ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)
الحوار المتمدن-العدد: 4952 - 2015 / 10 / 11 - 10:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها " فما بالُنا نطالب ونلحُّ على حيدر العبادي أن يُسرع في خطواته الإصلاحية ، والكلّ يعرف أن هذا خارج عن قدرته ، بل يذهب البعض للمناداة بدعوته للإنسحاب إن كان يرى عجزه عن تنفيذ ما وعد به في ورقته الإصلاحية . إن إصرارنا على ضروروة الإسراع في تنفيذ الإصلاحات يأتي من " حرصنا " أو خوفنا من عدم تمكّن العبادي من الحيتان الكبيرة التي تنالها الإصلاحات ، فهو حق مشروعٌ لنا كأبناء شعب إكتوينا بنيران فساد طال خيراتنا وأرضنا وشرفنا ، وضيّع أكثر من ثلثي أرض الوطن بتسليمها إلى الدواعش الإرهابيين ، وحوّل أكثر من ثلاثة ملايين من أبنائنا إلى نازحين عن ديارهم قسراً دون أن تستطيع الحكومة وضع حل مناسب لهم رغم مرور أكثر من ستة عشر شهراً . لكنّ علينا أن ندرك أن الصراع للوصول إلى هذا الحق المشروع صراعٌ متعدد الجوانب بالنسبة إلى حكومة العبادي : ففي الوقت الذي يأخذ الصراعُ لتحرير الأرض المحتلة من الدواعش من جهود الحكومة بما تتطلبه الحرب من مستلزمات مادية وبشرية : تواجه عجزاً في ميزانيتها وقلة مواردها بسبب إنخفاض أسعار البترول من جهة وعدم وجود جيش نظاميّ وبتدريب عالٍ ، من جهة أخرى ، بالإضافة إلى وجود كيان جديد تحت إسم " الحشد الشعبي " الذي يمثل مجموعات موالية لكتلٍ وكيانات سياسية معينة ، وتنعكس على أدائها جميع الخلافات السياسية بين تلك الكتل والكيانات . فبالإضافة إلى إنشغال الحكومة الجدي بالحرب ضد الدواعش ، هناك حربٌ داخلية ، من نوع آخر ، هي مكافحة النشاطات الإرهابية في المحافظات الأخرى ، والتي تزداد كلّما خطى العبادي خطوة ، ولو صغيرة في مشروعه الإصلاحي . إن الأعمال الإرهابية في هذه المناطق هي في الحقيقة من أعمال الميليشيات الوقحة التابعة للكيانات السياسية ، وهي وسيلة لردع العبادي عن تنفيذ الإصلاحات . الحيتان الكبيرة التي إستفادت في فترة ما بعد الإحتلال وإغتنت من نهب أموال الشعب ، لا تنثني بسهولة ، ولن تتراجع عن القيام بأرذل الأعمال الإرهابية للمحافظة على مكانتها وقوتها . فليس من المنطق العقلاني إتهام الدواعش بإختطاف وكيل وزارة أو عددٍ من العمال الأجانب أو إختطاف جلال الشحماني وعدد آخر من نشطاء التظاهرات ، بل المنطق يسوقنا إلى أن الميليشيات التابعة للكيانات السياسية هي الفاعل الحقيقي ، وليس غرضها غير تأخير تنفيذ الإصلاحات . لقد كشّر أعداء الإصلاح عن أنيابهم ، وخرجوا عن ثيابهم التي كانوا يتجلببون بها وظهروا على حقيقتهم ، فالمثل العامّي يصف حالتهم " اللي جوّه أبطه عنز .. إيبغّج " . فبينما لم تُرفع صورة باقر الزبيدي و لا صورة عمار الحكيم من قبل المتظاهرين كما رُفعت صور مسؤولين آخرين ، خرج علينا باقر الزبيدي في إحدى القنوات الفضائية واصفاً المتظاهرين ب " همّ " ويصف نفسه وآخرين معه ب " نحنُ " واضعاً نفسه في صف الواقفين بالضد من مطالبات الجماهير المتظاهرة ، وكذا يخرج علينا عمار الحكيم متحدثاً في مجلس مهدداً العبادي بأن يجمع أكثرية أصوات النواب ويسقط وزارته كما جمع الأصوات لتنصيبه . معركة العبادي ليست سهلة في الجوّ السياسي القائم الخاضع لتوازنات سياسية لكتل لا ترى غير مصالحها الذاتية البعيدة عن مصالح الشعب والوطن ، وليست بالتأكيد محصورة بكونه لا زال في حزب الدعوة . تُرى أيّ رئيس كتلة أو زعيم كيان يفكر بمصلحة التحرر من الدواعش ؟ إن كان هناك واحد منهم لتخلّى طواعية عن حرّاسه وقوات حمايته وأرسلهم للجبهة ليحاربوا داعش . تُرى أيّ رئيس كتلة أو زعيم كيان يفكر بحال النازحين الذين لم تتمكن الحكومة من سدّ إحتياجاتهم ؟ إن كان هناك واحد منهم لتطوّع بتخفيض راتبه ومخصصاته ووجّه تلك المبالغ لنصرتهم ، بل لتقدّم صالح المطلك لبيان أبواب صرف المليار دولار التي خصصت للنازحين .
