أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - أيوا مصر بتحبك














المزيد.....

أيوا مصر بتحبك


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4976 - 2015 / 11 / 5 - 12:16
المحور: المجتمع المدني
    


منذ عدة سنوات، في عهد مبارك، سألتْ إحدى المذيعات في برنامج تليفزيونيّ، أحدَ أطفالِ الشوارع: "إنتَ بتحب مصر؟" فردَّ الطفلُ بعفوية: "وهي مصر بتحبني؟"
وكأن الطفل يريد أن يقول إن الحبَّ فِعْلٌ تبادليّ، وليس حبًّا من طرف واحد. والحقُّ أنني تفكرتُ طويلا في ذلك الطفل الذي أجاب السؤالَ بسؤال، هو إجابةٌ وسؤال في آن. إذْ لابد أن يُحبُّنا الوطنُ لكي نحبَّه. فالمواطَنةُ عَقْدٌ مشتركٌ بين إنسانٍ ما وبقعة أرض، أقيمت فوقها دولةٌ، ينتمي لها هذا الإنسان. عقدٌ متبادَلٌ وفوريُّ الإبرام ومُلزِمُ الحقوق والواجبات. لابد أنْ يعطيني الوطنُ حقوقيَ وأنْ أعطيه واجباته، في اللحظة نفسِها. لا أوّلَ هناك ولا تاليَ. كلاهما: الحقُّ والواجبُ، يتمّان معًا في اللحظة نفسها.
أعجبتني الإجابةُ لوهلة، لكن شيئًا ما من عدم الارتياح كان يخالجني. ثم انتبهت للثغرة الماكرة في إجابة الطفل. وتذكرتُ مقالا قديمًا لي بعنوان: "مصرُ الكثيرةُ"، الذي صنّفتُ فيه مصرَ على ثلاثة أوجه: الوطن- الحكومة- الشعب. فعن أيِّ مصرَ من الثلاث، يتحدث ذاك الطفل الذكيّ؟
مصرُ الوطنُ، أم مصرُ الحكومة، أم مصر الشعب؟ فمصرُ ليست هي حكومتَها، مثلما لا وطنَ هو حكومته. ومصرُ ليست هي شعبَها، وإن كان الشعبُ المصريُّ قوامَ مصر؛ مثلما كلُّ شعبٍ قوامُ وطنه. مصرُ هي الوطن، وفقط. مصرُ الوطن ليست مسؤولة عن الخراب الأخلاقي والاقتصاديّ والأمنيّ والاجتماعيّ والوجوديّ والجماليّ الذي استشري في أوصالها على مدى عقود طوال منذ السبعينيات الماضية، وحتى اليوم للأسف. إنما المسؤول عن هذه الرِّدّة السلوكية والأخلاقية والجمالية، هما الحكومات المتعاقبة، والشعب الذي استسلم للحكومات الفاسدة مثلما استسلم للفوضى والقبح، ثم أصبح منتجًا لهما، وبعدها صار معجبًا بهما، حتى صار القبحُ والفوضى عُرفًا ثابتًا محميًّا بنفسه.
لذلك سأردُّ على ذلك الطفل بالدارجة المصرية الصريحة: "أيوا مصر بتحبك، وبتحبك أوي كمان!" مصر الوطن، الذي عذبناه جميعًا وجذبنا عنقه من القمة إلى الحضيض.
صحيحٌ أن الحكومات المتعاقبة منذ أكثر من أربعين عامًا لم تحبُّك، ولم تحبني، ولم تحبُّ مصرَ الوطنَ بالتأكيد، وإلا ما وصلتْ مصرُ إلى الحال الهابطة التي نشهدها اليوم؛ لكن مصرَ "الوطن" بكلّ تأكيد تحبُّنا جميعًا.
