أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 10















المزيد.....

سيرَة أُخرى 10


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5036 - 2016 / 1 / 6 - 08:27
المحور: الادب والفن
    


1
أستاذنا الديانة في صف التاسع، كان بعثياً ومن جنوب سورية. مرة قال لنا، ان المصلين عند صلاة الفجر تفاجأوا بالسيد الرئيس وهو يدخل الى المسجد في منطقته مرتدياً عباءة حجازية وبيده المسبحة.
في يوم آخر سألنا هذا الأستاذ، ما إذا كانت البيرة حرام. فقال لنا: " والله إنّ طعمها ليشبه طعم البول! ". عند ذلك، صحنا بصوت واحد: " شو عرّفك أستاذ؟!! ".

2
في صف التاسع، كان أستاذنا باللغة العربية هوَ الفلسطيني شحادة سويدان. علاوة على طريقته التربوية الممتازة، فقد كان انساناً طيباً وطريفاً. ذات مرة، أعطانا وظيفة في الإنشاء وكانت عبارة عن موضوع كتابة رسالة. آنذاك، كان منتشراً في السوق كتابٌ تجاريّ يحمل عنوان " كتابة الرسائل لطلاب المرحلة الإعدادية ". في اليوم التالي، إذا بمعظم زملاء الصف قد نسخوا رسائل متشابهة. رسالتي، وعلى الرغم من كونها أصلية، فإنها عجّتْ بالأخطاء القواعدية بسبب طولها. إلا أنّ معلّمنا، من ناحيته، غضّ الطرْفَ عن تلك الأخطاء حينما قارن رسالتي مع رسائل الزملاء، المنقولة من مصدر واحد.
وظيفة أخرى، كلفنا بها المعلّمُ المُتَطَلّبُ في أحد الأيام تلك. علينا كان عندئذٍ كتابة قصّة من وحي الخيال. وكنتُ آنذاك أستعيرُ من بيت أحد الأقارب أعداداً قديمة من مجلة " المختار " الأمريكية، المهتمّة بنشر الغرائب والعجائب. إحدى القصص المنشورة في المجلة حقَّ لها أن تؤثر فيّ كثيراً، حدّ أنني استلهمتُ أجواءها عند كتابة الموضوع المطلوب. ولكن، كم كانت خيبتي مريرة لاحقاً، عندما أبدى أستاذنا عدم رضاه عن قصتي ما أن قمتُ بسردها. في المقابل، امتدحَ قصة لأحد الزملاء وكان موضوعها عملية فدائية بالأرض المحتلة. بعد انتهاء ذاك الزميل من قراءة قصته، نهضتُ وكشفتُ عدة أخطاء وتناقضات فيها. وإذا بالأستاذ يتجه إليّ قائلاً بنبرة إعجاب: " فضلاً عن خيالك الخصب فإنّ لديك قوة ملاحظة؛ وهما ضروريان لكل من يهتمّ بكتابة القصة! ".

3
والدي، توفي هنا بغربته السويدية وفي مثل هذه الأيام قبل أحد عشر عاماً. بغض الطرف عن آرائه السياسية، التقدمية، فإنه كان على شيء من التحفظ في حياته الشخصية. حتى في شبابه، لم يكن يحب مجالس الخمرة. ويقال، أنها مرة وحيدة حَسْب، شربَ فيها مُسكراً. كان ذلك في ليلة عرسه، وبضغط من أخوته العتاة.
كنتُ على حدود المراهقة، عندما دعوتُ قريبين لي إلى الغداء في البيت. ولأن الوالد كان يمضي في نفس الفترة إلى عمله، فإنّ البيرة والبراندي تجرأتا على تصدّر المائدة. ألا تقول أن أبي قد نسيَ غرضاً، فعاد فوراً إلى البيت. عندئذٍ، ضبطنا بالجرم المشهود: " مرة أخرى، سأقلب الطاولة على رؤوسكم! "، هذا كل ما قاله قبل أن يدير ظهره ويمشي. بعد عام أو نحوه، كان ثمة عرس أحد الأقارب وقدموا فيه المشروب والمازة مع حضور فرقة غنائية كردية. الأصدقاء هناك لاحظوا أنني أثقلت بالشراب، فتناهض بعضهم كي يرافقني إلى المنزل. ثمة، أمام الباب، إذا بأصوات عراضة العريس تنطلق بقوة. فلما تحركتُ مجدداً بغرض العودة،. كان الشبابُ بالمرصاد. في غمرة الشد والجذب، ارتفعت أصواتنا. وإذا بوالدي يظهر فجأة أمام الباب، وكانت نظراته صارمة كالعادة في هكذا مواقف. في اليوم التالي، كنتُ لا أزال في الفراش لما جاء الأب كي يراني: " يا بنيّ! إذا أردتَ أن تشرب، فأنت حر. ولكن افعل ذلك بالبيت لا بين الناس، فتسكر وتجلب لنفسك سخريتهم وأقاويلهم! ".

