أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صباح محسن جاسم - الصحافة الإستقصائية – وقانون المعلوماتية















المزيد.....


الصحافة الإستقصائية – وقانون المعلوماتية


صباح محسن جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5006 - 2015 / 12 / 7 - 04:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


" الآن مطروح امام مجلس البرلمان قانون جرائم المعلوماتية ولو صودق يعني لا يمكن ان يقوم العمل الاستقصائي اذ سيصبح الصحفي مكشوفاً مهدداً برزقه وحياته ومستقبله المهني، لهذا نحن مطالبون كأدباء وصحفيين وكتّاب ومثقفين أن نرفع اصواتنا لإعادة صياغة- وليس الرفض المطلق –الكثير من فقراته بحيث يصبح ليس قانون جرائم المعلومات وانما قانون المعلومات فقط عبر تنظيم عمل المعلومات الجديدة بأطر قانونية، ذلك لأن المعلومات حق وليس جريمة ".
* * *
احتفى الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين في الثالث عشر من حزيران 2015 ، من على قاعة الجواهري، بالذكرى 146 لصدور أول عدد من صحيفة – الزوراء - في العراق عام 1869، مستقبلا بترحيب عالٍ الأستاذ الأعلامي محمد جاسم فلحي الموسوي، معاون عميد كلية الأعلام – جامعة بغداد، ، ضمن اصبوحته الثقافية ومحاضرة حول – الصحافة الاستقصائية - .
قدم للجلسة مديرها الإعلامي والشاعر ابراهيم الخياط مهنئا الأسرة الصحفية العراقية وعارضا بإيجاز السيرة الذاتية الغنية للدكتور محمد الفلحي*، الكاتب والأديب والصحفي الأكاديمي .. مستبقا مادة العرض بتساؤلات تركزت على :
- المقصود بالصحافة الاستقصائية
- الكيفية التي تكتب فيها التحقيقات الصحفية الاستقصائية
- العناصر الرئيسة للصحافة الاستقصائية
- الملاحظات التي ينبغي على الصحفي اخذها بنظر الاعتبار عند اعداده للتحقيق الاستقصائي
- مدى توفر هذا الفن الصحفي في صحافتنا
- التكاليف الباهظة لمثل هكذا تحقيقات
- هل هي ناتجة عن عمل فردي ام شروطية تحول اجتماعي
- ايهما اكثر ملائمة لهذا النوع من التحقيقات ، الصحفيون ام الصحفيات
تلكم الأستفسارات واخرى وضعها مقدم الجلسة امام المحاضر الدكتور الذي سبق وان شارك في ثلاث ورش تدريبية دولية عن الصحافة الإستقصائية وهو لما يزل- على حد قوله - يتوق للأستزادة من طرائقها الحديثة والجديدة.
مصطلح الصحافة الأستقصائية عمره نصف قرن وهو يعني ( سبر أغوار الظواهر) أي دراسة العمق. وتتجلى اهميتها في :
1. انها جزء من العمل الرقابي
2. تكشف الفساد والجرائم
3. أداة للوصول الى الحقيقة
4. تمثل صحافة المستقبل
من اهم نماذج التحقيقات الإستقصائية:
- تحقيق صحافي أجراه الصحفي ( احسان عبد القدوس) عام 1949 كشف او فجر فضيحة الأسلحة الفاسدة للجيش المصري الذي شارك في معركة عام 1948 فعجّل في اندلاع ثورة يوليو عام 1952.
- التحقيق الصحافي الذي أجراه الصحفي ( بوب وود ورد) الذي اخرج الرئيس الأمريكي نيكسون من البيت الأبيض بعد ان كشف تورطه في ما يعرف بفضيحة ووتركيت.
