|
رِسالَةٌ مُبَطّنَةٌ
ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)
الحوار المتمدن-العدد: 4994 - 2015 / 11 / 23 - 08:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خرجت مجموعة من المتظاهرين في بغداد يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر تشرين الثاني 2015 ، بعد إعلام الجهات المسؤولة كون تظاهرتهم سلمية وتكون أمام بناية مجلس النواب وغرضها تقديم ورقة تتضمن المطالب التي نادت بها الجماهير في أيام الجمعة ، طوال الأشهر الثلاث الماضية . وبعكس المفروض من القوى الأمنية بتوفير الحماية للمتظاهرين ، جابهتهم بالعنف والسباب والشتم والإعتداء عليهم ضرباً وإعتقال بعضهم ونقلهم إلى مواقع أخرى معصوبي الأعين ، وهناك قامت شلة أخرى بالإعتداء عليهم ضرباً طالبة منهم التوقيع على تعهدات بعدم المشاركة في أية تظاهرات في المستقبل ، مقابل إطلاق سراحهم .
مظهر تعوّد عليه ، طوال فترة الحكم الذي سُمّي بالوطني ، أي بعد تشكيل الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي ، كل مَن إنخرط في العمل السياسي أو كان ذا صلة به من حيث القرابة أو الجيرة في السكن أو العمل ، ويتذكر أسلوب مجابهة القوى الأمنية لأبناء الشعب ، عند مطالبتهم بحقوقهم . العنف والإعتقال والتعذيب والسجون والإعدامات كانت كلها ممارسات لإدامة حكم الأنظمة الفاسدة ، فهل كانت الممارسة التي حدثت في ذلك اليوم مفاجأة لأحد في عراق ما بعد 2003 ؟ من المفروض أن تكون الإجابة بالنفي . فإن كان رجالات النظام الذي تأسس بعد 2003 ينادون بالديمقراطية وتملأ وسائل إعلامهم الفضاءات صراخاً بإسمها ، هم ليسوا بأي حال من نوع السياسيين الذي يعرفون كنه الديمقراطية . فالزنبور بأي حال لا يصنع عسلاً !!
لننظر إلى الحدث ، مستعرضين المسرح الذي وقع فيه : متظاهرون .. قوات أمنية .. رئيس مجلس الوزراء يُصدر ، بعد الحادث ، أمراً بتشكيل " لجنة تحقيقية " تحقق في الموضوع وترفع تقريرها !!
علينا أن نلاحظ أن القوات الأمنية إعتدت على عراقيين متظاهرين سلمياً ، والقائد العام للقوات المسلّحة لم يعرف بذلك إلاّ فيما بعد ، وإن إصداره الأمر بتشكيل اللجنة التحقيقية جاء بغرض التدارك ، و ها نحن إزاء خمسة أو ستة أيام على الحدث ولم نسمع بأي شيء من نتائج أعمال تلك اللجنة . وأظن ، ولو أن بعض الظن إثمٌ ، فإن اللجنة ، بذاتها ، أيضاً فضائية ، وستستغرق أشهراً دون أن تصدر تقريراً كمثل تقرير لجنة حاكم الزاملي التحقيقية في أسباب سقوط الموصل ، وهذه اللجنة ، حتى وإن أصدرت تقريراً فلن يكون مصيره أفضل من مصير تقرير سقوط الموصل .
ولكن ليس علينا أن نكتفي بإستعراض المسرح الذي وقع فيه الحدث ، بل علينا أن نبحث ما بين السطور ، ونفهم الرسالة المدوّنة فيها ، والجهة التي وُجّهت إليها والغرض المبَطّن فيها . الرسالة ما بين السطور لم تكن موجّهة إلى المتظاهرين ، فهم قد خبِروا هذه الأساليب في التعامل مع القوات الأمنية ولأكثرهم باع طويل في التعامل معها ، بل قد ترى بعضهم قد نجا بأعجوبة من أعمال التعذيب في زمن أنظمة الحكم السابقة . من هنا نفهم أن تلك الرسالة المبطنة هي رسالة صريحة وممارسة عملية ، تشبه وسيلة الإيضاح التي يستعين بها معلّم الأطفال لإيصال فكرة معينة إلى تلاميذه بسهولة . رسالة موجّهة إلى العبادي تقول له " ها نحن هنا ... بإمكاننا تحريك قوات أمنية بدون حاجة لأمر منك ، رغم أنك تسمّى القائد العام للقوات المسلحة ، وبمقدورنا أن نضرب بهذه القوات ، التي تأتمر بأمرنا ، هؤلاء الذين خرجوا للتظاهر ، مساندين لك ومتأملين منك الإستجابة لمطالبهم وتحقيق الإصلاحات التي تجرّأت وأعلنت عنها ثم أصدرت أوامر عن إجراءات دون أن ترجع إلينا . " رسالة واضحة وصريحة إلى العبادي تُحذّره من التمادي في المناداة بالإصلاحات . وهي رسالة ، أيضاً ، و بصورة غير مباشرة إلى المرجعية الدينية العليا في النجف مفادها أننا عاقبنا المتظاهرين الذين تمسكوا بحبلكم ولكنكم كنتم أعجز من أن تمنعونا من فعل ذلك ، وليست لديكم القدرة على إيقافنا بفتاواكم .
