أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - سجينة طهران














المزيد.....

سجينة طهران


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4953 - 2015 / 10 / 12 - 10:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


محارةٌ حُبْلى بالأسرار، كان يجب أن تضربَها حبةُ رمل، كيما تجتمعَ تلك الأسرارُ الحزينةُ الدامية، الآتيةُ من غَوْر الذاكرة السحيق وشتاتها، تتكوّر الذكرياتُ الكابيةُ تلك، بعدما تشفُّ وتصفو وتتنقّى من شوائبها المُرّة، وتتحرّر من أثقالِها الموجعة، ثم تستقرُّ في جوف محارتها ساكنةً في نورها، ونارها، حتى تخرجَ إلى العالم لؤلؤةً مُشعّةً، ناصعةَ الضوء، مثل قطعة من الدُّرّ النقيّ من الطراز الممتاز.
فأمّا المحارةُ الحُبلَى بالذكريات؛ فليست إلا بطلةَ رواية "سجينة طهران"، الشابّة الإيرانية "مارينا نعمت"، التي فرّت إلى "كندا" بعدما أحكم الخُميني والتياراتُ الإسلامية، قبضتَهم الغليظة على إيران، قبل ثلاثين عامًا.
وأما حبةُ الرمل التي ضربت قلبَ المحارة، وكانت المُحفِّرَ الحاثَّ لكي تُخرج المحارةُ خبيئتَها اللؤلؤية إلى العلن؛ فهي الجارةُ الإيرانية "باريسا" التي زارت بطلةَ روايتنا في بيتها بكندا، وألمحت، بخوف، إلى أنها كذلك كانت، مثلها، من سجينات معتقل "إيڤ-;-ين" اللعين. حبةُ الرمل تلك، أطلقت شياطينَ الذاكرة من عقالها، تلك الشياطين الضارية، التي ظلت تطارد بطلتنا بعدما كانت قد نجحت في إسكات صوتها الوحشيّ سنوات طوالا. فما كان من سبيل للخلاص من ذلك العذاب سوى طرد الذكريات من العقل؛ بإشعالها. مادامت لم تعد قادرة على إخمادها. كما تقول الكاتبةُ: "ما دمتُ لا أستطيع النسيان، فربما يكون الحلُّ في التذكُّر."
وأما اللؤلؤةُ النقية التي نسيجُها ذكرياتٌ موجعة، فليست إلا هذه الرواية العذبة التي بين أيدينا الآن. "سجينة طهران".
بطلةُ روايتنا، الصبيّةُ الجميلة "مارينا مرادي بخت"، أو "مارينا نعمت". فتاة مسيحية إيرانية من طهران. كانت تلميذة في المرحلة الثانوية حينما بدأت رحلةُ عذابها؛ بعدما اِنتُزِعَت من دفء الأسرة إلى صقيع سجن "إيڤ-;-ين" ووحشته ووحشيته، لتجرّب ألوانَ التعذيب الشرس، وتشهد كلَّ يوم مقتل صبيّ أو صبيّة من ورود إيران النضرة. لم يبرحها الشعورُ بالإثم طوال سنوات حياتها. لأنها نجت حين مات كثيرون من رفقة الصِّبا وزملاء الدراسة في مدرستها؛ ممن تجاسروا أن يقولوا: "لا"، حين قال الآخرون: "نعم"، وتلك كانت جريرة وخطيئة في عُرف حكم الملالي الإيراني.
يضربها الوجعُ ويطاردها الشعور بالذنب كلما تذكّرت أنها كان يجب أن تموتَ معهم حيث ماتوا وحين قُصفوا في عمر الزهور البريئة؛ لولا شجرة الأقدار البديلة التي ترسمُ خيوطَ حياتنا على نحو لا يخلو من مصادفات وعبثية واعتباطية وافتقار للمنطق في كثير من الأحيان. لهذا لم يبرحها يقينٌ بأن حياتها تخصُّ أولئك الموتى؛ أكثر مما تخصُّها هي. ولم يكن من سبيل إلى تحرّرها الذاتيّ من الأسر وانعتاق روحها من الوزر، إلا بتحرير تلك الذكريات من إسارها في سجن روحها وخبيئة ذاكرتها، ومن ثم إخراجها للنور إلى حيث الذاكرة الكونية الجمعية، ذاكرات الناس، عبر هذه الرواية الجميلة، الموجعة؛ من أجل أن تطرحها أمام الرأي العام العالميّ فيعرفُ مَن لم يكن يعرفُ، ما يجب أن يعرفَ، من أسرار لم تخرج بعد من قلوب الذين قُتلوا وعُذِّبوا باسم الله! حاشاه.