- وعقب الغزو الأميركي للعراق فقد اثيرت قضية تعذيب السجناء العراقيين بسجن ابو غريب عام 2005 " عندما بثت قناة A.B.C. الاميركية اساليب التعذيب لمعتقلين عراقيين بعد ان حصلت الشبكة على لقطات متعددة من الصور كشفت عن اساليب التعذيب للمعتقلين العراقيين ... والتي أثارت ضجة مدوية في العالم ووضعت ادارة الرئيس بوش في مأزق لا تحسد عليه" .**
هناك العديد من الأمثلة التي ساهمت التحقيقات الأستقصائية في زج العديد من كبار رجال الأعمال الفاسدين والسياسيين المقربين من الحكومة الى السجون والأستقالة بعد الكشف عن تورّطهم وتقاضيهم الرشى في صفقات تجارية ابرمت مع الحكومة.
الصحافي الأستقصائي يحرك هدفا ذاتيا ينحو الى الرغبة في اصلاح العالم. فاذا كانت الصحافة التقليدية تركز على العناصر الأربعة المعروفة ( مَنْ وماذا واين ومتى) فان العنصر الخامس يحوّل " لماذا" الى " كيف" كما لا يتم تطوير العناصر الأخرى كميّا فحسب بل ونوعيا ايضا. هي صحافة الخدمة في جعل حياة الناس افضل لا مجرد منتجا اعلاميا. قوامها التوثيق " باتباع اسلوب تدريجي لكشف المستور خدمة للمنفعة العامة" حيث ينحاز الصحفي الأستقصائي ألى الحقيقة لا غير.

* صدر له اربعة كتب في الإعلام والأدب:
- صناعة العقل في عصر الشاشة 2002- النشر الألكتروني 2006- اتجاهات اعلامية معاصرة 2007- طريق الفردوس/ رحلة في ارض السواد 2007
- تجدر الأشارة الى انه في عام 2011 تم تأسيس شبكة الصحافة الأستقصائية العراقية – نيريج – حيث عملت على توفير الدعم المالي والأستشاري للصحفيين المهتمين لتسهيل انجازاتهم بالأستناد الى " البحث عن الحقائق الموثّقة والمدعومة بالمصادر المتعددة" . موقع الشبكة http://www.nirij.org

لخص الدكتور الفلحي مفهوم الصحافة الأستقصائية ودورها في المجتمع الديمقراطي مقاربا العمل الأستقصائي بالتحقيق الجنائي الذي يقوم به المختصون في قانون الجرائم . هذا وقد ركّزت المحاضرة على :
أولاً: دور الصحافة في المجتمع الديمقراطى
وعلى هذا ينبغي توضيح العلاقة بين الصحافة والديمقراطية في الوقوف على خمسة أدوار للصحافة تؤثر من خلالها على الحياة السياسية والديمقراطية بشكل عام، وضعها الباحثون باستخدام تشبيهات واستعارات مبنية على أساس العلاقة بين الإنسان والكلب ولتوضيح هذه الأدوار والوظائف نتابع :
1- وظيفة المراقبة watchdog:
وتعد هذه الوظيفة امتداداً لمفهوم السلطة الرابعة Fourth estate، أي أن الصحافة تسعى لأن تكون رقيباً على كل ما يدور في المجتمع من مدخلات ومخرجات، بما في ذلك مراقبة المؤسسات الاجتماعية والسياسية النافذة في المجتمع، وهنا يوصف دور الصحافة بأنه مثل دور الحارس اليقظ الذي يعمل كحارس ورقيب ضد إساءات استخدام السلطة الرسمية، وكمراقب لمصالح المجتمع وحمايته من الفساد والانحراف، فالصحافة تعمل كرقيب للسلطة من خلال مراقبة المؤسسات والقضايا والأحداث والآراء، وتسليط الضوء على بعضها، وتقويم أداء الحكومة، وترويج مبدأ الحق في المعرفة، وحماية المجتمع من تسلط النظام السياسي، وهذا الدور الواقي يتم بشكل أفضل بواسطة صحافة مستقلة تحكمها اهتماماتها ومعاييرها الخاصة.
2- وظيفة الحراسة Guard dog:
وتعني هذه الوظيفة أن الصحافة تقوم بحراسة المؤسسات النافذة في المجتمع، وتكون أشد الحرص على متابعة العناصر الطفيلية التي تدخل إلى المجتمع وتعكر صفوه ونقاء العلاقة القائمة. الصحافة الأستقصائية تمثل الرقيب على السلوك الحكومي.
