أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فاطمة ناعوت - دموع مريم، قضية أمن قومي














المزيد.....

دموع مريم، قضية أمن قومي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4916 - 2015 / 9 / 5 - 09:45
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



"قلبُ الأطفالِ يُغنّي/ فَرُحْتُ أُغنّي معهمْ/ رغمَ العنبرِ مملوءٍ بالحسرةِ/ رغمَ أنابيبِ المصْلِ الطولىَ/ تخترقُ الرُسغَ الغَضَّ الراقدَ في وهنٍ/ فوق سريرٍ أبيضَ/ وشراشفَ / تصرخُ من فرطِ الحَزَنِ/ ورغم الآباءِ الباكينَ/ وراء زجاجِ ا،لمَخْبَرِ، والأطفالِ المسروقين من العُمْرِ/ ورغمَ زهورٍ تقفُ وراء البابْ فوق توابيتَ ملّونةٍ فارغةٍ/ تترقبُ أجسادًا لم تتعلمْ بعدُ/ كيف العيْشُ بلا شكشكةِ الإبرِ/ وشَفْطِ الدمِّ من الأوردةِ/ وكيف الموتُ رفيقٌ بالأطفالْ.”.


***


جرحتني دموعُ تلك الصَّبيّة الجميلة وهي تبكي جهدَها المُهدَر وتنعي تفوقها. وخزت قلبي إبرةُ الكانيولا المربوطة بضمادة لاصقة على ظهر كفّها بعد تعرضها للهبوط الحاد إثر سماعها عن الصفر الذي كلّل سنواتِ دراستها ويكاد يحطّم مستقبلها ويحولُ بينها وبين كلية الطب التي حلمت بها منذ طفولتها. ذبحتني عياناها اللتان يشعُّ منهما بريقُ الذكاء الذي تحوّل في لحظةٍ إلى نظرات ذهول وفزع وهي لا تدري مَن سرق جهدها، ومَن بوسعه أن يُعيد لها حقَّها! صدّع قلبي شعورُها بالخزي بعدما خذلت أمَّها الصابرة التي انتظرت لحظة نجاح صغيرتها، وكسرت حُلمَ شقيقها الطبيب مينا الذي انتظر أن تشاركه شقيقته الصغرى دراسة الطبّ، ليُفرحا معًا قلبَ أبيهما في السماء، بعدما رحل وهو مطمئنٌ على نبوغ أطفاله.
أحاول أن أضع نفسي مكانها فيتوقف قلبي عن الخفقان هلعًا ورعبًا وحزنًا وقهرًا. ليس لعدم دخولي الكلية التي كنتُ أتمناها وأعدُّ نفسي لها على مدى أعوام؛ فأنا من الذين يؤمنون أن الكليات لا تصنع الأدمغة والمعارف. فالثقافة في متون الكتب وليست بين جدران المدرجات، وتأكد ظني حين تخرجتُ من كلية الهندسة ثم امتهنتُ الكتابة والأدب والصحافة. وليس حزني وهلعي وقتئذ سيكون بسبب فرط الشعور بالظلم والأسى؛ فنحن مظلومون في بلادنا، ونحن ندرك هذا الظلم جيدًا منذ شبّ وعينا وتشعبت معارفنا وقرأنا عن بلاد تحترم الإنسان، فتعلّمنا أن نقارن بيننا وبين مواطني تلك الدول، إنما سيكون هلعي ورعبي وحزني وقهري بسبب ضياع جهدي. فأنا، مثلي مثل كل إنسان فوق الأرض، لديّ حساسية مفرطة من فكرة ضياع جهدي هباء. فالجهد هو محصلة أمرين ثمينين. العمل والعمر. وكلاهما غال ونفيس. عملي وطاقتي المبذولة، والزمن الذي اقتُصّ من عمري وأبدًا لن يعود. كيف لي أن أقبل فكرة أن يضيع كلا الكنزين الثمينين هذين؟!
بعد انتهائي من أداء امتحانات الثانوية العامة، وكنت أنتظر النتيجة وأنا مطمئنة إلى مجموعي الذي سيدخلني كلية الهندسة جامعة عين شمس، ذهب أحد أصدقائنا وكان جارًا لنا إلى مدرستي لكي يعرف النتيجة ويخبرنا. وعاد فرحًا ثم قال لي: "مجموع هايل بس للأسف سقطتِ في المستوى الرفيع!” فما كان مني إلا أن صرختُ: “مستحيل، مستحيل!” ورحت أهشّم زجاج باب غرفتي بيدي ولم أدر إلا والدم يتفجّر من معصمي وشظايا الزجاج مغروسة في كفي وساعدي، وهو يصرخ بأعلى صوت: “باهزر، والله العظيم كنت باهزر. أنتِ نجحتِ والله صدقيني.” فوبخته أمي وذهبت بي إلى المستشفى الإيطالي لخياطة جروح ذراعي وكفي وإيقاف النزيف. أستحضرُ الآن تلك اللحظة المرّة من تاريخي وقد مرّ عليها عقود طوال، وأتذكر كم الغضب والفزع الذي ملأ صدري وقتها. هل كان غضبي بسبب فقداني درجة مئوية أو درجتين في المستوى الرفيع، أم بسبب ضياع جهدي الثمين وعمري المسروق وتأكدي من سلامة إجاباتي بالامتحان؟ الإجابة هي الثانية. ثم أقارن بين شعوري حينها، وبين شعور هذه البنت التعسة مريم ملاك، أو رضوى، وقد فقدت المائة درجة كاملة، مثلما فقدت جهد عام كامل من عمرها غارق في العمل والبذل، فأشعر بغُصّة هائلة في حلقي ووجع حارق في قلبي.
لا تصدقوا أن قضية مريم ملاك قد انتهت وضاع حقها إلى الأبد. فتلك الواقعة قد زلزلت ركامًا خربًا كان يعشش في جنبات المجتمع، وحرّكت مياها راكدة ملوثة بالطحالب الدنسة. إذا كانت وزارة التعليم مطمئنة إلى أن البنت مدعية بالكذب أن أوراقها قد تبدلت، ومطمئنة إلى قرار الطب الشرعي بأن أوراق إجاباتها ذات الصفر الصفيق بخط يدها، فلماذا لا يُجرى لها امتحان رمزي مجمع. أي ورقة أسئلة واحدة تضم سؤالا من كل مادة؟ فإن حصدت صفرًا آخر في الامتحان المجمع، فقد كذبت البنتُ وصدقت الطب الشرعي ووزارة التعليم، وتكون مستحقة الصفر الأول الشهير، وإن أجابت على نحو مقبول، فقد صدقت البنتُ وكذبت الوزارة.
قضية مريم ليست وحسب قضية فتاة حلمها ينكسر أمام عينيها، بل هي قضية أمن قومي، تستحق أن تتحرك من أجلها الدولة بأسرها. فلا تستكثروا الجهد المبذول من أجل مريم، فهو جهد من أجل مصر.