سبق وأن نبهنا مراراً إلى أن أعداء الإصلاح هم الفاسدون الذين غنموا المليارات من نهب المال العام ، وتسببوا في ضياع ثلث مساحة أرض العراق وتهجير الملايين من أهله عن ديارهم ، وما تعرّض إليه آلاف من أبنائه إلى القتل على الهوية ، وضياع المليارات من الدولارات من ميزانيته ، هؤلاء الفاسدون مجرمون لا يرعوون عن الإتيان بأية جريمة ليبعدوا عن أنفسهم يوم الحساب القصاص الذي ينتظرهم ، إن سارت عملية الإصلاح في طريقها السليم . نبهنا مراراً أن مافيات الفساد قد بنت لنفسها حصوناً وقوات تحتمي بها وتهاجم بواسطتها لسحق كل قوة يمكن أن تتجرّأ وتهددها .
لم تكن تنبيهاتنا المتكررة من باب التشاؤم أو الإستسلام ، بل موجّهة لجميع مَن يهمهم الأمر لوضع جميع الأثقال في الميزان للوصول إلى قرارات ناضجة قابلة للتنفيذ .
#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)
Yelimaz_Jawid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رَجُلٌ يُعتَمَد أم خُرّاعَةُ خُضرَة ؟
-
قانونُ البطاقة - الوطنية -
-
قُدرَةُ حَيدَر العباديّ
-
إحذَروا المُتآمرين
-
ثَورَةُ الشّعبِ وحيرةُ العبادي
-
قصّتان ؟ لا... بينهما رابط .
-
التَدَبُّر ومفتاحُ الحل
-
هَل مِن رجالٍ لفجرٍ جديد ؟
-
فَلِيَخسأ المُحَرّفون .. ولِيَنتَصر الشُرَفاء
-
إمام أبو الخرگ
-
إسگينا العَلگم
-
رسالة إلى حيدر العبادي
-
كَفى تساهُلاً
-
أحداثُ تكريت مؤامرَةٌ وليست تصَرّفاً ذاتياً
-
عُد إلى الشعبِ يا حَيدر
-
حِفظ الأرض والعِرض
-
حَدَثٌ و دَرسٌ
-
العراقُ بحاجةٍ لثورة
-
ما السبيل للخروج من المحنة ؟
-
إجتثاثُ بَعث أم فتنة ؟
المزيد.....
-
حادثة طعن دامية في حي سكني بأمريكا تسفر عن 4 قتلى و7 جرحى
-
صواريخ -حزب الله- تضرب صباحا مستوطنتين إسرائيليتن وتسهتدف مس
...
-
عباس يمنح الثقة للتشكيلة الجديدة للحكومة
-
من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبن
...
-
فيديو:البحرية الكولومبية تصادر 3 أطنان من الكوكايين في البحر
...
-
شجار جماعي عنيف في مطار باريس إثر ترحيل ناشط كردي إلى تركيا
...
-
شاهد: محققون على متن سفينة دالي التي أسقطت جسر بالتيمور
-
لافروف: لن يكون من الضروري الاعتراف بشرعية زيلينسكي كرئيس بع
...
-
القاهرة.. مائدة إفطار تضم آلاف المصريين
-
زيلينسكي: قواتنا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم روسي
...
المزيد.....
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
-
شئ ما عن ألأخلاق
/ علي عبد الواحد محمد
-
تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|