثمّ آلت الحديقة لملكية المصمم العالمي، ايف سان لوران، الذي افتتحها للعموم منذ عام 1980 لقاء رسم دخول سياحي.
مراكش، هيَ إذاً مكانٌ مثاليّ لأغراس الفصيلة الشوكية. المدهش، أنّ بعض هذه الأنواع ـ كالشمعدان ـ يبدأ بالإزهار منذ منتصف شهر يناير. الشمس الكريمة، جعلت أيضاً نموّ الشوكيات بشكل لا يصدّق. فأغراس الشمعدان، يمكن مشاهدتها بطول يصل إلى الطابق الثاني في حدائق بعض العمارات، الموجودة على طرفيّ " شارع محمد الخامس ". شوكية عمة القاضي، الكروية الشكل، تتراءى وهيَ بحجم القبّة لزائري " حديقة ماجوريل ". كذلك الأمر بالنسبة للسجوار، الذي يرتفع في " ماجوريل " بطولٍ يصل إلى حوالي 15 متراً. هذه الأخيرة، لا يكاد ينافسها في كمية الشوكيات المستزرعة سوى حديقة " جنان الحارثي ". ثمّة، في بقعةٍ مكشوفة للشمس، تنهضُ أشتالٌ عديدة من الشوكيات؛ كالصخرة والسجوار والشمعدان والصبار النجمي والتين الشوكي وعمة القاضي ولسان الحماية. شهر آذار، هوَ ميقاتُ إزهار غالبية تلك الشوكيات. عندئذٍ، يتألق كرمُ الصبّار بأزهاره الفاتنة ذات البتلات الصفراء اللون. هناك نوعٌ من التين الشوكيّ، أزهاره وثماره تشبه ما نعرفه عن الصبّار العادي، إلا أن أوراقه مثل الأصابع الطويلة. ألواحُ الصبّار، من ناحية أخرى، أضحَتْ هناك بمثابة سجلات للمراهقين والعشاق يظهر عليها أسماؤهم ورسوم القلب المخترق بسهم.

3
" مدينة النخيل "؛ إنه أحد ألقاب مراكش المغربية، ويحُيل إلى كثافة هذه الأشجار فيها. النخلة رمزٌ، فوق ذلك. سنعثر عليها، وحيدةً، في أشهر معالم المدينة؛ " ساحة جامع الفنا ". أختٌ لها، تتوسّط " شارع البرنس " المجاور، الشبيه بجادة الصالحية في دمشق لناحية شعبيته وحياته التجارية. من على سطح أحد المقاهي، المشرفة على تلك الساحة الشهيرة، يتجلى لبصر المرء مشهدٌ مهيب لأشجار النخيل، المتطامنة بقاماتها الخضراء من بين عمائر المدينة القديمة، التي يغلب عليها اللون الأحمر. واحات كاملة للنخيل، تُشاهد أيضاً خلال عبور الشوارع الرئيسة، المؤدية إلى أحياء المدينة أو جهات الحواضر الأخرى. لكي يتحقق الإنسجام مع منظر هذه الشجرة، فإنّ أعمدة النور العملاقة، المنصوبة على أطراف الميادين والعَرَصات والحدائق، قد تقمّصتْ شكلها.
المعروف، أنّ النخيل المثمر هوَ القصيرُ القامة، وينمو غالباً كأسرة من عدة أشجار. فكم هوَ جميلٌ ومؤثرٌ، منظرُ تلك الأسر، المتآلفة في أحواضٍ منفردة مع عرائش المجنونة، التي تتسلق جذوعها فتغطي سعفها بأوراقها الملونة، المسحورة. يمكن رؤية أسر النخيل في معظم أرجاء مراكش، وخصوصاً على جانبيّ " شارع محمد الخامس "؛ شريان حياة المدينة. النخيل المذكّر، من ناحيته، يتناهض بقامته العالية ووحيداً غالباً. غيار الطلع، المنتقل من المذكّر إلى المؤنث، هوَ من يحقق عملية الإثمار. الجودة المفقودة لبلح النخيل، الموجود داخل المدينة، عائدة على الأرجح لعوامل بيئية سلبية. على الرغم من ذلك، فإنّ منظرَ عناقيد البلح يُضفي جمالية خاصّة على شوارع مراكش؛ كثمار أشجار البرتقال سواءً بسواء. هذه الأخيرة، مبثوثة مثل أشجار زينة في معظم شوارع المدينة الرئيسة، فيما أنّ أشجار الزيتون تزيّن أكثر الدروب الفرعية. بينهما، يتناهضُ النخيل وكما لو أنه حارسٌ أزليّ للظلال. في هذا المقام، علينا أن نذكرَ بأنّ ثمة نخيلاً يُستعمل كذلك كأشجار زينة: " النخيل المروحة "، دُعيَ كذلك بسبب شكل سعفه. أما " نخيل واشنطن "، فهوَ يعدّ عندي أبهى أبناء جنسه لناحية الحُسْن والأناقة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خفيفاً كعصفور
- سيرَة أُخرى 13
- أقوال غير مأثورة 2
- شريحة لحم
- إغراءُ أغادير 5
- إغراءُ أغادير 4
- إغراءُ أغادير 3
- إغراءُ أغادير 2
- إغراءُ أغادير
- سيرَة أُخرى 12
- الجيفة
- قصتان
- سيرَة أُخرى 11
- سيرَة أُخرى 10
- ثلاث قصص
- أثينا
- سيرَة أُخرى 9
- المُخلّص
- سيرَة أُخرى 8
- مجنون الكنز


المزيد.....




- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 14