4
في أواخر السبعينات، انتشرت بين الناس في دمشق صرعة جديدة. فالمقتدرون، صاروا يدبّرون أجهزة تلفزيون أجنبية تهريباً من لبنان. لم يَعُد يعجبهم أجهزة " سيرونيكس " المحلية الصنع؛ مع أنها، كما هو معروف، من أبرز انجازات الحركة التصحيحية.
آنذاك، رأيتني ذات مساء في منزل كبير أولاد عمومتي. كانت العائلة مجتمعة أمام جهاز تلفزيون مهرّب، فأبديت إعجابي بألوانه الجميلة وشكله الأنيق. بعد قليل، طلبَ ابن عمي مني أن أخفض صوت التلفزيون. فقمت وفعلت ذلك. ولكن، ما أن هممت بالجلوس حتى ارتفع الصوت مجدداً. فعدتُ إلى زر الجهاز وأخفضت الصوت، ولم أتحرك من مكاني حتى تأكدت من ذلك. حينما أدرت ظهري وهممت بالإياب كي أجلس، إذا بالجهاز الابن الحرام يزعق أكثر من ذي قبل. عندئذٍ، انفجر الحاضرون بالضحك. وكان ابن عمي أكثرهم مرحاً. قال لي، فيما هو يريني جهازاً غريب الشكل يشبه الترانزيستور: " هذا اسمه ريموت كونترول، يُشغل كل أزرار التلفزيون من بعيد. تعيش وتأكل غيرها! ".

5
في مثل هذا اليوم من عام 2001، توفيَ صديقي وقريبي " حسون ". كان ينتظر الإقامة في ألمانيا، فحصل على قرار الرفض ثم التسفير. في ذلك اليوم، عاد إلى غرفته في معسكر اللاجئين بعدما تسلّم قرارَ المحكمة الأخير. وعلى الرغم من معرفته بخطر الشرب لمثل حالته ( كان يأخذ دواء ارتفاع الضغط )، إلا أنّ الإحباط واليأس دفعاه إلى الاستهتار. في ظهيرة اليوم التالي، وُجِدَ صديقنا العاثر الحظ وكان قد فارق الحياة. موته كان مثالياً، لو جازَ التعبير، بالمقارنة مع أسلوب صاحبه في العيش. إذ كان صاحبَ كأس، لا يكاد يشغله همّ طالما هوَ خالٍ من أيّ مسؤولية تجاهَ أهلٍ أو أسرة. "حسون "، كان موسوساً فوق ذلك. وهذه الخصلة، ربما يشاركه فيها الكثير من أبناء قومه.
ذات مساء، كان " حسون " في طريقه إلى منزلي حينما التقاه أحد الأصدقاء. قال له هذا، أنه لم يجدني في البيت وإنني على الأغلب في المركز الثقافي السوفييتي ألعب الشطرنج. على ذلك، اقترحَ على " حسون " أن يذهبا إلى المركز. هناك، لم يجداني في قاعة الشطرنج، فتوجها إلى صالة عرض الأفلام السينمائية. ما أن جلسَ " حسون " على مقعده في غمرة العتمة، حتى داهمته الوساوس: " أنا عسكري مُكلَّف، فكيف طاوعتُهُ في المجيء إلى هكذا مكان مشبوه؟! ". فجأة، نهضَ بدون أيّ كلمة ثمّ غادر الصالة. صديقه، أعتقد أن الأمر يتعلق بقضاء الحاجة. بعدما انتهى الفيلم، عادَ هذا الصديق إلى الحارة واتجه فوراً إلى منزل " حسون " كي يسأله عما دهاه. هذا الأخير، خرجَ عندئذٍ إلى الباب وخاطب الآخرَ بنبرة مُنذرة: " أمشِ من هنا، يا عوايني، أمشِ!! ".

6
اغتيال الصحفي ناجي الجرف بمسدس كاتم صوت، اليوم في عينتاب التركيّة، ذكّرَ الكثير منا بحادثة إغتيال سميّه وابن مهنته؛ الكاريكاريست الفلسطيني ناجي العلي قبل نحو 28 عاماً. ما يجمع أيضاً بين الرجلين، أنّ كلاهما استشهد في المنفى. ناجي الجرف، على أغلب تقدير، قتل بأيدي مأجورين للنظام الأسدي. أما ناجي العلي، فإنّ هذا النظام كان هو من ضغط عليه عبرَ مأجوريه في لبنان كي يغادره إلى لندن بعد اقامة قصيرة في الكويت.
في مثل هذه الأيام من عام 1981، التقيتُ الفنان ناجي العلي خلال معرض الكاريكاتير العربي الثاني بدمشق. كنتُ قد تقدّمت للمعرض بثمان لوحات، تمّ قبولها من قبل اللجنة المكلفة. وعلى الرغم من ظهور اسمي في الكاتالوغ الخاص بالمعرض، فإنّ لوحاتي حُجبتْ لسببٍ ما. في مساء إفتتاح المعرض، كنتُ في صالة الشعب للفنون التشكيلية مع عدد من الأصدقاء. حينما لمحنا الفنان ناجي العلي بين الحضور، توجهنا إليه حالاً لتحيته. عند ذلك، أثار أحد الأصدقاء موضوعَ منع لوحاتي من العرض. هنا، لما عرفَ ناجي العلي موضوع تلك اللوحات، فإنه قال لي: " ربما تَطَرُق رسومك لمبادرة الأمير فهد للسلام، هيَ وراء حجبها! ". من خلال الدردشة، علِمَ هو أن أول رسم لي قد نشر في مجلة " الحرية " الفلسطينية. فابتسمَ عندئذٍ وقال، أنه نشرَ أيضاً رسوم بداياته في ذات المجلة. في ليلة اختتام المعرض، أُعلن عن فوز علي فرزات بجائزة المعرض. إذاك، لم يكن ناجي العلي بين الحضور. فقد اعتذر بضرورة عودته إلى بيروت نتيجة ارتباطه بمواعيد مهمة. صديقنا ذاك، المثير مع ناجي العلي موضوعَ منع لوحاتي، هو نفسه من جاء إليّ ذات يوم لكي يُخبرني بموته. في ذلك اليوم، 29 آب 1987، كنتُ قد أكملت عامي الثلاثين.

7
في موسكو عام 1993 أردت دخول السفارة السويدية، وكان الشرطي الروسي البغل يمنع أي شخص شعره أسود من الاقتراب. والسبب، كان كثرة أبناء العراق والصومال ممن يرغبون بفيزا إلى السويد. الشرطي الجلف، كان يمنع غير الأوربيين من دخول السفارة حتى من كان معهم باسبورت سويدي.
عند ذلك، جربت حيلة مع هذا الشرطي، الشبيه بالغفر الصعايدة. فاقتربت منه وقلت له بالروسية " أنا من اليونان! ". فلما أمسك الباسبورت وقرأ اسم دمشق Damascus؛ اعتقد الجاهل أنه اسم مدينة يونانية، فدعاني بلطف كي أدخل إلى السفارة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث قصص
- أثينا
- سيرَة أُخرى 9
- المُخلّص
- سيرَة أُخرى 8
- مجنون الكنز
- الحكايات الثلاث
- سيرَة أُخرى 7
- أمثولتان
- مجنونة الجبل
- سيرَة أُخرى 6
- الحكايتان
- من أمستردام إلى مالمو
- سيرَة أُخرى 5
- حكايات
- أمستردام
- سيرَة أُخرى 4
- مراهق
- حكايتان
- ثلاث حكايات


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 10