3- وظيفة المرشد Guide dog:
وتعني هذه الوظيفة أن الصحافة تقوم بدور المرشد أو الدليل الذي يمد المواطنين بمجموعة من المعلومات عن السياسات، وصانعي السياسة، والتي يحتاجونها لصنع القرارات، ولتقييم قادتهم.
4-وظيفة الأليف lapdog:
أو الناقل وتعني هذه الوظيفة أن الصحافة ترتمي في حضن المؤسسات الاجتماعية والسياسية دون أن تكون أداة مستقلة، ودون إبداء أي مساءلة للسلطة، ودون الالتفات إلى الآراء والاتجاهات الأخرى في المجتمع، خاصة التي لا تتفق مع مصالح المؤسسات النافذة في المجتمع، فهي تكون بمثابة أداة ناقلة لما يريد النظام السياسي أن تعرفه الجماهير، وبالطريقة التي يريدونها بدون توجيه أية انتقادات للمؤسسات القائمة.
5- وظيفة القائد lead dog :
وتعني هذه الوظيفة أن الصحافة تقوم بدور وضع الأجندة Agenda setting للقضايا المطروحة على الساحة السياسية، حيث تعمل الصحافة كمصفاة لهذه الحلول وترتيبها حسب الأولويات والأهمية قبل تقديمها للجمهور، كما تحث السياسيين على متابعة هذه القضايا نظراً لأهميتها في سياق الشأن العام، وبذلك تلعب دور الكلب القائد في الطريقة المحددة لإعطاء تغطية أكبر لأحد القضايا أكثر من الأنواع الأخرى.
وقبل اي شيء ينبغي على الصحفي الأستقصائي أن يتحلى بمواصفات فاعلة كالأستعداد البدني والذهني والعقلية المتفتحة فهو اشبه بالمقاتل الفدائي تتمثل فيه الجرأة والشجاعة والحزم. فمثل هذا النوع من الصحافة لا يمكن لأي صحفي من القيام به.
- في ظل المجتمع الديمقراطي يمكن الوصول الى المعلومة عبر مصادرها المتنوعة الوفيرة بسبب جو الأنفتاح والحرية حيث المعلومات مثل الطوفان بخاصة عبر شبكة الأنترنيت.
- الوثائق الرسمية المفتوحة وفقا لقانون حرية المعلومات. طبيعي ليس عبر سرقة الوثائق او اختلاسها فذلك سيضعنا تحت طائلة القانون مثل ما يحصل من تجاوزات ودعاوى تثار في المحاكم كأن يتصرف صحفي ما برعونة وتسرع فيورط نفسه في نقل معلومة غير مؤكدة ، فالقانون يحمي حرية وحقوق الأشخاص وخصوصيتهم. مما ينبغي الحصول على الوثائق قانونيا.
بعض الصحفيين المتحمسين المندفعين يرون أن الحصول على الوثيقة حق مشروع ممكن الوصول اليه بأي طريقة من اجل الحقيقة ذلك لأن الهدف النهائي منها هو كشف الحقيقة.
وسائل الحصول على المعلومات:
خاصة السرية منها صار متوفرا من على الشبكة العنكبوتية – الفيسبوك مثلا – يفترض ان تكون الوثيقة مباحة. مثلا تم نشر وثيقة عن الرولتب- كتاب رسمي موقع من مجلس الوزراء او من البرلمان العراقي – كقضية الرواتب كمثال ، كتاب مذكور عليه " سري" ينشر في اليوم التالي يقول ان الدولة ستجعل رواتب الموظفين كل اريعين يوما بدلا من الثلاثين يوما. لم يطبّق وتم نفيه تماما!
هناك مصادر اخرى بشرية لمصدر المعلومة الأساسي كأن يكون احد كبار المسؤولين ممن طاله حيف ما أو لديه طموح الوصول الى منصب معين وقد يستخدمها للترويج لنفسه وتسويقها او لحزبه كما لا يعطي المعلومة التي تضرّه– هنا ينبغي التعامل مع المعلومة بحذر – ومقارنة الوثائق بمصادر اخرى في الأنترنيت والتأكد من واقع وحال المعلومة.