سياسة العبادي وفلسفته تعتمد على تمرير الإصلاحات بأسلوب يحافظ فيه على موقعه أوّلاً ، و لا أعتقد أنه يعمل ذلك طمعاً بالكرسي ، بل من أجل البقاء حتى يتمكن من تنفيذ الإصلاحات . إنه يريد تمرير البعير من ثقب إبرة ، بالصبر والأناة . إن إية خطوة يريد أن يخطوها يُسبقها بخطوة تجريبية ليسمع صداها ، وعلى ضوء ما يردّ الصدى تكون خطوته الفعلية . لقد أصدر العبادي بعض القرارات ، وبالرغم من حصوله على موافقة مجلس النواب " بالإجماع " على ما ورد في ورقته الإصلاحية ، إلاّ أن تلك القرارات لم ترَ النور في الواقع العملي ، لأن العبادي فاقد الآلية التي يتمكن بها من فرض قراراته ، بسبب كون الحيتان لهم الموقع المتمكن في مجلس النوّاب لسحب الثقة بوزارته وإسقاطها . ومثالٌ بسيط على ما ذكرنا : قرار العبادي تخفيض عدد حمايات المسؤولين ، فبالإضافة إلى الإعتراضات على هذا القرار من جميع الجهات التي يُفترض خضوعها له ، نرى أن الضغوط الكبيرة التي مورست عليه أجبرته على الخضوع وإصدار أمر إستثناء المالكي وعمار الحكيم وبهاء الأعرجي من ذلك القرار ، بينما من وجهة النظر الرسمية لم يكن لعمار الحكيم موقع وظيفي رسمي في الحكومة سابقاً أو لاحقاً ، حتى يتم الصرف على حمايته من خزينة الدولة ، وكذا الحال بالنسبة لنوري المالكي وبهاء الأعرجي بعد أن ألغي منصب المالكي كنائب رئيس الجمهورية ومنصب بهاء الأعرجي كنائب رئيس الوزراء .
في الوضع القلق لموازين القوى ، وبالرغم من فتاوى المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف المساندة للمتظاهرين وومطالباتهم بالإصلاح ، وعلى الرغم من إستمرار التظاهرات وتوسعها في بغداد والمحافظات وتفويضها لشخص العبادي بالصلاحيات ، إلاّ أنّ موازين القوى الداخلية والإقليمية ليست في صالح حيدرالعبادي ، ولحد الآن لم تصدر بيانات مشجعة من المرجعيات الدينية السنية ، ولا موقف الكيانات السياسية خارج التحالف الوطني سواء العربية منها أو الكردية مشجّع للعبادي في المضيّ في مسيرته بسرعة . لقد نصحنا العبادي ، وذكرناه ببيضة القبان التي في يده ليجعل الميزان يميل إلى جانبه ، وذلك بالإستناد إلى الإتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة ، وكنا نأمل أن يستغلّ زيارته إلى الولايات المتحدة ولقاءاته مع الرئيس الأمريكي ونائبه ووزير دفاعه لبحث هذا الموضوع ، ولكن أياماً سارت بعد عودته دون أن تبشر بنتيجة يمكن أن تفتح باب أمل لخروجنا من هذه البوتقة التي حُشرنا فيها .
#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)
Yelimaz_Jawid#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