أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - ماذا قال لي يختُ المحروسة؟














المزيد.....

ماذا قال لي يختُ المحروسة؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4892 - 2015 / 8 / 10 - 14:12
المحور: المجتمع المدني
    


الثانية ظهرًا. أقفُ الآن على ضفّة القناة الجديدة مع وفود المصريين وغير المصريين، وعند مشارف الحلم، أكاد أرى ملايين العيون وأسمع خفق ملايين القلوب المحبة لمصر تتابع عبر شاشات العالم، وننتظر، مثلنا، أن تشهد لحظة توقيع وثيقة بدء تشغيل قناة السويس الجديدة رسميًّا، لنعلن للعالم أننا بدأنا بالفعل الخطوة الأولى من مشوار طويل وشاق لكنه ممتع؛ لأننا سنصافح عند كل خطوة من خطواته صديقًا جميلا غاب عنّا كثيرًا، اسمه الغد المشرق. مشوار البناء الذي تأخر عقودًا طوالا، ملأناها بالفوضى التي أرهقت قلب مصر، والكسل عن تشييد ما تصدّع من الوطن، والتراخي عن صناعة هذا الغد، الذي يليق بمصر وتليق به.
ننظر في ساعاتنا بين اللحظة والأخرى حتى هلّت، عند الساعة الثانية ظهرًا، ذُرى سواري الأعلام المصرية التي تُكلّل هامات يخت "المحروسة"، العجوز بحسابات التاريخ، الشابُّ بحسابات الصِّبا والجمال. حينما اختار الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا اليخت بالتحديد، ليُعلن من فوق متنه افتتاح قناة السويس الجديدة، فكأنما كان يوجّه رسالة للمصريين، وللعالم، أنه رجلٌ يحترم التاريخ، ويعرف أن أمّةً بلا تاريخ، هي أمّةٌ بلا مستقبل. وكأنني أراهن على أن هذا الرجل ينتوي أن يُنقّي كتب التاريخ من الزيف والتحريف اللذين يعششان بين سطورها، فارتبك ماضينا، وارتبك حاضرنا، ولكننا مازلنا نمتلك فرصة ألا يرتبك مستقبلنا.
هذا اليخت العريق، الذي أبدًا لا يشيخ، رافق مصرَ في كل مراحل تاريخها الحديث. صافح سلاطين سلطنتها وملوكَ مملكتها وأمراءها واميراتها وأبناءهم، ورؤساء جمهوريتها، منذ مائة وخمسين عامًا، بدءًا من الخديوي إسماعيل، عاشق الفنون والأناقة، وحتى رئيس مصر الحالي، عبد الفتاح السيسي، الرئيس الجادّ الذي قال أمامي في لقاء الأدباء والمثقفين: "أمامنا خياران: إما ننجح، أو ننجح، ليس أمامنا بديل ثالث.”
هذا اليختُ الأنيقُ الرشيق ذو الطوابق الخمسة، الذي يتهادى الآن على صفحة قناة السويس الجديدة، يعرفُ أسرارَ مصرَ، أكثر مما نعرفها نحن من كتب التاريخ التي نصفُها مزوّرٌ، ونصفها مشكوكٌ في أمره. هذا اليختُ الجميل، الشابُّ رغم المائة وخمسين عامًا يحملها فوق كاهله، حمل أفراح مصر وهمومها، أكثر مما فعلت جميعُ أغانينا الوطنية التي نُمطِر بها مصرَ كل نهار، ومع كل مناسبة، دون أن نطبّق كلمة واحدة مما تحمل تلك الأغنيات من حماسة وعشق للوطن.
