|
شعوذة التاريخ - التطوّر في التاريخ
موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5075 - 2016 / 2 / 15 - 00:31
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
التطوّر يطال كل شيء ، و كل الأشياء قابلة للتطوّر ، و هذا من بديهيات هذا العصر ؛ فلا وجود لشيء ثابت لا مُتغيّر ، سواء ذاته أو لغير ذاته ــ و لسوء الحظ أن التطوّر يعتمل دون أن يستثني حتى مُنكريه أو مناهضيه ؛ فعلى الرغم من إنكارهم للتطوّر ، إلا أن التطوّر يطال فكرهم المناهض للتطوّر ذاته [ الفكر المناهض للتطوّر هو نفسه يتطوّر ! ] ، بل إن المحيط الذي يحتويهم هو نفسه ليس بثابت [ أساليب العيش في تطوّر ] .
فإن كانت الأشياء في إنفرادها في تطوّر ، فهل في وجودها في كلية ما يجعلها ثابتة دون تطوّر ، أم أن التطوّر نفسه ينسحب على الكلية الحاوية ذاتها ، فتصير الكلية هي أيضا في تطوّر ؟! ــ الأمر لا يحتاج لسفسطة ما لإثبات أن الكلية تصير في تطوّر ؛ بالتالي فمن البديهي القول بأن التاريخ من حيث هو كلية ، هو في تطوّر .
صحيح أن هناك كذا رؤية مختلفة للتطوّر في التاريخ ــ فمثلا هناك من حدد الأطوار التاريخية بالتالي : (الطور الزراعي) / (الطور الصناعي) / (الطور الما بعد صناعي) ، و هناك من حددها بالتالي : (الطور البدائي) / (الطور العبودي) / (الطور الإقطاعي) / (الطور الرأسمالي) ، و غير ذلك من تحديدات تطوّرية .
الإختلاف في تحديد الأطوار و تسميّتها ، يعود إلى إختلاف المناهج ؛ و هو جائز ما دام المسعى هو تحديد الطور التاريخي ، ليس إلا ــ لكن الإختلاف في ما يكمن وراء هذا التحديد التطوّري ، أو الإختلاف الذي يكمن وراء القول بالتطوّر في التاريخ ، هو إختلاف القواعد ؛ فهناك قاعدة علمية ، و هناك قواعد لا علمية ، يجري الإنطلاق منها // فعلى الرغم من أنها جميعا تقول بالتطوّر في التاريخ ، إلا أن التطوّر ذاته مُختلف فيما بين القاعدة العلمية و القواعد اللا علمية .
و كي يتضح الأمر ، لنتدبّر النقاط التالية : 1. التطوّر في التاريخ بذاته لا معنى له ؛ فارغ تماما من المعنى [ نحن من أوجد المعنى ، بل أكثر من معنى و دون تحديد نهائي ] . 2. التطوّر في التاريخ بذاته ليس تقدميا ، و ليس رجعيا ؛ نحن من يرى إن كان طور ما يُمثل طورا تقدميا ، أم طورا رجعيا ، بغض النظر عن الأسباب [ و غير ذلك من صفات نلصقها بالطور ] . 3. التطوّر في التاريخ بذاته لا غائي ، و لا قصدي ، و لا واعي ؛ هذا لا يعني إلغاء إمكانية المقدرة للدفع إلى طور كغاية بقصد و عن وعي [ إلا أن هذا ليس سهلا ، كما قد يتوهم البعض ؛ فالتطوّر لا يخضع لقدرة و رغبة البشر ــ مُتجاوزا كل غاياتهم و مقاصدهم و وعيهم ] . 4. التطوّر في التاريخ ليس أناركيا ؛ إذ يخضع لسببية تكمن فيه نفسه [ الطور التاريخي ذاته ؛ بما يحتويه و يحدده و يحدّه ] ، و إن جهلناها . 5. التطوّر في التاريخ لا يسير أفقيا أو عاموديا أو دائريا أو لولبيا ؛ فكل (من طور إلى طور) هو سيرورة بصيرورة خاصة مميزة بذاتها ، إنطلاقا من السببية الكامنة فيها نفسها [ بغض النظر عن علمنا أو جهلنا بها ] . 6. التطوّر في التاريخ لا نهائي ؛ نهاية التاريخ أكذوبة إيديولوجية أو وهم عقائدي . 7. التطوّر في التاريخ غير مشروط بإدراكنا أو وجودنا ؛ فسواء أأدركنا أم لا ، أو كنا موجودين أم لا ، فإدراكنا و وجودنا ليس شرطا للتطوّر في التاريخ [ لكننا جزء منه ، و نتطوّر ] .