مصادر المعارضة : في المجتمع الديمقراطي هناك من يعمل خارج السلطة وما يسمونهم بالمعارضة . غالبا ما يعطون الجانب غير البراق – المخفي من المشهد -.
موظفو الحكومة الناقمين على الحكومة: بعض الموظفين من غير المقتنعين بالوضع الذي هو فيه كأن يكون قد تعرض الى مساءلة او وقع عليه ضرر ما يمكن ان يكون كنزا للمعلومات.
المصادر المتطوعة: في المجتمع الديمقراطي هناك من المواطنين من يتطوّع لتقديم المعلومة ، كأن يكون بتأثير من تربيته أو ما يفرضه عليه دينه– وهنا ايضا ينبغي التعامل مع معلومته بحذر خدمة للحقيقة.
الوثائق غير المنشورة : كالمكتبات الخاصة والتقارير الأحصائية والمعلومات التي تأتي من مصادر الميديا الأجنبية.
واخيرا مصدر الأنترنيت وما يوفره من كم للمعلومات وما على الصحفي الأستقصائي سوى ان يستخلص المفيد. اذ يجب ان يكون هدف الصحفي الأستقصائي هو قول الحقيقة بمهنية عالية. واذا ما استطاع الصحفي الأستقصائي تحييد نفسه بنسبة 80% بعيدا عن المؤثرات والأنحياز الشخصي بما يقترب او يتعاشق مع المهنية ، لهو امر جيد.
ثانياً: مفهوم الصحافة الاستقصائية:
يعرف رئيس المركز الدولى للصحفيين "ديفيد نابل"، الصحافة الاستقصائية أنها "مجرد سلوك منهجى ومؤسساتى صرف، يعتمد على البحث والتدقيق والاستقصاء حرصا على الموضوعيـة والدقة وللتأكد من صحة الخبر وما قد يخفيه انطلاقا من مبدأ الشفافية ومحاربـة الفساد، والتزاما بدور الصحافة ككلب حراسة على السلوك الحكومى، وكوسيلة لمساءلة المسئولين ومحاسبتهم على أعمالهم خدمة للمصلحة العامة، ووفقا لمبادئ قوانين حـق الاطلاع وحرية المعلومات".
ويوضح "ديفيد نابل" أن مفهوم الصحافة الاستقصائية انطلق منذ الستينات مع الرئيس،"تيودور روزفلت" وفريق المنظفين أصحاب الحملة ضد الفساد والرشوة، وأصبح اليوم عملا مؤسسيا، له أصوله ومبادئه يساهم فى تغيير الأوضاع، وهو عمل بحثى كالذي يتطلب أي تحقيق صحفى لكن فى العمق، حتى يسهله .
ووفقا لرأى رئيس قسم الصحافة الاستقصائية في صحيفة، لوس أنجلوس تايمز، "ألان ميللر" الصحافة الاستقصائية تفرضها وفرة الأخبار والمعلومات، وملايين الوثائق الرسمية المفتوحة وفقا لقانون حرية المعلومات، كما يسهلها تعدد وسائل الحصول على المعلومات السرية من مصادر مختلفة تشمل: كبار المسئولين، مصادر المعارضة، موظفى الحكومة الناقمين عليها، الموظفين السابقين، الخبراء الأكاديميين والباحثين، المصادر المتطوعة، والوثائق غير المنشورة، والمكتبات الخاصة، والتقارير الإحصائية، والمعلومات من بلاد أجنبية .
ويرى الصحفي الإنجليزي نيك جوردون أن التحقيق الاستقصائي الجيد هو الذى يفرض عناوين الصحف الأخرى صباح اليوم التالى.
الصحافة الاستقصائية تشمل كشف أمور خفية للجمهور ،أمور إما أخفاها عمداً شخص ذو منصب فى السلطة أو اختفت صدفة خلف ركام فوضوي من الحقائق والظروف التي أصبح من الصعب فهمها , وتتطلب استخدام مصادر معلومات ووثائق سرية وعلنية , وهى الصحافة القائمة على توثيق المعلومات والحقائق باتباع أسلوب منهجي وموضوعي بهدف كشف المستور وإحداث تغيير للمنفعة العامة. فالصحافة هنا اشبه بكلب حراسة بوليسي، هي منذر ومنبه تقوم بالرصد والمتابعة والتحذير من الظواهر السلوكية المخالفة للقوانين والأعراف وأمن المجتمع.
ثالثاً: نشأة وتطور الصحافة الاستقصائية:
ظهرت الصحافة الاستقصائية مع بداية تطور مفهوم ودور الصحافة في المجتمع واتجاهها في الإبراز والتركيز والتحرى عن قضايا معينة تحدث في المجتمع، خاصة جوانب الانحراف والفساد ونتيجة لذلك ظهر لون جديد من التغطية الصحفية سمى بالصحافة الاستقصائية Investigative Journalism وسمى محررو هذا اللون بـ المنقبين عن الفساد.
وقد أطُلق هذا الاسم على مجموعة الصحفيين الذين قادوا حملات صحيفة مهمة ضد الفساد خاصة عام 1901، حين أدى التوسع الصناعي السريع بعد الحرب الأهلية إلى الكثير من أنواع الظلم وكانت الاحتكارات موضع قلق عام، ورأى فيها بعض المراقبين تحالفا غير سديد بين التجارة والسياسة.
واعتمد هؤلاء الصحفيين الملقبين بالمنقبين عن الفساد فى حركتهم الصحفية على نشر التحقيقات الصحفية الكاشفة المبنية على وثائق رسمية وخاضعة لمراقبة الخبراء، وبرزت حركة المنقبين عن الفساد كقوة مهمة عام 1906، ثم بلغت قمة النجاح عام 1911 ، ثم تبددت عام 1912 حيث بدأ الجمهور يبتعد عنها، وكذلك تعرضت الصحف لكثرة الضغوط المالية، مما أدى إلى اختفاء هذا اللون من الصحافة. ولكن يرجع إلى هذا النوع من الصحافة الفضل فى العديد من الإصلاحات التى تمت فى المجتمع الغربى، ومع مطلع السبعينيات من القرن العشرين بدأت الصحف الأمريكية بشكل متزايد في تشجيع المحررين ذوى الخبرة على التحرر من القصص الروتينية حتى يستطيعوا معالجة القضايا والموضوعات ذات المغذى التى تتطلب وقتا أكثر وخبرة، حيث لعب المراسلون أدوارا حاسمة في كشف ما يُعرف فيما بعد بأخطر فضيحة في فترة ما بعد الحرب الثانية حيث تابع الصحفيون في واشنطن قرائن خلفتها سرقة في مبنى للمكاتب في "ووترجيت" وواصلوا تحرياتهم إلى أن أوصلتهم تحرياتهم إلى البيت الأبيض، وقد دفعت التقارير الإخبارية الخاصة بالسرقة، الكونجرس الأمريكي إلى بدء تحقيقات أدت في نهاية الأمر إلى استقالة الرئيس الأمريكي ،"ريتشارد نيكسون " من منصبه بعد إدانته هو وكبار معاوينه عام1974، وأشهر المحررين الذين قاموا بالتغطية الاستقصائية، كلا من Bbwood ,Ward Cary Bernstein , بجريدة الـ Washington Post.
وقد انتشرت الصحافة الاستقصائية فى الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة السبعينات من القرن العشرين لأسباب متعددة منها: الدعم المالي الذى حصلت عليه الصحافة في أوائل السبعينات، إذا كان التخطيط لذلك قد بدأ منذ عام 1968 بشكل غير منتظم، وأصبح هناك منظمة أو صندوق مستقل هو Fund Of Investigative Journalism، تموله المؤسسات والأفراد، وقد نجح هذا الصندوق في تمويل أكثر من 60 مشروع تغطية استقصائية خلال الفترة من سبتمبر عام 1971 وحتى سبتمبر 1973، كشفت عن أوجه نشاط قابلة للمناقشة تتصل بالأوضاع المريبة فى النشاط الاقتصادى والحياة السياسية، وعن فساد الحكومة.
