على متن يخت المحروسة

فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4886 - 2015 / 8 / 3 - 21:36
المحور: المجتمع المدني
    

“أقفُ الآن فوق رمال، لن تعود موجودة بعد شهور قليلة. تحت قدميَّ صفحةُ ماء تتكوّن بفرح في هذه اللحظة في رحم الأرض، لتتفجّر من باطنها بعد شهور قليلة، فتغدو حُلمًا مصريًّا رسمته عقولٌ نابهة، وواقعًا جميلا صنعته سواعدُ عفيّة، ومستقبلا آمنًا لأجيال قادمة ستقفُ بفخر تقول: هذا صنعه آبائي وأجدادي المصريون العظماء.”
هذا ما كتبته في نهار الاثنين 11 أغسطس 2014. والآن، بعد أحد عشر شهرًا فقط، ها أنا ذا أقف فوق أرض، لم تعد موجودة بالفعل. إنها أرضُ القناة التي شُقَّت ليتفجّر الماءُ من جوفها يحمل الخيرَ والرغدَ لمصر وللعالم. الآن صارتِ الصخرتان اللتان أحتفظ بهما فوق رفٍّ من رفوف مكتبة تذكاراتي وأوسمتي ودروعي، كأحد أهم ما أقتني من نفائس وكنوز، صارتا قطعةً رمزية من التاريخ، تزيد قيمةً عندي عن الصخرة التي تجاورهما والتي سقطت من جدار برلين قبل هدمه عام 1989. صخرتا أرض القناة أثمنُ وأنفسُ لأنهما من صخور بلادي، ولأنهما دليلي على جبروت المصريين حين يجتمعون حول حلم وهدف ومشروع قومي. هذه القناة الجديدة، هي شهادة اعتماد جديدة للعامل المصري النبيل، الذي إن أراد فعل، وإن حَلُمَ نفّذ الحلمَ وصيّره حقيقةً وواقعًا.
حينما أعلن الفريق "مُهاب مميش"، رئيس هيئة قناة السويس المصرية، عن عبور قافلة تضمّ ثلاث سفن حاوياتٍ عملاقة في مجرى قناة السويس الجديدة، في أول تشغيل تجريبي لها قبل افتتاحها الرسمي بعد أيام ثلاثة، تيقّنتُ أن رهاننا على جيشنا العظيم، الذي أبدًا لم يخذلنا، كان في عين الصواب، ككل رهاناتنا السابقة عليه منذ أشرقت عيوننا على الحياة لنشهد جيشنا الباسل، حاميًا جبهتنا، ومُشيّدًا منشآتنا، وصانعًا غدنا الواعد بإذن الله.
بعد اثنين وسبعين ساعةً من الآن بإذن الله، في ظهيرة يوم 6 أغسطس 2015، سوف أقفُ في ذات المكان النفيس، وأشهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، صانعَ الفرحة ومُخلّص مصر، وهو يصعدُ على متن "يخت المحروسة"، وسط موكب بحري مهيب، ليُبحر في لُجّة مياه قناة السويس الجديدة، باتجاه المنصّة الرئيسية لحفل الافتتاح، ليوقّع صكَّ افتتاح القناة رسميًّا.
بعد برهة سأشهدُ صبيةً جميلة بالكاد تجاوزت العشرين من عمرها، اسمها "مروة السلحدار"، هي دليلي على أن زهورَ مصرَ اليانعاتِ، يغدون صخورًا صلبة في أعمالهن وأوقات المحكّات في الأزمات وفي المسرّات. أصغر قبطانة بحرية في العالم، وأول قبطانة مصرية وعربية، ستكون في هذا الحفل الأسطوري، صورة المرأة المصرية المشرقة، كما جدّتها الفرعونة النبيلة "حتشبسوت" قبل أربعة آلاف عام، التي كانت تقود جيوشها وأسطولها البحري كفارس أسطوري من كتاب الحكايا.
وبعد برهةٍ من الآن، سوف يُطلق الرئيس المصري إشارة البدء لحزمة من المشروعات القومية الجديدة التي تحمل الوعد لمصر وللمصريين في تزامن مع يوم الفرح، يوم افتتاح قناة السويس الجديدة. مشروع تنمية قناة السويس، المشروع القومي للطرق، مشروع إنشاء عدة مطارات ومدن جديدة، مشروع معالجة الصرف الصحي، ومشروع الاستزراع السمكيّ في منطقة القناة، وغيرها.
يحقُّ لنا، أبناء هذا الجيل، أن نسجّل على التاريخ أننا كنا هنا، نشهد مولد قناتنا الجديدة، مثلما سجّل أجدادُنا في مدوّنة التاريخ مشهد ميلاد القناة الأم، في منتصف القرن التاسع عشر. هذه قناتنا الجديدة، محفورة بسواعدنا المصرية، وممولة من جيوب المصريين، أثريائنا وفقرائنا، كبارنا وأطفالنا. فثمة من دفع ملايينه، وثمة من جاد بجنيهاته العشرة. فقد قرر الرئيسُ ألا يحرم مصريًّا من شرف المشاركة في صناعة هذا الحلم المصري الجميل، طفلا كان أو امرأة، غنيًّا كان أو فقيرًا. هو حلم المصريين كافة.
لا تسمحوا، أيها المصريون، بأن يُزعجَ فرحتَنا مُزعِجٌ منزَعجٌ من فرحتِنا. فالعقول الصحراوية تنزعجُ من مرأى شلال المياه ينهمر على الأرض الريّانة، ومن صفحة الماء تتلألأ فوق وجه الطمي الخصيب. اشفقوا عليهم وقدموا لهم دعوة ليحاولوا الفرح مثلنا. وافرحي يا مصرُ. #مصر_بتفرح

#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات