مشتاق جباري
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 4984 - 2015 / 11 / 13 - 20:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحديث عن الاسلام السياسي لايمكن ان ينفصل عن الماضي ولكن الحديث عن مراحل تاريخية سابقة للسياسة في الاسلام ربما يأخذنا معه الى تفاصيل اخرى تدخل فيها الخلافات والاختلافات الفكرية والمذهبية التي مرت بها هذه الامة ,لذلك يكون من الافضل والاجدى ان يكون هذا الطرح مختصآ بألسياسة المعاصرة في منطقتنا العربية رغم ان التاريخ لايهمل ولايمكن قراءة الحاضر الا استنادآ للماضي .ومصطلحات مثل الاسلام السياسي وغيرها هي حديثة عهد لذلك نستخدمها ويستخدمها من يريد ان يوجه نقدآ فكريآ لرؤى واطروحات مفكرين ومنظرين وفقهاء قالوا وتحدثوا وعملوا على انضاج قراءات متعددة حول (حاكمية الاسلام ) وقاموا بألترويج لفكرة (الحكومة الاسلامية ) مثل رؤى واطروحات اية الله الخميني او محمد باقر الصدر او رؤى وافكار حسن البنا ورشيد رضا وسيد قطب وغيرهم, ومناقشة هذه الاطروحات ضرورة علمية لابد ان تتم لنواكب بها المتغيرات الكثيرة التي نعيشها اليوم ولايعني هذا الامر التقليل من شأن الاسماء التي ذكرتها بل بألعكس نحن نناقش ونحاور ونقدم التجربة وما فيها كنموذج عملي تطبيقي نستخلص منه النتائج والعبر ,ونتيجة لهكذا حراك معرفي انبثقت مدارس اصلاحية (اسلامية التوجه ) تقول بأن (الليبرالية الاسلامية ) هي التي تصحح المسارات التي لايمكن ان تصمد امام مفاهيم مثل حرية الرأي وحقوق الانسان والتعددية السياسية او العقائدية واحترام الاقليات وغيرها ,والقول بألليبرالية الاسلامية لايكون الا تصويبآ فكريآ للحراك السياسي الاسلامي (الشيعي والسني على حد سواء ).وحديث من هذا النوع لابد ان يجرنا لحديث سياسي من نوع اخر ارى من الضروري ان نتحدث فيه لأنه يتطابق مع الواقع وتتطلبه المرحلة الراهنة واقصد به الحديث عن (الليبرالية السياسية ) والقول بها هو نوع من الواقعية السياسية لو صح هذا الوصف والتعبير ,لأننا في العراق مثلآ نعيش واقعآ مختلفآ لذلك برزت دعوات لقيام (الدولة المدنية ) وقد قالت بذلك المرجعية الدينية في النجف الاشرف ,والدعوة لقيام دولة مدنية هي دعوة غير مباشرة او غير واضحة العنوان لتطبيق (الليبرالية السياسية ) والتي من اهم مفاصلها هي الديمواقراطية في الحكم وهذا ما يحدث اليوم او ما تقوم به مرجعية النجف الدينية حيث انها تتبنى هذا الخيار ولكنها عوضآ عن استخدام مصطلح (الليبرالية السياسية ) استخدمت مصطلح الدولة المدنية لأعتبارات دينية, بل ان دولآ ذات توجه عقائدي ادخلت الكثير من التعديلات على انظمتها لتناسب الواقع الحالي وهي بذلك تضمن المقدرة على الاستمرارية والبقاء ولا استمرار لأي نظام دون اجراء هذه الاصلاحات وان كان هناك نظام مستمر في ذلك فهو نظام شاذ ولن يستمر طويلآ .وخلال فترة محاولتي لقراءة واقعنا السياسي والايدلوجي وصلت الى ما اعتقدها حقيقة مهمة وهي ان فكرة وخيار( الليبرالية السياسية) وكذلك( الليبرالية الاسلامية) يناسب واقعنا العربي والاسلامي (سياسيآ وتنظيميآ وكذلك من الناحية الدينية ) ونستطيع ان نأتي بألليبراليتين (السياسية والاسلامية ) لنقدمهما للجماهير على انهما افضل الحلول.