وفى عام 1976 تأسس اتحاد المندوبين والمحررين الاستقصائيين " IRE" Investigative Reporters & Editors كجماعة صحفية لا تهدف إلى الربح، وذلك على يد مجموعة من المحررين الاستقصائيين بهدف تشجيع الصحافة الاستقصائية وتنميتها, وخطط لتطوير مركز للموارد يضع خدمات ونشرة إخبارية عن الموضوعات الاستقصائية إلى جانب دليل للخبراء وبعض الخدمات الأخرى, ومع نهاية عام 1976 شكلت الجماعة فريق عمل صحفي بقيادة محرر جريدة Newsday الشهير Robert Green لإجراء تغطية استقصائية عن الجرائم التى أدت إلى اغتيالBallston محرر جريدة Arizona Republic الذى كان يقوم باستقصاء نشاط الجريمة المنظمة في ولايته, أريزونا، حيث وضعت قنبلة في سيارته، ومنذ ذلك الوقت يتعرض الصحفيون المنقبون عن الفساد للخطر من أجل تعزيز الشفافية والحكم المسئول والتصرف المشترك والحد من الفساد، وقد اغتيل ثمانية وستون صحفيا عام 2001ويرجع سبب اغتيال خمسة عشر صحفيا منهم إلى أعمال استقصاء عن قضايا الفساد وهذا رقم ينذر بالخطر.
وتستخدم الصحافة الاستقصائية الآن بشكل واسع في مجالات كشف الفساد في المجتمع وتقديم الرؤية الاستقصائية الشاملة التى لا تستطيع أن تقدمها وسائل الإعلام الأخرى، وقد صاحب هذا نموا متزايدا فى توظيف الحاسبات الإليكترونية لأغراض تصنيف المعلومات والبيانات الكثيرة التى يحصل عليها المحررون الاستقصائيون ، وتحليلها بشكل يساعدهم على الوصول إلى خلاصات كمية دقيقة وقد ساعد على ذلك انتشار استخدام المؤسسات الحكومية والمؤسسات الخاصة للمحاسبات الإليكترونية فى تخزين المعلومات وتصنيفها واسترجاعها مما أتاح إمكانية الحصول عليها بنفقات قليلة أو بدون نفقات على الإطلاق.
ورغم النجاح الذى حققته الصحافة الاستقصائية خلال السنوات السابقة فى الولايات المتحدة الأمريكية وتفجيرها لأخطر فضيحة أمريكية "ووترجيت" إلا أن الوضع قد تغير بعد انقضاء ثلاثة عقود على هذا الإنجاز، فلم تعد الصحافة الاستقصائية النجم الأكثر تألقا فى أمريكا، ففى الوقت الذى ظلت فيه الصحافة تفخر بما قامت به خلال سنوات ما بعد ووتركيت، بدأت تنتشر موجة من التشاؤم حول الأوضاع الصحفية فى الولايات المتحدة الأمريكية، نظرا للتوسع فى تركيز وسائل الإعلام فى عدد قليل من الشركات الضخمة، والاتجاه إلى إدخال الإثارة فى التغطية الإخبارية مما استنزف النشاط الذى تتطلبه عمليات الاستقصاء فى الميدان الصحفى، بجانب ضغوط إدارة الأعمال التى تعوق القيام بنشاطات صحيفة استقصائية. فمثل هذه النشاطات تتطلب تخصيص أوقات طويلة وموارد بشرية ومالية كبيرة، كما أن احتمال تسبب التقارير الصحفية فى دعاوى قضائية مكلفة يقلق المؤسسات الصحفية فى دعم حملات الاستقصاء ,ولكن هذه العوامل لم تؤثر على عدد التقارير الاستقصائية التى تم نشرها خلال العامين الماضيين فى الولايات المتحدة الأمريكية، فقد نشرت صحف المدن الرئيسية تقارير كشفت عن حالات فساد، وظلم، وسوء إدارة.
في ختام المحاضرة وقبل المداخلات تم تقديم لوح الجواهري للأستاذ المحاضر الذي علّق " سيكون هذا من بين مقتنيات كلية الإعلام وليس من مقتنياتي الشخصية ". من ثم قطع كيكة الأحتفاء بعدها فتح باب المداخلات:
الأستاذ الإعلامي حسين الجاف ، اثار ثلاث نقاط : التأكيد على ضرورة فتح دورات قصيرة ومكثفة حول مفهوم التحقيق الصحفي الأستقصائي بالتعاون مهنيا مع الأتحاد العام للأدباء والكتاب. ثانيا: جاء على ذكر الدور الخطير للصحافة بشأن السيرة الذاتية للأشخاص المعروفين والتشهير بهم وكيف تؤثر على تشويه سمعة الشخص كما حصل مع مرشّح حزب العمل البريطاني – ريف كروك- الوسيم عام 1996 حين اضطر الى الأنزواء ومغادرة مهنته الوظيفية.
ثالثا: تساءل فيما لو تشتمل حماية الصحفي الأستقصائي على حرية قيامه بنشر مواضيعه وتحقيقاته في غير الجريدة التي يعمل فيها والتي تلزمه عدم النشر عدا الجريدة التي يعمل فيها.
الأستاذ فاضل ثامر، بعد ان اثنى شاكرا مدير الندوة الشاعر والإعلامي ابراهيم الخياط كونه صاحب فكرة اللقاء وانتقاله من مجاله الشعري الى الإعلامي وبقوة وفوزه لدورتين في العمود الصحفي. ركز من بين اسئلة عديدة على:
التهديدات القانونية التي يتعرض اليها الصحفي دون ضمانات حمايته بخاصة اثر خوضه في تقصي حالات الفساد ونشر بعض الوثائق الساندة لما يطرحه من ادلة ونقاط مهمة ، وفي الحدود الدنيا كأن يتضمن تحقيقه او مقالته نشر وثيقة تتعلق بترقيته او ترفيعه كونه موظفا لدى احدى دوائر الدولة، فيؤاخذ على ذلك وربما يضعه امام مخاطر لا يحمد عقباها. او اذا ما شاء واشتغل على تحقيق استقصائي يتعلق بظاهرة الفساد المستشري مثل منشآت تابعة الى الدولة تتحول ملكيتها فجأة إلى بعض المسؤولين السياسيين بطريقة غير شرعية او منطقة الحزام الأخضر التي تتحول اجزاء من مساحاتها الى – مولات - واملاك خاصة، ترى من اعطاهم هذا الحق؟!
ومثل ذلك اذا ما عمل الصحفي الاستقصائي لفتح ملفات اسباب سقوط الموصل والرمادي قد يعرضه الى الخطر الشديد وربما القتل. هذه وسواها من المحددات للأسف تدفع الكثيرين من الصحفيين لمجرد أن يكون تابعا لا يمتلك الجرأة والشجاعة في قول الحقيقة. على الأقل ينبغي الحصول على حماية قانونية للصحفي حاله كحال ممثل لجنة النزاهة في حصوله على موافقات مبدأية كي لا تعرضه الى المقاضاة في حال وصوله إلى اهداف معينة.
المتداخل القانوني طارق حرب يرى ان قابلية التصديق هي ما تتوفر في الصحافة الاستقصائية كما ان الاستقصاء هو اضافة على الخبر والوصول بالأمر إلى أبعد مداه فالخبر بالاستقصاء يغدو مكسوا.
السيد خضير الموسوي- طالب ماجستير اعلام اكد على اهمية انتماء الصحفي الاستقصائي الى عموم مجتمعه اضافة الى توفر المصداقية في هذا اللون من العمل مضيفا الى اهمية الدربة والخبرة التي تعزز من عمل الصحفي الاستقصائي. من ثم اشار الى توفر الصحافة الاستقصائية في بلد كالأردن في حين غيابها في بلد مثل لبنان. فهل اذا ما توافرت هذه العناصر في العراق ستحقق وجود صحافة استقصائية؟
الاستاذ جمال غانم- جيولوجي من الموصل اضاف ان ما ذكر بشأن سجن ابي غريب لا يُعد موضوع استقصائي سيما وما جرى قد تزامن مع سجن بوكا ايضا، بل هو تأسيس مخابراتي. بخاصة ما انتشر في حينه في اسواق الباب الشرقي من اقراص وافلام فديو اباحية مدبلجة لمواطنات على اساس عراقيات وهو امر قد تمت فبركته لاعتبارات التأسيس لما عرف لاحقا بالمقاومة ومثل ذلك ينطبق على سقوط مدينة الموصل التي كما يراها المتداخل ان 50% من اسباب سقوطها عائد الى تصرفات لمافيات ضمن الجيش او لضباط مرتبطين بجهات مشكوك في امانتهم، لإثارة الناس والتلاعب بعواطفهم عبر فبركة اعلامية ولم تكن لها علاقة بالصحافة الاستقصائية.
