أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - هل تغفرين لنا يا مصرُ؟














المزيد.....

هل تغفرين لنا يا مصرُ؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4887 - 2015 / 8 / 4 - 22:09
المحور: المجتمع المدني
    


قناة السويس الجديدة، تصافحُ وجه العالم بعد غدٍ 6 أغسطس 2015. يومان وتشرقُ أولى ثمار العهد الجديد الذي غزلنا خيوطَه خيطًا خيطًا بإصرار قائدنا عبد الفتاح السيسي وبدم شهدائنا ودمع ثكلاوانا وخفق قلوب جنودنا ونزف أيامنا وسنواتنا الماضية. ها هي ذي، قناتنا تحت أشعة الشمس، تتلألأ صفحتُها زرقاءَ صافيةً فترسم في خرائط العالم مجاري ملاحية جديدة تعد الحراك التجاري بغدٍ أيسر وأكثر رغدًا. بعد أربع سنوات من السيولة السياسية والاقتصادية نزفت فيها مصرُ آخرَ نُسغها، تبزغُ اليومَ خيوطُ فجر جديد، بمشروع هائل قُدّر له أن يتم في أربعة أعوام، فإذا بسواعد أشدّائنا تنجزه في أقل من عام، في معجزة هندسية تؤكد نسبَنا لأعرق مهندسي العالم الأفذاذ، أجدادنا الفراعين الذين أذهلوا البشرية بطفرتهم المعمارية الفلكية المدهشة.
هذه قناة السويس تقدم للعالم شهادة اعتماد للمهندس المصري والعامل المصري ورجال الأمن المصري بأن ثلاثتهم من أكفأ وأمهر وأجسر عقول وسواعد البشر؛ حينما يقفون على حُلم واحد ويجتمعون حول مشروع قومي واحد، يعرفون أنه سيكون سببًا في دعم مصر كمركز نقل لوچيستيّ دولي، يسهّل تدفق حركة التجارة العالمية كمجرى عبور أسرع وأوسع للسفن والحاويات التجارية العملاقة.
هذه هي هديتُنا لكِ، يا مصرُ الجميلة، لتغفري لنا ما صنعناه بكِ على مدى العقود الماضية. أهملنا بناءك وترميم صدوعك، وتكاسلنا عن أداء مهامنا على النحو الذي يليق باسمكِ واسمنا، وصمتنا عن تأخرك عن ركب دول العالم، وتخاذلنا عن إنقاذك ونحن نراك بعيوننا تذبُلين وتضمُر هامتُك وينحُل خِصرًك ويتضاءل خيرُك. لكِ العُتبى حتى ترضي يا حبيبتي يا مصرُ.
نعلمُ أن هديتنا هذه جاءت متأخرة. كان يجب أن تُقدّم منذ نصف قرن، وقت كنتِ أكثر بهاءً وتقدمًا من دول صغيرة، قفزت كالنمور من حولك نحو الحضارة، وتركتكِ في عتمة الظلام والفساد والتأخر. وصلت تلك النمور منذ سنين إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى، حيث العالم الأول، وتركتكِ في ذيل صفوف دول العالم الثالث مما يُطلق عليها تهذّبًا: الدول النامية. وأنتِ مَن أنتِ! أنت من علّمتِ العالمَ الحضارةَ وحملتِ مشعلَ التنوير لهذا الكوكب المظلم قبل آلاف السنين وقت كان يرفلُ في غبش الحضارات. لا بأس يا مصرُ. وقتها لم يكن هناك من بين مَن حكموك ذلك الفارسُ الذي أحبّك بصدق وتجرّد. كان لكلٍّ أحلامُه وتطلعاته التي جاوزت حبَّه لكِ، فنسي أن يمنحك ما تستحقين من اهتمام وجهد وعمل.
إنجازُنا الهائل هذا يؤكد للعالم حقيقة جليّة. أن في مصرَ يدًا تقف على الحدود تذود عن أرضها غَيلة الغُزاة، ويدًا في الداخل تدفع عن شعبها دنسَ الإرهابيين المجرمين الذين يرومون تدمير مصر وشعبها الذي رفض أن تحكمه عصابةٌ من الجواسيس اللصوص، ويدًا تبني وتُشيّد وتغزل لمصر غدًا مشرقًا يمحو غيمة الظلام التي تكاثفت في سمائها منذ سنوات.
