|
هل تعرف طاعن نجيب محفوظ؟
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4911 - 2015 / 8 / 31 - 06:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل تعرفون اسم قاتل شاعر العرب أبي الطيب المتنبي؟ لا، إنما نعرفُ المتنبي، لأن قصائده تملأ الدنيا ولا يخبو جمالها مع القرون. هل مازلتم تذكرون الأميَّ الذي اغتال المفكر فرج فودة، أو حتى الشيخَ الذي آثمٌ قلبهُ أفتى بقتله؟ لا، إنما نعرفُ فرج فودة، لأن مشعله ما يزال وهاجًا رغم العقود. هل تعرفون شيئًا عن قاتل عالمة الذرة المصرية النابغة "سميرة موسى" في أحد وديان أمريكا الموحشة؟ لا، إنما نعرف سميرة موسى ونشعر بخسارتنا فيها وقدر ما كانت ستؤديه لمصر لو لم تغتلها يدُ الموساد الآثمة وهي في عمر الزهر. هل تعرفون اسم الكاهن الذي كفّر جاليليو وحكم عليه بالموت؟ لا، إنما نعرف جاليليو وطفراته المبكرة في علوم الفلك والفيزياء. هل يعرف أحدكم اسم شانق عمر المختار، المناضل الليبي النبيل؟ أبدًا، إنما نعرف المختار ونذكر مقولته العميقة: “سيكون عمري أطول من عمر شانقي". هل يعرف أحدٌ منكم اسم صالب الحلاج أو قاتل السهروردي أو الذي سحل هيباثيا من جدائلها والذين كفّروا ابن عربي وابن الفارض وابن رشد وابن المقفع ولسان الدين الخطيب ونصر حامد أبو زيد وطه حسين وغيرهم؟ لا، إنما نعرف جيدًا كل مَن سبق من رموز نيّرة في مدونة التاريخ، ولا نعرف شيئا عن قاتليهم الخاملين البلداء. وأكّد لنا التاريخُ بالفعل أن أعمارهم أطول كثيرًا من أعمار قاتليهم. هل تذكرون اسم البليد الذي طعن نجيب محفوظ بخنجر جهول في التسعينيات؟ هل تعرفون أسماء شيوخ الغفلة الذين أهانوا تراث الرجل وطالبوا بمصادرة رواياته؟ لا، لا نعرف طاعنه، ولا نعرف مُكفريه، لكننا نعرف جيدًا مَن هو نجيب محفوظ ونكاد نحفظ رواياته ونرى شخوصها كل يوم تعيش معنا، ونعرف أن اليوم 30 أغسطس يوافق الذكرى التاسعة ليوم مغادرته هذا العالم العنصري ضيّق الأفق، إلى حيث عالم آخر شاسع رحب، لا يضيق بالفكر المخالف، ويقدّر الفن الرفيع، ويحترم العقل، هدية الله الأولى للإنسان. ذات يوم من أيام القرن الثامن عشر، كان هناك صديقان ألمانيان كهلان يتمشيان في حديقة من حدائق مدينة "فيمار" الألمانية. أحدهما اسمه بيتهوڤ-;-ن، والآخر اسمه جوته. من بعيد، شاهد الصديقان موكبًا ملكيًّا قادمًا صوب الحديقة. وكانت التقاليد الملكية تقضي بأن يتنحى السابلةُ عن مواكب الملوك والأمراء وينحنوا حتى يمرّ أصحابُ السموّ الملكي. اتّبع الأديبُ الكبير صاحب "فاوست" البروتوكول وساير التقاليد الألمانية. فانتحى جانبَ الطريق، وهو يحني رأسه احترامًا للأمير. بينما لم يعبأ صديقه الموسيقارُ الكبير وضرب بالبروتوكول عرض الحائط. لم يتنحَّ عن الطريق ولم ينحن ولم يُخفض رأسه للأمير وهو يمرّ. إنما استمر في طريقه غير مبال بالموكب ولا بمن يحمله. ماذا فعل الأمير؟! لم يغضب ولم يثُر ولم يأمر رجاله بجزّ عنق الرجل قبل أن يُكمل سيمفونياته التسع، أنما ترجّل الأميرُ عن موكبه ووقف أمام بيتهوڤ-;-ن ثم انحنى قائلا بصوت مسموع للجميع: "نعم، حقَّ علينا نحن، أن نُحني الرأَسَ لبيتهوڤ-;-ن." هل تعرفون اسم ذلك الأمير المثقف الذي انحنى له العظيم جوته، ولم يعبأ به بيتهوڤ-;-ن؟ لا، إنما نعرف العظيمين: بيتهوڤ-;-ن وجوته، لأن أعمالهما الموسيقية والأدبية تملأ الكون شدوًا وفكرًا وبهجةً. للتاريخ مصفاةٌ قاسيةٌ حاسمةٌ لا تجامل أبدًا. تُسقط الحَصى البليد، وتُبقي الدرَّ الثمين. يذكر التاريخُ فرائدَ العظماء، ويمحو من مدونته النكراتِ الأفسالَ الذين قتلوهم أو كفّروهم أو أقاموا ضدهم دعاوى قضائية. لهذا نضحك في إشفاق حين يرفع البلداءُ ضدنا قضايا التكفير ويقضون أعمارهم في قاعات المحاكم في محاولات دؤوب لجرّنا إلى السجون. لأننا نعرف أننا موجودون حتى وإن قضينا نحبنا في عتمات السجون، بينما هم منسيون وإن عاشوا ألف عام. اليوم أتمّ الأديب نجيب محفوظ عامه التاسع بعيدًا عن صخب العالم، بعدما انحنى له العالمُ احترامًا حين حصد لمصر وللعرب نوبل الآداب عام 1988. تسعة أعوام لم ينسه أحدٌ، بينما نسينا منذ اللحظة الأولى أولئك الذين على عقولهم أقفالُها، ممن أهانوا اسمَه وتراثه الرفيع، وأفتوا بكفره وزندقته.
نجيب محفوظ، كل سنة وأنت وموجود. كل سنة وأنت أكثر وجودًا وحياة ممن أخفقوا في قراءتك وإدراك قيمتك.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صفر مريم النبيل
-
حزب النور، حاوي الحواة
-
طاووس حزين
-
هندوسٌ في الإمارات وأقباطٌ في مصر
-
مَن يذكر -فرج فودة-؟
-
قلب ابتهال سالم... عصفورة الجنة
-
رسالة إلى نقابة المحامين.. نقابة العظماء
-
الفارس -بدر عبد العاطي-
-
جمال الغيطاني، ستعيشُ ألفَ عام
-
سجّلْ يا زمان
-
رئيس الغلابة
-
قالت المحروسة
-
قبطانةٌ على صفحة مياه القناة
-
ماذا قال لي يختُ المحروسة؟
-
هل تغفرين لنا يا مصرُ؟
-
على متن يخت المحروسة
-
هالةُ الأموات … تُجرّم نقدَ ما فات
-
صخرتان من أرض القناة
-
بلحةُ المحب... قضية
-
نفرتيتي.... جميلةٌ أتلفها الهوى
المزيد.....
-
الخارجية الإيرانية تدين تدنيس المسجد الأقصى
-
شاهد/حاخام صهيوني يصدر فتوى بقتل أطفال غزة جوعًا: -لا رحمة ع
...
-
كاتبة إسرائيلية: من يتجاهل مجاعة غزة ينتهك التعاليم اليهودية
...
-
عاجل | بوليتيكو عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولم
...
-
منظمة التعاون الإسلامي تدين اقتحام المتطرف بن غفير باحات الم
...
-
البرلمان العربي يدين اقتحام المستعمرين بقيادة بن غفير المسجد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي تدين اقتحام -بن غفير- باحات المسجد ال
...
-
الرئاسة التركية: اعتداء إسرائيل على المسجد الأقصى مرحلة أخرى
...
-
تركيا تدين بشدة اقتحام بن غفير المسجد الأقصى
-
نادي الأسير الفلسطيني: استشهاد المعتقل أحمد سعيد صالح طزازعة
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|