هذا اليختُ أحبَّ مصرَ في صمتٍ، كشأن العاشق الحقيقي. لا يعرف جعجعة المراهقين الذين يحبون من خارج قلوبهم فيكثرون الكلام ليُعوضوا صدوع الهوى. هذا اليختُ الطيب، يخبئ في صندوقه الأسود أسرارَ مصر وخبيئتها. أحزانها وأفراحها، انتصاراتها وهزائمها. فمثلما حمل أميرًا فارسيًّا شابًّا من أقصى الشرق إلى أرض مصر لكي يُزفُّ إلى عروسه الأميرة المصرية الجميلة، حمل ملكًا مصريًّا مهزومًا إلى منفاه الأخير في الغرب، ليموت غريبًا ووحيدًا. وبين كل تلك الرحلات فوق صفحات الماء حزنًا وفرحًا، لا نعرف ما يحمل قلبُ ذلك اليختُ من مشاعر. هل يبكي مع الباكين ويزغرد مع الفرحين؟
لكنني أعرف مشاعره الآن، في هذه اللحظة التي يحمل فيها رئيسَ مصر إلى منصّة الحفل الرئيسية ليقوم بتوقيع وثيقة بدء تشغيل قناة السويس الجديدة. تلك هي المرة الثالثة التي يشهد فيها هذا اليخت التاريخي على عُرس ميلاد القناة التي أحبّها منذ مولده، الذي سبق مولدها بأعوام قليلة، قبل قرن ونصف. أكاد أسمع قلبه يخفق مع قلوبنا، فرحًا مثلما نحن فرحين، ونحن نقسم أمام العالم، وأمام أنفسنا، كمصريين، على العمل الجاد، حتى لا تمرُّ لحظةُ فرحنا بتدشين القناة، مثل لحظات الفرح العابرة. أكادُ أسمع اليختَ الطيب يهمس في أذني: "نعم، أنا فرحٌ، مثلكم. فرحٌ لأنني أرى في عيون المصريين بوادر التصميم على نبذ الكسل والفوضى، اللذين دمّرا حبيبتي مصر. منذ كثير وكثير من السنوات، ظللتُ أحلُم بأن يتوحّد المصريون على حُلمٍ. مشروعٌ قومي يصطفّون خلفه ويكون محورَ أحاديثهم ومادةَ ترقّبهم للغد. أنا يختٌ عجوز، كما تعلمين. شهدتُ اصطفاف المصريين في الستينيات حول مشروع "السد العالي". كان المصريون من شمال مصر إلى جنوبها يتحدثون عنه، لهذا كان ذاك الجيل مثقفًا وممتلئًا لأنه كان "مشغولا" بحلم مصري. جيلكم لم يعش هذه اللحظات ولا الجيل اللاحق، لهذا تفشّت الأمراضُ المجتمعية كالطائفية والتحرش والفوضى والكسل والشكلانية، لأنكم "فارغون من الحلم". الآن، أصبح لكم حلمكم الخاص، وآن لكم أن "تنشغلوا" بتحقيقه وصناعة الغد الذي أثق أنه سيكون نقيًّا من تلك الأدران التي أهلكتكم، وأهلكتْ مصر.”



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تغفرين لنا يا مصرُ؟
- على متن يخت المحروسة
- هالةُ الأموات … تُجرّم نقدَ ما فات
- صخرتان من أرض القناة
- بلحةُ المحب... قضية
- نفرتيتي.... جميلةٌ أتلفها الهوى
- على شرف علي الحجار
- يقول الدواعش... يقول المصريون
- هديتي للرئيس
- التكبير في ساحة الكنيسة
- لا تقتلوا الخيرَ... والتمرُ خيرٌ
- 30 يونيو رغم أنفكم يا هالوك الأرض
- الله يسامحك!
- فارسٌ وجميلة وبعض خيال
- ليه كده يا أم أيمن؟!
- لماذا أكتب في -نصف الدنيا-؟
- القرضاوي يفخّخ المصريين بالريموت كونترول
- أصعبُ وظيفة في العالم
- شركات الاتصالات: اخبطْ راسك في الحيط
- السراب


المزيد.....




- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - ماذا قال لي يختُ المحروسة؟