|
شيء عن برنارد هنري ليفي
موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5070 - 2016 / 2 / 9 - 00:46
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
برنارد هنري ليفي ، الفيلسوف الذي أمسى لكثير من العرب معروفا ، كشيطان رجيم ــ و بشيطنته ، قوّض كفيلسوف ، و تم إعتبار كل ما قدمه برنارد مجرد هراء [ لغط و غلط ] ، بل هراء عنصري [ صهيوني ] ؛ فكانت إن علت بعض الأصوات الداعية لرفض الإستماع له ، خوفا من سهم الفتنة الذي قد يسحرهم به إليه .
لا شك أن الدور الذي لعبه برنارد في كذا موقع ليس بهيّن أبدا ، فمن أفغانستان إلى البوسنة إلى جنوب السودان إلى ليبيا و ما فاتنا ذكره ، كل ذلك جعل الأنظار إليه تتركز بكونه رجل فاعل يتجاوز أي إحتمال بإعتباره مجرد رجل مدني . و لا يفوت على أعداؤه حقيقة كونه يهودي مُتمسك بيهوديته ، بل و أكثر من ذلك ، مدافع شرس عن إسرائيل ؛ و الصهيونية في نظره ليست إلا حركة تحرر وطني لليهود . و لم يكتف برنارد بذلك ، فموقفه من اليسار موقف عدائي ، يرمي به إلى مواقع يمينية ؛ و بشكل خاص اليمين المُتطرف ــ و بهذه الصورة المُقدمة عن برنارد ، يبرر البارانوئيّون و العقائديّون معاداته و معاداة حلفائه ، و في المقابل التضامن مع أعدائه ! .
و لكن إن نظرنا من جهة أخرى [ غير تلك التي تعودنا عليها من قِبَل البارانوئيين و العقائديين ] ــ فإن الدور الذي لعبه ليس إلا تطبيق عملي لدور المثقف الفعّال إجتماعيا [ المثقف العضوي عند غرامشي ] ، أما يهوديته فهي تتجاوز مجرد الإنحصار بالدين اليهودي ، فتوجهه العلماني الصريح يؤكد ذلك . كما أنه بقدر ما هو مُدافع شرس عن إسرائيل ، فهو كذلك مُدافع شرس عن الديموقراطية ؛ فهو من الذين يحرضون حكومة إسرائيل على عدم الوقوف في موقع المُتفرج المُرتعب من تغييرات الربيع العربي ، داعيا أياها بأن تقوم بتقديم العون لبواكير الديموقراطية في بلدان الربيع ، محذرا أياها من مغبة إتخاذ موقف عدمي رجعي . أما موقفه السلبي و العدائي من اليسار ، فيعود لفهمه المميز للوضع العالمي الجديد ، و كذلك فهمه لما وراء دعاوى و شعارات اليسار ، بذلك فبرنارد هنري ليفي مُفكر يساري يُقيّم يسارية اليسار فكريا ؛ و يبرز إستنكاره على اليسار إعتباره التدخلات الغربية في أفريقيا أو آسيا تدخلات إمبريالية ، كما أنه يكشف عن حقيقة المزاعم الإنسانية و التعددية التي يرفعها اليسار الأوروبي ، و التي تؤدي إلى إنسانية تنتصر للديكتاتوريات ، و تعددية تناصر الظلاميات و الرجعيات و تحميها .
و لا يغيب عنا كون فكر برنارد ذا سمات فاتنة ، و لعل هذه السمات هي التي دفعت به إلى مواقف متميزة في مواقع متوترة و حساسة ، فهو كما يقول : (( كان موقفي دوما نيتشه في أفلاطون ؛ نيتشه الذي ينتظر أفلاطون ــ و ليس لي إلا عدو واحد هو هيجل )) . و هناك لمسة ألثوسيرية سارترية في فكره لا يمكن تجاهلها ؛ و لعل هذا ما يفسر بعض هذا التجانب للرصانة التحليلية مع السذاجة السياسية لديه . و نجد نقاط توافق و تشابه بين فكره مع فكر فلتر بنيامين ؛ الفكر الذي مازج بين (الرومانسية) و (المشيحانية [فكرة الخلاص]) و (الماركسية) .