***
* من قصيدة "سارة" | ديوان "الأوغادُ لا يسمعون الموسيقى" | فاطمة ناعوت | دار العين للنشر 2016



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يكرهون هذا الرجل؟
- هل تعرف طاعن نجيب محفوظ؟
- صفر مريم النبيل
- حزب النور، حاوي الحواة
- طاووس حزين
- هندوسٌ في الإمارات وأقباطٌ في مصر
- مَن يذكر -فرج فودة-؟
- قلب ابتهال سالم... عصفورة الجنة
- رسالة إلى نقابة المحامين.. نقابة العظماء
- الفارس -بدر عبد العاطي-
- جمال الغيطاني، ستعيشُ ألفَ عام
- سجّلْ يا زمان
- رئيس الغلابة
- قالت المحروسة
- قبطانةٌ على صفحة مياه القناة
- ماذا قال لي يختُ المحروسة؟
- هل تغفرين لنا يا مصرُ؟
- على متن يخت المحروسة
- هالةُ الأموات … تُجرّم نقدَ ما فات
- صخرتان من أرض القناة


المزيد.....




- متحف مخصص للنساء فقط يتحول إلى مرحاض لـ -إبعاد الرجال-
- المرأة الجديدة تبحث عن باحثة بدوام جزئي لبرنامج النساء والعم ...
- إعادة بناء وجه امرأة من -النياندرتال- عاشت قبل 75 ألف عام في ...
- يركّز على قضايا الأسرة.. انطلاق فعاليات مؤتمر الدوحة لحوار ا ...
- فرنسا: ناشطات نسويات يلطخن لوحة -أصل الكون- بطلاء أحمر أثناء ...
- تدمير رفح…معبر غزة الوحيد نحو النجاة
- تجربة الأمومة.. جسر تضامن من خارج غزة إلى داخلها
- في الجنوب كما في الشمال تواجه النساء أزمة الديون وسياسات الت ...
- ورشة أهداف التنمية المستدامة وأجندة مصر 2030 للنقابات والجمع ...
- غزة محور جوائز بوليتزر ونيويورك تايمز تستبعد تقريرها عن العن ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فاطمة ناعوت - دموع مريم، قضية أمن قومي