ختام المداخلات، عقب الأستاذ الشاعر والأديب الفرد سمعان قائلا :" لدي ملاحظة صغيرة، اعرف ان الصحفي ينبغي أن يحترم وتصان حقوقه ويؤدي واجباته لكن عليه ايضا أن يحترم نفسه ولا يتعدى على الآخرين ولا يقوم بأعمال تنافي القانون فالقانون هو سيد المجتمع."
هذا وقد جرت مناقشة الآراء ووجهات النظر من قبل الأستاذ المحاضر الذي شكر المتداخلين كما افاد معلقا :

" الآن مطروح امام مجلس البرلمان قانون جرائم المعلوماتية ولو صودق يعني لا يمكن ان يقوم العمل الاستقصائي اذ سيصبح الصحفي مكشوفاً مهدداً برزقه وحياته ومستقبله المهني، لهذا نحن مطالبون كأدباء وصحفيين وكتّاب ومثقفين أن نرفع اصواتنا لإعادة صياغة- وليس الرفض المطلق –الكثير من فقراته بحيث يصبح ليس قانون جرائم المعلومات وانما قانون المعلومات فقط عبر تنظيم عمل المعلومات الجديدة بأطر قانونية، ذلك لأن المعلومات حق وليس جريمة ".

وعلى هامش المداخلات سألنا الدكتور المحاضر : هل من قانون يضمن حرية الصحفي والصحافة في التعبير عن الرأي والوصول الى المعلومة دون الميل الى تقييده وسياسة تكميم الأفواه التي يجرى الى الزامها بقانون لا يتوافق وتعميق السلوك الديمقراطي اسوة بما يجري في بلدان العالم المتقدمة وعلى اعتبار ان العراق ليس حديث عهد بممارسة مهنة الصحافة، اوليس الحراك بات ضروريا ؟
أجاب الأستاذ المحاضر مشكورا:
" اتفق معك ان التغيير لا يحصل الا بالحركة نحو الافضل وخلق الظروف المناسبة للعمل الاعلامي المهني بدون تحيز او تشويه، فالصحافة الاستقصائية لا تزدهر الا في اجواء الحرية الحقيقية ومن ثم فان تشريع قوانين تضمن حق الحصول على المعلومات سوف يسهّل العمل الصحفي الاستقصائي ".



#صباح_محسن_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَنْ أسرَّ إلى الرغيف ؟...
- - سأسأة- الشبيب وميديا السرد
- بَصْمَة
- آخذُنا إليه
- الخطوةُ الأخرى - استكناهٌ للغربة وتثويرٌ للسرد المضاد
- همسني - هوهوبا- ثم اختفى
- -عربةُ يالطا -.. تقانةُ صورِ المخْيالِ صوبَ تخومِ الشِعْرية
- شيّ الطين في -شياطين- غالب الشابندر ، منحى للأرتقاء
- هداياك في مزاد
- -وديعة إبرام- للروائي طه حامد الشبيب ، جوابٌ على ما ضُيّعَ د ...
- بي كادُد ..القرنفلة السوداء ، مائة عام وإصرار على الغناء
- دون رجْع
- المربد الشعري في دورته السادسة .. لما يزل حنجرة الديك
- مرام المصري في كرزة حمراء على بلاطة بيضاء
- كفاح الأمين يدعو لما بعد زمن الكتابة !
- هل من تساؤل ٍ للبرق ؟
- الصحافة العراقية .. إعادة اكتشاف أبي القاسم الطنبوري
- لذاذة
- يا ليَ من ’ توم ‘.. يا ’جيري‘ !
- كثيرة هي التنهدات غير المجدية


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صباح محسن جاسم - الصحافة الإستقصائية – وقانون المعلوماتية