قد نتفق و قد نختلف مع برنارد حول العديد من النقاط ، لكن الأكيد أن هناك نقاط يطرحها برنارد هي ذات موضع راهني يستحق النظر و النقاش . و جدير بنا أن نبتعد عن كل بارانوئية و عقائدية في تعاملنا مع الأفكار كما الأشخاص ــ نعم ليطال النقد كل شيء ، بلا أي إستنثاء ، و بلا أي محددات للنقد ؛ لكن البارانوئية و العقائدية حتى في ممارستهما للنقد ، فهما تقفان موقفا مضادا للنقد ، و ينبغي إدراك ذلك .
في الختام ــ [ بتصرف ] مقتطف لبرنارد هنري ليفي ، من { الحرب دون أن نحبها } ، يعرض فيها موقفه من حيث موقعه [ الأوروبي ] تجاه الربيع العربي بشكل عام :
ــ كان السرياليّون يسألون (هل سبق أن صفعت ميتا ؟!) ، و سوف يسأل مؤرّخو القرن الحادي و العشرين (هل سبق أن رأيت ميتا يُبعَث حيا ؟!) ، و لسوف يجيبون (نعم ، رأينا . فقد كان هنالك شعوب ميتة ، لم تكن نائمة ، إنما كانت ميتة موتا روحيا بقدر ما هو موت سريري و سياسي ــ و إن معجزة حدثت ، حين قال ملاك التاريخ لهذه الشعوب : إنهضي ، و سيري) . ــ و سارت ؟! ، حينئذ ٍ إلى أين سوف يذهبون ؟! ، في أي إتجاه سيكون المسير ؟! ، هل سيسيرون بسهولة أم نصف نائمين ؟! ، في ضوء الفانوس أم في النور الوضّاء ؟! ، و هل إذا كانوا عائدين إلى الموت بعد أن خرجوا منه توا ؟! . ــ يكفي أصلا المسير ، يكفي ألا تكون هذه الشعوب أولئك الأموات ، الذين كانوهم .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شعوذة إقتصادية (4)
-
شعوذة إقتصادية (3)
-
شعوذة إقتصادية (2)
-
شعوذة إقتصادية (1)
-
القوة - السلعة و الخدمة
-
القوة - النقود
-
القوة - الجهد المبذول [ قوة العمل ]
-
القوة - الجمهور و الجماعة
-
تصفية الشهداء
-
القوة - كونك ماركسي
-
كونك ماركسي 2
-
كونك ماركسي
-
مغالطات مُتداولة .. العامل المُنتج هو بروليتاري
-
القوة - الجنس
-
شيء عن الإيديولوجيا
-
القوة - الضعف و العبودية
-
القوة - الثقافة
-
القوة - الإيمان و الإلحاد
-
من ثروة الأمم الزيرجاوية إلى أسانيد المانفيستو النمرية
-
مغالطات مُتداولة .. الإنتاج السلعي هو رأسمالي
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تعتقل محاضرة في الجامعة العبرية بتهمة الت
...
-
عبد الملك الحوثي: الرد الإيراني استهدف واحدة من أهم القواعد
...
-
استطلاع: تدني شعبية ريشي سوناك إلى مستويات قياسية
-
الدفاع الأوكرانية: نركز اهتمامنا على المساواة بين الجنسين في
...
-
غوتيريش يدعو إلى إنهاء -دوامة الانتقام- بين إيران وإسرائيل و
...
-
تونس.. رجل يفقأ عيني زوجته الحامل ويضع حدا لحياته في بئر
-
-سبب غير متوقع- لتساقط الشعر قد تلاحظه في الربيع
-
الأمير ويليام يستأنف واجباته الملكية لأول مرة منذ تشخيص مرض
...
-
-حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف وحدة المراقبة الجوية الإسرا
...
-
تونس.. تأجيل النظر في -قضية التآمر على أمن الدولة-
المزيد.....
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
يوميات على هامش الحلم
/ عماد زولي
-
نقض هيجل
/ هيبت بافي حلبجة
-
العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال
...
/ بلال عوض سلامة
-
المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس
...
/ حبطيش وعلي
-
الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل
...
/ سعيد العليمى
-
أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم
...
/ سعيد زيوش
المزيد.....
|