أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - محاضرة من القرون الوسطى














المزيد.....

محاضرة من القرون الوسطى


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4981 - 2015 / 11 / 10 - 20:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قبل أيام، دُعيتُ إلى أحد المنابر الطيبة لإلقاء محاضرة. واقترح منظمو اللقاء أن يكون موضوع المحاضرة حول “حقوق المواطَنة، ومستقبلها في مصر". وما أن بدأتُ الحديث، حتى انتابني شعورٌ غريبٌ بأن عجلة الزمان قد أصابها عطبٌ وتسارعت خُطاها نحو الوراء حتى غدونا، الحضور المستمعون وأنا، لا ننتمي إلى الحاضر الراهن، بل إلى نقطة بعيدة مدفونة في عتمة التواريخ السحيقة.
لهذا استهللتُ حديثي بالاعتذار:
أيها الحضور الكريم، أعتذرُ لكم لأن هذه المحاضرة تنتمي إلى العصور الوسطى. فاختاروا لكم نقطة على خط الزمان ما بين القرن الخامس والقرن الخامس عشر، لنحطَّ عليها رحالُنا، ونبدأ المناقشة. فموضوع المحاضرة، تلك التي تركتُ من أجلها بيتي وأسرتي، لآتي إلى هنا وأُلقيها، لا تنتمي لعام 2015، بل إلى حقبة مظلمة تنهجُ التمييز الطبقي والطائفي والعِرقي والعَقَدي. بينما نعيشُ الآن لحظة، من المفترض أن العالم قد تجاوز فيها عبارات قبيحة سوّدت جبينه القديم مثل العنصرية والطائفية والطبقية والعرقية. وودتُ في البدء التمييز بين مصطلحي: الوطنية، والمواطنة. الأولى هي حب الوطن وعشق أرض الميلاد وهي Patriotism بالإنجليزية، والثانية هي المواطَنة Citizinship، وهي موضوعنا ووجعنا وشوكة قلوبنا.
المواطنة، أحد المفاهيم الشهيرة في الأدبياء السياسية والاجتماعية حال الحديث عن المجتمع المدني. في المجتمعات الغربية التي أدركت مبكرًا مفهوم المساواة والعدالة بين المواطنين، تكرّس هذا المصطلح واستقرّ في ضمائر الناس حتى ما عاد يُناقَش في المنابر أو على الشاشات. بينما، في مجتمعاتنا الكسول المترهلة التي تجيد "اللّت والعجن" فيما استقرّت عليه البشريةُ منذ قرون، فللأسف، يُعاد الحديث عنه كل حين باعتباره كشفًا أو اختراعًا جديدًا يتحلّق حوله الناس مشدوهين مذهولين. وأدى غياب المواطنة في معظم مجتمعاتنا السعيدة بالعالم الثالث إلى زعزعة اليقين لدى المواطن بإمكانية التغيير ومن ثم هجرة الكفاءات عن بلادنا إلى بلاد تحترم قيمة الإنسان وتكرّس مفهوم المواطنة، كما أدى غيابُها عقودًا طوالا إإلى إحلال هويّات فرعية، وانتماءات بديلة قِبَلية وعائلية تؤّمن للمواطن جدارًا من الأمان لا تستطيع الدولةُ الأم أن تؤمنها له بسبب تراكم العنصريات وأعراف الفرز الطائفي في كل مناحي الحياة.
وأنا ممن يحبّون ردّ الأشياء إلى أسمائها الأولى. ومحاولة استخلاص المصطلحات من طبقات التراكمات الإرثية التي دثّرت نسغَها الأول في محاولة استعادة جوهرها النقيّ الأول التي صُكّت عليه في بادئ الأمر. العقيدة علاقةٌ ثنائيةٌ بين العبدِ وبين الربّ، الذي اختاره عقلُه واقتنع به خالقًا هذا الكون. علاقةٌ ثنائية لا دخلَ لثالث بها، أيًّا كان هذا الثالث. فعلاقتي بربي لا دخل لأبي بها أو لابني، وبالتالي لا دخلَ لأيّ آخر بها. لأنها علاقةٌ روحيةٌ ذهنية. تأمَّلَ ذهني الكونَ، فارتاح لفكرة محددة حول طبيعة هذا الإله الذي خلقني وخلقَ الكون، ثم ارتاحت روحي لهذه الفكرة، فاعتنقتُ هذه العقيدةَ دون سواها من عقائد. وعليَّ "وحدي"، من ثم، أن أتحمّل تبعات هذا الاختيار وذلك الاعتناق يوم الحساب. وللأسف، تبدأ الخصومةُ بين أولئك العباد حين أزعمُ أنا أن عقيدتي الصوابُ وكلَّ ما عداها خطأ، ويزعم غيري، من أبناء العقائد الأخرى، أنه الصوابُ وأني على خطأ، فنتساجلُ، ثم نتناحرُ، ثم يقتلني أو أقتله!! عبثٌ أيّ عبث!