كانت زيارتي الأولى لأرض قناة السويس في بدايات حفرها يوم 11 أغسطس 2014، وكانت زيارتي الثانية يوم 6 سبتمبر من العام نفسه. وذُهلتُ من الفارق بين الزيارتين. في أقل من شهر أوفى رجالُنا الأبطال ما وعدوا، قبل الموعد الذي ضربوه لأنفسهم. في زيارتي الأولى سألتُ العميدَ "حسن العراقي”: “متى نرى المياه؟" قال: "بعد شهرين. تعالي يوم 11 أكتوبر وخذي حفنة من مياه القناة الجديدة.” لكن تباشير المياه ظهرت قبل الموعد لأن "يوم الجيش بست ساعات"، إن افترضنا أن "يوم الحكومة بسنة"، كما يذهب الفولكلور المصري الساخر.
رحتُ أتأمل الشارةَ المطرّزة بكلمات "الجيش المصري" على صدر بذلة اللواء "عفت أديب"، فيملؤني الفخرُ بجيش بلادي. أولئك رجالٌ نزعوا من قاموسهم كلمات لا محلّ لها في دنيا الانضباط: “تأخير، فشل، نصف نصف....” رجالٌ اعتمدوا مقولة: “Failure is NOT an Option”؛ "الإخفاق غير مطروح"، المعروفة في حقل رحلات الفضاء المكوكية.
يبتسم اللواءُ وهو يرى الانبهارَ في عيوننا، فيقول: “جيشكم لا يعرف الكسل.” هذا الجيش الباسل، مثلما يحمي ظهورنا على الجبهة، يصنع مستقبلنا ويؤمّن مستقبل أولادنا.
همستُ لنفسي يومَها: "هذي الرمالُ الصفراء المشرقة مثل نُثار الذهب، لن تكون موجودةً بعد برهة قصيرة من الزمن.” لهذا رحتُ أجمعُ بعضَها في قنينة صغيرة. ثم أختلسُ صخرتين صغيرتين من نتاج الحفر كأنما قطعٌ من خام الألماس. الآن، أدُسُّ كنزيَ في حقيبتي لأزيّن بها بيتي، وذاكرتي. حين أعود؛ سأزيحُ قطعة الصخر الصغيرة التي انتزعتُها من "سور برلين" كتذكار يشهد بوجوده قبل أن يسقط وتتوحّد الألمانيتان، وأضع محلّها صخور بلادي الغالية في مكتبة "التذكارات" القيمة التي أحفظ فيها كنوزي وأسراري وتآريخَ العالم.
منذ كثير وكثير من السنوات، ظللتُ أحلُم بأن يتوحّد المصريون على حُلمٍ. مشروعٌ قومي نصطفُّ خلفه ويكون محورَ أحاديثنا ومادةَ ترقّبنا للغد. طالما حسدتُ الستينيين على اصطفافهم حول مشروع "السد العالي" الذي لم أعشه. كان المصريون من شمال مصر إلى جنوبها يتحدثون عنه، لهذا كان ذاك الجيل مثقفًا وممتلئًا لأنه كان "مشغولا" بحلم مصري. جيلي لم يعش هذه اللحظات ولا الجيل اللاحق، لهذا تفشّت الأمراضُ المجتمعية كالطائفية والتحرش والفوضى والكسل والشكلانية، لأننا "فارغون من الحلم". الآن، أصبح لنا حلمُنا الخاص، وآن لنا أن "ننشغل" بصناعة الغد الذي أثق أنه سيكون نقيًّا من تلك الأدران التي أهلكتنا، وأهلكتْ مصر.
شكرًا للفريق مهاب مميش، ولأصغر مهندس وعامل وجندي أنجز هذه المعجزة التاريخية لمصر وللمصريين. ويا جيشَ مصرَ العظيم، عِشْ أبدَ الدهر، احمِ ظهرَ مصرَ، وشيّدْ مستقبلَها، واصنعْ لنا الأمل. ويا مصرُ الطيبة، اغفري لنا واقبلي هديتنا.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على متن يخت المحروسة
- هالةُ الأموات … تُجرّم نقدَ ما فات
- صخرتان من أرض القناة
- بلحةُ المحب... قضية
- نفرتيتي.... جميلةٌ أتلفها الهوى
- على شرف علي الحجار
- يقول الدواعش... يقول المصريون
- هديتي للرئيس
- التكبير في ساحة الكنيسة
- لا تقتلوا الخيرَ... والتمرُ خيرٌ
- 30 يونيو رغم أنفكم يا هالوك الأرض
- الله يسامحك!
- فارسٌ وجميلة وبعض خيال
- ليه كده يا أم أيمن؟!
- لماذا أكتب في -نصف الدنيا-؟
- القرضاوي يفخّخ المصريين بالريموت كونترول
- أصعبُ وظيفة في العالم
- شركات الاتصالات: اخبطْ راسك في الحيط
- السراب
- وسيم السيسي... سُرَّ من رآك


المزيد.....




- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - هل تغفرين لنا يا مصرُ؟