فكل من يحيد عن هذه النقاط السبعة في قوله بالتطوّر في التاريخ ، إنما هو يُشعوذ بالتطوّر في التاريخ ــ فلا التاريخ يسير خطيا أو يسير تقدميا ، و لا يتصيّر بإرادة إله أو إنسان ، و الظواهر التي نعتقد أنها دليل على أناركية التاريخ ، هي دليل على جهلنا بالأسباب لا أكثر ؛ فلا نهاية أو غاية أو عقل أو قصد أو معنى أو وعي للتطوّر في تاريخ .
في الختام ــ ليس لنا في مواجهة التطوّر في التاريخ إلا محاولة القبض على الأسباب ، و هي كامنة في الطور نفسه . لنحدد موقفا ، و لنتخذ موقعا ، فكون التطوّر في التاريخ بلا معنى لا يعني أن نتبنى اللا معنى عن الأطوار ذاتها ؛ في النهاية نحن جزء من هذا التطوّر في التاريخ ، فلسنا خارج التاريخ كي لا يطالنا التطوّر و تأثيره .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شعوذة التاريخ - علمية التاريخ
-
شعوذة التاريخ - مقدمة
-
شيء عن برنارد هنري ليفي
-
شعوذة إقتصادية (4)
-
شعوذة إقتصادية (3)
-
شعوذة إقتصادية (2)
-
شعوذة إقتصادية (1)
-
القوة - السلعة و الخدمة
-
القوة - النقود
-
القوة - الجهد المبذول [ قوة العمل ]
-
القوة - الجمهور و الجماعة
-
تصفية الشهداء
-
القوة - كونك ماركسي
-
كونك ماركسي 2
-
كونك ماركسي
-
مغالطات مُتداولة .. العامل المُنتج هو بروليتاري
-
القوة - الجنس
-
شيء عن الإيديولوجيا
-
القوة - الضعف و العبودية
-
القوة - الثقافة
المزيد.....
-
مقتل فلسطينية برصاص الجيش الإسرائيلي بعد مزاعم محاولتها طعن
...
-
الدفاع المدني في غزة: العثور على أكثر من 300 جثة في مقبرة جم
...
-
الأردن: إرادة ملكية بإجراء الانتخابات النيابية هذا العام
-
التقرير السنوي لـ-لعفو الدولية-: نشهد شبه انهيار للقانون الد
...
-
حملة -شريط جاورجيوس- تشمل 35 دولة هذا العام
-
الصين ترسل دفعة من الرواد إلى محطتها المدارية
-
ما الذي يفعله السفر جوا برئتيك؟
-
بالفيديو .. اندلاع 4 توهجات شمسية في حدث نادر للغاية
-
هيئات بحرية: حادث بحري جنوب غربي عدن
-
وزارة الصحة في غزة تكشف عن حصيلة جديدة للقتلى والجرحى نتيجة
...
المزيد.....
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
يوميات على هامش الحلم
/ عماد زولي
-
نقض هيجل
/ هيبت بافي حلبجة
-
العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال
...
/ بلال عوض سلامة
-
المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس
...
/ حبطيش وعلي
-
الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل
...
/ سعيد العليمى
-
أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم
...
/ سعيد زيوش
المزيد.....
|