وهذا الفصل بين السياسة والدين لايعني علمانية من نوع وبعنوان اخر بقدر ما يعني ان نعطي حلآ مقبولآ للجميع ووفق معتقداتهم وتوجهاتهم ولااعتقد ان تقاطعآ كبيرآ سيحدث خلال تطبيقنا لهذه الرؤيا لأن الليبرالية السياسية تعطي الحق للفرد في ان يختار ما يؤمن به وان الليبرالية الاسلامية تقبل بنظام الدولة المدنية وتعطي الاخرين حرية الاعتقاد ونستطيع العمل بهما معآ فلا يتعارضان بشكل كبير والاصل هو احترام حرية الرأي والمعتقد والتعبير شريطة ان يكون ذلك تحت ظل النظام والقانون الذي يختاره ويصوت له الشعب.ان اجراء المراجعات الفكرية ضرورة قصوى قد تجعل الكثير من المنتمين الى التيارات الاسلامية والقائلين بحاكمية الاسلام وان الاسلام هو الحل يراجعون خياراتهم وتوجهاتهم( ولانقول انهم على خطأ فليس ذلك هو محور حديثنا او هدفنا من هذا المقال ) وربما تكون النتيجة هي التحول نحو حالة من الانفتاح الفكري والايدلوجي وهو حل لاخاسر فيه. وقد حدثت مثل هذه المراجعات في مصر سابقآ وكانت نتائجها جيدة. ولو حدثت مثل هذه المراجعات الان فأن الارضية ستكون مهيئة لتطبيق الحلول المناسبة ,ولايعني القول بفصل السياسة عن الدين ان تدخل المؤسسة الدينية في السياسة ممنوع كلا بل يجب على المؤسسة الدينية ان لاتترك مؤسسة الدولة السياسية بلا رقابة او محاسبة او نقد ولكن دون التدخل في التفاصيل العملية التي تحتاج الى متخصصين في المجال السياسي وهذا هو العمل الجوهري للمؤسسة الدينية الواعية وان الانظمة التي تتحلى بقدر جيد من المرونة والانفتاح تستطيع ان تجد لها طريقآ للخروج من ازماتها المتعددة ونستطيع ان نقول مثلآ ان التنازلات المهمة التي قدمتها دولة ايران الاسلامية خلال مسيرتها الطويلة هي تنازلات او تغيرات مهمة فرضها الواقع المعاصر ومنها على سبيل المثال لا الحصر توقيع ايران على الميثاق العالمي لحقوق الانسان وبألتالي فأن هذا التوقيع هو اقرار من الجمهورية الاسلامية الايرانية بأن نظام الرق والذي لم يحرم في الاسلام انه لايتناسب مع عصرنا الراهن وهو من عرضيات الاسلام وليس من ذاتياته لذلك فأنه خاضع للتغيرات الايجابية وهذه القراءة الواعية هي التي جعلت النظام في ايران يتمتع بمرونة كبيرة خلال تعامله مع الواقع الانساني الحالي وهو ما تميز به عن غيره من الانظمة العقائدية مثل النظام الوهابي في السعودية وهو نظام غير قادر على تبني رؤى تتناسب مع عصرنا الراهن لذلك الى الان يمارس هذا النظام قطع الرؤوس والجلد وغيرها من الامور التي لاتتناسب مع حاضر ومستقبل الانسانية . اعتقد ان الخروج من التطرف الفكري والعقائدي هو بداية الخروج من الازمات الكثيرة التي تحيط بنا اليوم . وهذا لايكون دون اجراء مراجعات شاملة وعلى مختلف الاصعدة وهي طريقنا لأختيار افضل الحلول واكثرها واقعية وانسجامآ مع العالم اليوم وان الليبرالية السياسية هي حل لنوع النظام الذي يجب ان يحكم في عالمنا العربي وان الليبرالية الاسلامية هي حل اخر لذوي التوجهات العقائدية حتى يتمكنوا من مواكبة الانسانية والدخول معها في معاهدة (حياة وسلام ووسطية ) وهذا ما اعتقد انه هو الحل موضوعي والانساني للخروج من مأزقنا الكبير.
#مشتاق_جباري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