|
إغراءُ أغادير 5
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5058 - 2016 / 1 / 28 - 06:17
المحور:
الادب والفن
كان مشهوداً، اليوم التالي لوصولنا إلى عروس الجنوب المغربي. العروس، لم تَعُدْ مجازاً حَسْب. إنها من ستكون قرينة خال ابني؛ وهوَ أكثر الأصدقاء قرباً لي في موطن الأطلس. الجمعة، يوم العطلة شعبياً، تتمّ في ليلته غالباً حفلاتُ الأعراس. لم أحضر من قبل عرساً مغربياً، إلا أنني شهدتُ ما يشبهه حينما احتفلنا بمولد ابني الأصغر: فضلاً عن مأدبة العشاء وضيافة الشراب والحلوى، كانت الفرق الموسيقية آنذاك حاضرةً في " المباركة "، علاوة على الزفّة التقليدية لأمّ الولد. العرسُ المغربيّ، يدوم عادةً حتى الصباح. على ذلك، فإننا أفقنا متأخرين نهاراً كي نتمكن من السهر. تركنا العريسَ يغط في نومه، فيما كنا نتهيأ للنزول إلى المدينة. وصلنا في سيارتين، ثم رحنا نتجول عبْرَ الكورنيش إلى نهايته. ثمّة، يقوم حيّ " المارينا " الراقي، المطلّ على الشط بعماراته الرائعة ذات الواجهات المحلية الطراز. تحت أشعة الشمس الساطعة بقوّة، كانت الأسماك تتراقص جذلةً في مرسى اليخوت. حينما عدنا أدراجنا إلى الكورنيش، انقسمنا إلى مجموعتين. فرافق البعضُ الصغارَ إلى البحر كي يسبحوا في مياهه الدافئة، بينما قلّة اختارت تمضية الوقت في أحد المقاهي القريبة من الشط. وكنتُ مع الفئة الأخيرة، التي ما لبثت أن تحلّقتْ حول طاولةٍ تراصفتْ عليها أقداحُ الشاي والقهوة. حاراً كجوّ أغادير، كان لقائي بأصدقاء حميمين قبيل الإنطلاق إلى مكان صالة الأفراح. إنهم أصدقائي القدامى، الذين كانوا يعملون مع العريس في فندق " سوفيتيل الصويرة " وما زالوا يقيمون في الضاحية الجميلة؛ " الغزوة ". ركبتُ معهم مساءً من أمام شقتنا في حيّ " المسيرة "، متأثرين سيارة العريس. فيما موكبٌ من ثلاث سيارات خلفنا، كانت تطلق زماميرها طوال الطريق. أظهرَ الأصدقاءُ روحَهم المراكشية الأصيلة، المعرَّفة بحب البهجة والغناء، لدرجة أنّ ركاب السيارات العابرة كانوا يشاركونهم في ترديد الأهازيج. وهيَ ذي أخيراً صالة الأفراح، التي بدت لي فخمة بواجهتها المهيبة. أمام المدخل، ما عتمَ أن انتظمَ موكبٌ آخر. عندئذٍ كان أفراد فرقة الزفة يحيطون بالعريس وهم بملابسهم التقليدية، الناصعة البياض. كانوا يحملون فوق رؤوسهم ذخائرَ الحلوى، التي سبقَ أن رافقتنا في الحافلة من مدينة مراكش. على الأثر، حضرت أيضاً الفرقة الغنائية كي ترافق الزفة على وقع طبولها ودفوفها وكمنجاتها. الصالة، المكونة من ثلاث قاعات أرضية وواحدة علوية، كانت أشبه بنسخة مصغّرة عن قصرٍ مغربيّ أندلسيّ. في صدر الصالة، كان يرتفع مجلسُ العروسين، المدبَّج بالحرير الأبيض. بحكم كون " أغادير " مدينة محافظة نوعاً، فإنّ النساء تجمّعن في القاعة المحتوية مجلسَ العروسين، فيما الرجال استأثروا القاعة المحاذية. كلّ من القاعتين، في المقابل، كان مقسّماً على عدة ردهات يفصل بينها الأعمدة الرخامية والأقواس الجصّية. فيما جدران القاعات جميعاً مكسوّة بالزليج المغربيّ، المبهر. الفرقة الغنائية، بدأت بتقديم عرضٍ متواصل من الأهازيج الشعبية بالدارجة المغربية. بعضُ الحضور، راحَ يضع مبالغَ من العملة الورقية في ياقات قمصان أعضاء الفرقة. بعد ذلك، غادرت الفرقة المكانَ مشيّعةً العروسين. هذان الأخيران، عادا بعد قليل مرافقَيْن هذه المرة بفرقة الزفة. ظهرت العروسُ في ملبسٍ جديد، زاهٍ. وقد تكرر تغيير أثوابها سبع مرات خلال الحفل، وكلّ منها بلون مختلف. أفراد فرقة الزفة، كانوا يرفعون العروس على محملٍ شبيهٍ بالهودج وهم يقومون بحركات راقصة تمثّل الفلكلور المحليّ. في الأثناء، بدأ مستخدمو الصالة في إعداد الموائد للعشاء. ما أن انتهينا من أكل الدجاج المشويّ، إلا ووضعوا أمامنا طاجين اللحم بالبرقوق المجفف ( الخوخ ). ثمّ حضرت بعدئذٍ الحلوى مع الشاي المنعنع، سبقتهما الفواكه كما هيَ عادتنا أيضاً في المشرق. الفتور، الذي كان سائداً حتى ذلك الوقت بين أهل العروس، ما لبث أن انقلبَ إلى هرجٍ راقصٍ بعدما حضرَ أحد المطربين مع فرقته فقدّم وصلة من الأغاني الأمازيغية.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إغراءُ أغادير 4
-
إغراءُ أغادير 3
-
إغراءُ أغادير 2
-
إغراءُ أغادير
-
سيرَة أُخرى 12
-
الجيفة
-
قصتان
-
سيرَة أُخرى 11
-
سيرَة أُخرى 10
-
ثلاث قصص
-
أثينا
-
سيرَة أُخرى 9
-
المُخلّص
-
سيرَة أُخرى 8
-
مجنون الكنز
-
الحكايات الثلاث
-
سيرَة أُخرى 7
-
أمثولتان
-
مجنونة الجبل
-
سيرَة أُخرى 6
المزيد.....
-
النيابة تطالب بمضاعفة عقوبة الكاتب بوعلام صنصال إلى عشر سنوا
...
-
دعوات من فنانين عرب لأمن قطر واستقرار المنطقة
-
-الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال
...
-
ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل
...
-
صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13
-
لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟
...
-
ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة
...
-
مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت
...
-
التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
-
يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات
...
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|