مصرُ الوطن لم تُخرّبِ التعليمَ كي نصيرَ أنصافَ جُهلاء أنصافَ أُميّين، بل خربته الحكوماتُ والحكّام. مصرُ لم تعتقلِ المثقفين في عام 1959، وحتى صار المثقفُ اليوم مُهانًا لا سعر له، بل اعتقلتهم حكوماتُ مصرَ الفاشية. مصرُ لم تُسَرْطنْ مياه النيل لكي نموتَ مشوّهين، بل سرطنته الحكومات المتوالية. مصرُ لم تذبحِ الأشجارَ، ولم تشيّد تلال القمامة البشعة، ولم تقوّضِ الهيكلَ المُجتمعيّ؛ فصارَ الثريُّ الجاهلُ سيدًا والمثقفُ الفقيرُ عبدًا، بل فعلها فاسدون دعمتهم حكوماتٌ فاسدة. مصرُ لم تستوردْ أطعمةً وأدويةً منتهيةَ الصلاحية، ولم تعطِ الزمامَ لأولي النفوذ والسلطان، بدل أن يكون الزمامُ في يد الطليعةِ والعلماء والمثقفين التنويريين. مصرُ لم تسرقْ خيراتِها وثرواتِها لتوزّعها على أهلها وأصحابها وجيرانها وأنسابها وتحرمُك وتحرمُني منها، بل فعلتها حكوماتٌ عميلة بليدة فاسدة. مصرُ لم تُبِح احتكار ثروات الأرض من حديد وبترول بل وآثار لبعض نفرٍ من أقربائها، ولم تسرّبْ الغازَ للعدو وتحرمْ منه بنيها، مصرُ لم تزوّر الانتخاباتِ طوال عهود حتى سرق عرشَها الإخوان الخونة، ولم تشجّعْ تفريغَ العقول من كلِّ وعي وفكرٍ ببثها فضائياتٍ هزيلةً خاويةً لا تليقُ باسم مصر. مصرُ لم تقمع رأيًا لمستنير، ولم تعتقلْ صاحبَ رأي تقدمي مثقف، ولم تلفق تُهمًا لشرفاء أحبوها وكافحوا من أجل استنارتها. مصرُ لم تفعل شيئًا من هذا، بل فعلها رجالٌ قبضوا على زمامها بليلٍ، دون أن يكون لنا رأيٌ في ذلك أو قرار، ودون أن يكونَ لنا في البيعة المنهوبة، وهي بعضُ حقِّنا، ناقةٌ ولا جمل.
مصرُ اليوم تتشكّل من جديد، وتحاول أن ترفع عنقَها النبيل الذي دفنّاه في التراب عقودًا طوالا. فهل أنت تحبُّ مصرَ وتريد نهوضَها بحق؟ نعم يا عزيزي الطفل الذي ربما صار اليومَ صبيًّا واعيًا أو شابًّا مثقفًا، أو ربما صار لصًّا فاسدًا، مصرُ الفاتنةُ تحبُّك، وتحبنُّا جميعًا. لكن مَن منّا يحبُّ مصرَ؟



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيسي وحده لا يكفي!
- رحلة جمال الغيطاني الأخيرة
- لماذا تسمونها: معركة انتخابية؟
- المُغنّي والزعيم... وشعبٌ مثقف
- عسل أسود
- المال مقابل الكرسي
- جمال الغيطاني... خذلتني
- قانون مكافحة التجهيل العمدي
- هكذا الحُسنُ قد أمر
- ما العلمانية؟
- سجينة طهران
- السلطان قابوس والاستنارة
- حزب النور سنة 1919
- السيف والرمح والقرطاس والقلم
- المراجعات على نهج ناجح إبراهيم
- أرجوحةُ الخَدَر ودولةُ الحاجة
- الأوغاد لا يسمعون الموسيقى
- حوار شامل مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت حول التيارات المتطر ...
- صباحُ الخير يا زينب
- الكارت الخائب


المزيد.....




- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - أيوا مصر بتحبك