وفي هذا المقال، أتناول مفردةً أخرى شُوّهَت، أيضًا، جرّاء تناولها عبر الزمن في غير مواضعها، وربطْها بزوائدَ منبتّةِ الصلة، فحُمّلتْ بغير ما يحملُ جوهرُها العميق. المواطَنة.
فإذا كانت العقيدة علاقةً ثنائية بين الإنسان وبين السماء، علاقةً فردانية غيرَ مجتمعية. فإن المواطَنة، على عكس ذلك، علاقةٌ مجتمعيةٌ بشكل رئيسي. علاقةٌ بين الإنسان من ناحية، وبين بقعة أرض، ومَن يعيشون فوق هذه البقعة من الأرض، من ناحية أخرى. وإن كانت العقيدةُ علاقةً لم يصنعها الإنسانُ، بل وجدها قبل نشأته، فآمنَ بما آمنَ وانصرفَ عما لم يؤمن، فإن المواطَنةَ علاقةٌ اجتهد الإنسانُ منذ نشوء المدينة ومفهوم المدنية لوضع مواثيقَ لها وأعراف ارتضاها هو ومَن يعيشون معه، وارتضتها تلك البقعةُ من الأرض: الوطن. هي عَقْدٌ بيني وبين وطني. لا دخل لعقيدتي فيه. أؤدي واجباتي كاملةً تجاه وطني، من صوْن أمنه واسمه وحماية ممتلكاته ورعاية بيئته والمحافظة على موارده فضلاً عن تنميتها بما أدفع من ضرائب وما أقدم من عمل، وهلم جرّا من واجبات، على أن أحصل على حقوقي على وطني من تعليمي ورعايتي النفسية والصحية والأمنية، وهلمَّ جرا من حقوق. فإن تعددت العقائدُ أو الطوائفُ الدينية بين أبناء الوطن الواحد، فعليه، أعني على الوطن، أن يساويَ ويعدلَ، تمامَ العدل، بين أولئك الأبناء. تلك هي الفكرة الجدّ بسيطة التي أدركتها الدول المتحضرة وبنت عليها حضارتها الجديدة فأنتجت وازدهرت وتقدمت، وتركت في ذيل الركب، تلك المجتمعات التعسة التي تتناحر على أسس عقدية أو طائفية أو طبقية.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعليم خفيف الظل
- أيوا مصر بتحبك
- السيسي وحده لا يكفي!
- رحلة جمال الغيطاني الأخيرة
- لماذا تسمونها: معركة انتخابية؟
- المُغنّي والزعيم... وشعبٌ مثقف
- عسل أسود
- المال مقابل الكرسي
- جمال الغيطاني... خذلتني
- قانون مكافحة التجهيل العمدي
- هكذا الحُسنُ قد أمر
- ما العلمانية؟
- سجينة طهران
- السلطان قابوس والاستنارة
- حزب النور سنة 1919
- السيف والرمح والقرطاس والقلم
- المراجعات على نهج ناجح إبراهيم
- أرجوحةُ الخَدَر ودولةُ الحاجة
- الأوغاد لا يسمعون الموسيقى
- حوار شامل مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت حول التيارات المتطر ...


المزيد.....




- الجمهورية الإسلامية تعين قائما بأعمال جديد لسفارتها في لندن ...
- بأعلى جودة حدث تردد قناة طيور الجنة بيبي وشاهدوا أروع الأغان ...
- ماما جابت بيبي.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات وا ...
- المقاومة الاسلامية تسقط أجهزة تجسسية للإحتلال
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الاقصى المبارك
- الاحتلال يغلق باب الأسباط ويمنع المصلين من دخول المسجد الأقص ...
- الاحتلال يقتحم بلدات وقرى بجنين ويعتقل 5 فلسطينيين شمال سلفي ...
- الاحتلال يغلق باب الأسباط ويمنع المصلين من دخول المسجد الأقص ...
- قوات الاحتلال تعتقل 4 مواطنين في سلفيت
- في سويسرا... -يمكن أن يُنظر إلى اعتناق الإسلام على أنه أمر م ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - محاضرة من القرون الوسطى