قصة "مارينا" منذ أُلقي القبضُ عليها عام 1982، لتسكن معتقل "إيڤ-;-ين" وتعاني الأمرّين عامين وشهرين عددًا، مرورًا بزواجها القسريّ من جلادها الإسلاميّ الذي أحبها ولم تحبّه، ثم إسلامها القسري كذلك، ثم تحرّرها بمصرع الزوج على يد جلاد إسلاميّ آخر، ثم، أخيرًا، زواجها من خطيبها المسيحي القديم رفيق الصبا حبيبها الذي انتظرها وانتظرته، وحتى هروبها إلى كندا مع زوجها وطفلها عام 1991؛ هي حكايةُ جيل الثورة الإسلامية الإيرانية بكل أوجاعها وجراحها وعصير ثمرها المُرّ والأحلام الموءودة لجيل من الشباب شاخ قبل الأوان. تضعُها مارينا، سجينةُ طهران الصغيرة، أمام المجتمع الدولي، مُخضّبةً بالدم النبيل الذي لا توقف قطْرَه ضماداتُ العالم، مرهقةً بالدموع التي لا تُجفّفها إلا يدُ السماء الحنون. هي الجزءُ غيرُ المرويّ من حكاية طويلة تناولتها الألسنُ والفضائياتُ والصحفُ والمجلداتُ وكتبُ التاريخ على نحو إعلاميّ منقوص، على نهج انتقائي غير موضوعي. هي الشَّطرُ المسكوتُ عنه من بيت شعريّ نازفٍ لا يعرفُ العالمُ عنه إلا ما أراد له الشاعرُ، الفاشيّ، أن يعرفه من قصيدته الملحمية الدامية، مهما كان تقييمنا لأدائه الشعريّ الموصوم بالظلم والقمع وسحق الإرادة. قصةُ الصِّبية والصبايا المراهقين في إيران، ممن بدأ تشكُّلُ وعيهم بالحياة مع الأمل في صوغ "إيران" أجمل وأرقى وأكثر تحضّرًا، تظللها الحريةُ والديمقراطية والسلام؛ فإذا بهم يقعون فرائسَ سهلةً تحت أنياب التعذيب ومقاصل القتل والاغتصاب وسحق الكرامة. إنها كواليسُ القصة التي راقبها العالمُ في صمت؛ إما عن جهل بما يدور في الغرف الخلفية المغلقة، أو عن خوف من سماع أنين المعذّبين وراء قضبان السجون وظلامها، أو ربما عن عدم اكتراث بأرواح بريئة غضّة تُزهَق كلَّ ساعة خلف جدران سجن "إيڤ-;-ين" العالية. رواية تكشف النقاب عن آلية سحق الأرواح باسم الله، وتحت مُسمّى إعمال الخير والإصلاح في الأرض! وهي فوق كل هذا روايةُ "التحرّر" من الخوف. فإن نحن "كتبنا" مخاوفنا، "قتلناها". لهذا تختم الكاتبةُ روايتها بالعبارة التالية: "الخوفُ أفظعُ السجون على الإطلاق".
وقبل الدخول من بوابة هذه الرواية المخيفة، لابد من إطلالة سريعة على طبيعة الثورة الإيرانية وآلية حكم "الملالي"، أي حكم بشرٍ يزعمون التحدّث بـ"اسم الله"، بوصفهم ظلالَ الله على الأرض، كما يصوّرون للناس، فيصدقهم البسطاءُ، ويرفضهم أولو الألباب! لابد من معرفة: مَن أسّس للثورة، ومَن قام بها، ومَن دفع الدمَ والروح والنفس والنفيس من أجلها، ثم من سرقها واستلب ثمارها، ومَن، في الأخير، استفاد منها. مَن أهرق الدماء من أجل وطنه وفقراء وطنه، ومن استثمر تلك الدماء لتحقيق المغانم والمكاسب. مَن بذر بذورها في أرض بور، ومَن الذي انتزع الأرض بعدما خَصُبَت، والتهم الثمر.
وللحديث بقية.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلطان قابوس والاستنارة
- حزب النور سنة 1919
- السيف والرمح والقرطاس والقلم
- المراجعات على نهج ناجح إبراهيم
- أرجوحةُ الخَدَر ودولةُ الحاجة
- الأوغاد لا يسمعون الموسيقى
- حوار شامل مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت حول التيارات المتطر ...
- صباحُ الخير يا زينب
- الكارت الخائب
- أنا أغنى امرأة في العالم
- مسيحيو حزب النور
- بيان إلى السلفي ناجح إبراهيم من فاطمة ناعوت
- إحنا آسفين يا خروف!
- مرة واحد فكّر، طق مات ( حوار تليفزيوني مع كاتب)
- شهداءُ من أبناءِ زايد
- موت أمي
- طفلُ البحر... لا أحدَ يريده!
- دموع مريم، قضية أمن قومي
- لماذا يكرهون هذا الرجل؟
- هل تعرف طاعن نجيب محفوظ؟


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - سجينة طهران