أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علوان حسين - الغبي














المزيد.....

الغبي


علوان حسين

الحوار المتمدن-العدد: 5064 - 2016 / 2 / 3 - 20:22
المحور: الادب والفن
    


الغبي
علوان حسين

ولدت غبيا ً , هكذا جئت إلى الدنيا غبيا ً دون علم ٍ مني . كان أول من أطلق علي َ هذا الوصف هو معلم الحساب , ثم تلقفه أبي منه فلم يعد يناديني إلا به وصرت أعامل على أساسه ولم أحصل من الطعام إلا على وجبات ٍ ضيئلة يقابلها وجبات دسمة من العقاب . كنت أشرد بتفكيري كثيرا ً وكان يحلو لمعلم الحساب مباغتتي بسؤال من جدول الضرب , أجمد من الخوف وأرتبك فأرتكب من الأخطاء جسيمها فيزغرد كف على وجهي بغتة , كف هو من القوة والشدة أكاد أسمع صفير الهواء المحبوس داخل طبلة أذني . بعدها يأمرني بوضع يدي َ على الطاولة فينهال بالمسطرة يستخدمها حادة ً كالسكين من حوافيها حتى تتورم يداي َ ويذبل وجهي وأعود إلى البيت منكسرا ً مسحوقا ً شاكيا ً لأمي ما حصل لي تأمرني أن أكتم الأمر كي لا يسمع به أبي فيغضب مني لكنه ولست أدري كيف كان قد تشمم الخبر وعلم بكل شيء . أمام جبروت أبي وقسوته تبدو علقة المعلم نوعا ً من دعابة .
أبغض الناس إلى قلبي هم المعلمون والآباء . كان أبي أقسى مخلوق ٍ عرفته وأشد بطشا ً حتى من جلاوزة الشرطة . في سنوات طفولتي لم يبق مكان في جسمي إلا وكان أزرقا ً من الضرب . كانت المدرسة مركز تعذيب وكان البيت منفى . وقتها في تلك السنوات الموحشة كم وددت لو أكبر سريعا ً لأغدو قاتلا ً أو سفاحا ً أو رئيس عصابة . كان جدول الضرب هو عدوي الأول , وكان معلم الحساب هو الجلاد وأبي بسحنته الصارمة وشواربه الكثة وعينيه اللتان تقطران شررا ً يعض لحمي الغض بأسنانه ويود لو يمتص دمي ولم أكن أعرف سببا ً لكراهيته لي سوى غبائي . كان يشمت بي بكل مناسبة ويسخر من إرتباكي وتلعثمي أمامه حين يحاول إمتحاني فأخطأ حتى بالمسائل التي كنت قد حفظتها عن غيب . لم أعد أطيق الجلوس على طاولة الدراسة وصارت جدران الصف بالنسبة لي أشبه بالسجن فعثرت على متعتي الوحيدة وهي الهروب من المدرسة والتجوال في الشوارع على غير هدى . كنت أسلي نفسي بالتحديق في وجوه الناس باحثا ً عن الفرق مابين الرجل الشرير الذي تؤكد لي قسمات وجهه الصارمة ونظراته التي يسلطها على الآخرين وآخر يبدو لطيفا ً رقيقا ً من وداعة ملامحه وبشاشة وجهه وعينيه الباسمتين . كم بدت خرافة حنان الأبوين بليدة وتدعو للضحك , وكم كنت مضحكا ً وأنا أبحث في داخلي عن قطرة حنان رضعتها من ثدي ما يسمى بالعائلة . لم يعد ثمة بستان أو غابة نخيل أحتمي بظلال أشجارها ولا طاحونة يأسرني صوت رحاها وهي تسحق الحنطة وكأنني أصغي لموسيقى رتيبة يترنم بها الحجر . في القرية كنت أطارد الفراشات وأركض كغزال بري دونما خوف , وكان كلبي الصغير يعدو أمامي مرحا ً , أشعر به يضحك وكنت أعجب منه , ترى ماذا يضحكه , أيود أن يدخل السرور إلى قلبي ؟ يا لجماله ذلك الكائن البديع .
في الليالي الصيفية حيث يحلو النوم على سطح الدار كنت أطيل النظر إلى السماء التي كانت أشبه بغابة مزروعة بالنجوم , سماء من شدة قربها أكاد ألمس نجومها وأقطفها عناقيد من لؤلؤ يخلب الأبصار .
مدينة الثورة حيث بيتنا الجديد بشوارعها الترابية لا تكاد تعثر فيها على ظل شجرة أو نبتة مغروسة في مكان ٍ ما ولا أثر للنخيل ولا أشجار النارنج وليس ثمة من ساقية ولا نهر , بدت لي المدينة أشبه بصحراء شمسها حارقة وعواصفها ترابية وعبثا ً البحث عن شجرة التوت التي أحب ولا حبات التمر اللذيذة المذاق . في التاسعة من عمري رحت أستمتع بالتدخين وبالتسكع في شوارع شبه مهجورة ٍ وأدمنت أرتياد دور السينما معتمدا ً على نفسي في بيع السجائر والعلكة لروادها الهاربين مثلي من قسوة الحياة وبطشها.
كاتب من العراق.



#علوان_حسين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا أحد ينظر اليك
- الإنجذاب نحو الغرق
- وجهها ياسمين الزمان
- ارتكاب
- حين تغزوك الطفولة بغتة
- نورسة
- يدك التي تضيء
- إضاءة في شعر أديب كمال الدين
- حزين
- الوردة
- دموع آلاء الطالباني
- الذهب يعتم احيانا ً
- مريم
- لماذا لا نستورد رئيسا ً من دول الجوار ؟
- حق الكرد في تقرير المصير
- لبراليو المدى
- الزهرة تعيش مرتين
- نجوى النجوى
- ريشة العصفور
- الفراشة مرهقة بالحياة


المزيد.....




- الکويت يرفع التمثيل الدبلوماسي مع لبنان
- مدينة كان الفرنسية تستعد لافتتاح مهرجانها السينمائي يوم الثل ...
- الدموع في عينيه.. بوتين يتأثر بمشاهدة فيلم -غير مدرج في القو ...
- أمير الكويت يعلن رفع التمثيل الدبلوماسي مع لبنان
- الرئيس والفيلسوف.. سياسات ماكرون و-دموع- بول ريكور؟
- نخبة من المخرجين وجزء ثانٍ من فيلم توم كروز.. كل ما تود معرف ...
- الروائي أحمد رفيق عوض يشارك في ندوة حول الرواية الفلسطينية ب ...
- كل الأولاد مستنيين يظبطوه”.. تردد قناة ماجد كيدز للأطفال وأح ...
- بعد عرض أفلام الشهر”.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على الن ...
- سوريا تحضر بثقلها الثقافي في معرض الدوحة للكتاب من خلال -سوق ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علوان حسين - الغبي