أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أنا أغنى امرأة في العالم














المزيد.....

أنا أغنى امرأة في العالم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4932 - 2015 / 9 / 21 - 23:32
المحور: الادب والفن
    



من السخف أن يكتبَ الكاتبُ مقالاً عن عيد ميلاده! قد يكتبُ شاعرٌ قصيدة ليناجي تلك اللحظة الوجودية الفريدة الذي تحّول فيها من فكرة افتراضية تهيمُ في فضاء العدم، إلى وجود وجسد وروح يحملُ اسمًا، ويُحمَّلُ بأحلام مجموعة من الناس. فهذه أمٌّ تنتظر أن تكبُر وليدتُها لتحنو عليها في هِرمِها، وهذا أبٌ يأملُ أن يُدخله طفلُه باحةَ الخلود، وتلك طفلة تترقّب وقوف المولود على قدميه كي يلاعبها ويتحمل معها سخافات الكِبار. ينسج الشاعرُ قصيدته بخيوط فرح؛ لأن عامًا جديدًا قد زاده معرفةً وحياةً، أو بخيوط قلق لأن عامًا جديدًا قد اِنتُزِعَ من روزنامة حياته، ليُعجّل بموعد مغادرته هذا العالم، وعودته من جديد إلى دنيا العدم الافتراضية التي لا يعلم ماهيتَها إلا الله.
كشاعرةٍ، لم أكتب أبدًا قصيدةً عن عيد ميلادي. إنما اعتدتُ أن أتأمل الفكرة في صمتٍ، مثل آلاف الأفكار التي صدّعت رأسي ولم أبُح بها بعدُ للورق. كذلك ككاتبة. لم أكتب أبدًا مقالا عن عيد ميلادي. فمنذ امتهنتُ الكتابة الصحفية؛ نذرتُ قلمي "للعام" وليس "للخاص". فأنا أؤمن أن النافذة التي منحنيها اللهُ في الصحف، لأصافح عبرَها قُرّائي، هي لقرائي، لا لشأني الشخصيّ. أكتبُ بصفحات الرأي لخدمة وطني وقضايا وطني. أما شأني الخاص، فأنثرُ زخّاتِه من نافذة القصيدة، لا المقال. القصيدةُ لي، والمقالُ لكم.
فلماذا، إذن، ألحَّتْ عليَّ اليومَ رغبةُ الكتابة عن عيد ميلادي؟ إنما وددتُ أن أتأمل حال "الأديب" مع "المجتمع". كثيرًا ما نحزنُ، نحن الكُتّاب، حين نقارن حالنا بحال الفنان. الكاتبُ دائمًا في موضع النقد، والرفض، والاتهام، والمساءلة. عكس الفنان الذي يحصد تصفيق الناس وحبهم. الكاتبُ لا يكون نجمًا، إلا في دائرة ضيقة من محبي القراءة. بينما الفنان نجمٌ جماهيري ساطعٌ تطارده الأضواءُ ويتسابق الناسُ لالتقاط الصور التذكارية معه. كان الأديب الكبير "آرثر ميلر" يسير مع زوجته الجميلة مارلين مونرو، فيتساءل الناسُ: "مَن السيد الذي يرافقُ النجمة؟" الفنان محفوف بالحب، والكاتب محفوف بالتحفّز والعداء. الفنانُ يمتعضُ وتندهشُ إن صادف شخصًا لم يشاهد أفلامه. فيما الكاتب يستحي أن يسأل، حتى أقرباءه، إن كانوا قد قرأوا كتابه الأخير. الفنان يسير على البُسُط الحمراء فوق أعناق الورود، بينما يسير الكاتبُ التنويري على أرض موحشة مظلمة فوق أشواك التكفير والمروق إن طرح أفكارًا جديدة غير مُعلّبة، فتطارده قضايا الحِسبة، وقد يعرف طريق المعتقل أو يحظى برصاصة تستقرّ في رأسه المشاغب حتى يصمت. الفنانُ يثرى ويعيش الرغد في القصور ذات الحدائق، بينما الكاتب يعيشُ على الكفاف ويدقُّ الفرحُ قلبَه إن استيقظ في الصباح ليجد أن عود الياسمين النحيل في شرفته قد أورقَ زهرة صغيرة، ثم يدعو الله ألا يُقصف قلمُه. الفنانُ يتحدث مع أصدقائه عن بيت في لندن وشاليه على البحر، أو سيارة ڤ-;-ان لرحلات السفاري، بينما يشرُدُ الكاتبُ بين رفاقه وهو يُحصي ما في جيبه من جنيهات وما يتبقى ليكتمل قسط السيارة هذا الشهر. الفنان سعيدٌ بما حصّل من ثراء وحب وشعبية. والكاتب سعيدٌ بما حصّل من كفاف واستعداء وإقصاء. لكن، يوم عيد ميلادي قبل أيام، نظرتُ إلى الأمر نظرة مغايرة، ورحت أتأمل مفهوم الثراء والفقر، لأحدد موقعي بينهما، فاكتشفتُ أنني من أغنى أغنياء العالم.
أنْ يسهر صيدلانيٌّ مصري يعيش في أمريكا أيامًا سبعة، وهو يعاني من أوجاع مبرحة في عموده الفقري وساقيه، ليرسم وجهي بالفحم على لوحة مذهلة ليقدمها لي في عيد ميلادي، فذاك يعني أنني كاتبة ثرية. شكرًا نادر حنّا. أن ينفق فنانٌ ساعاتٍ من يومه ليصمم من أجلي ڤ-;-يديو يحمل صوري مع أغنية عيد الميلاد، فذاك يعني أنني ثرية. شكرًا بخيت فهيم. أن يدقّ جرس بيتي في الثانية عشر ظهرًا، لأجد جمهرة استثنائية من الأصدقاء والقراء والأقرباء يمزّقون الفضاء بصخب الزمامير والطبول ورذاذ الجليد والصواريخ والبالونات والطراطير الملونة والورود والضحكات والأغنيات والتورتات والهدايا الجميلة، فذاك يعني أنني امرأةٌ ثرية. شكرًا چولا وتوني وسالي وخالد وعمر وهدوء ومنى وچيهان وميما وعصام وأحمد وفيليب ومحمد ويوسف وهاني وچورچ وسماح وهدى وفادي وميرڤ-;-ت وفاطمة وأسامة ونبيل ومازن. أن أطفئ شموعَ خمس تورتات على مدار اليوم مع خمسة أفواج متعاقبة من الزوّار المفاجئين، فذاك يعني أنني بنتٌ ثرية. أن تصلني آلافٌ لا حصر لها من رسائل التهنئة من كل أنحاء العالم على بريدي وهواتفي وإيميلي وصفحاتي، فذاك يعني أنني أثرى امرأة في العالم.
كتب أجدادُنا الفراعنة على إحدى الجداريات: “كن كاتبًا، تكن على رأس العالم"، أما أنا فأقول: كن كاتبًا صادقًا، تكن أغنى أغنياء العالم.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسيحيو حزب النور
- بيان إلى السلفي ناجح إبراهيم من فاطمة ناعوت
- إحنا آسفين يا خروف!
- مرة واحد فكّر، طق مات ( حوار تليفزيوني مع كاتب)
- شهداءُ من أبناءِ زايد
- موت أمي
- طفلُ البحر... لا أحدَ يريده!
- دموع مريم، قضية أمن قومي
- لماذا يكرهون هذا الرجل؟
- هل تعرف طاعن نجيب محفوظ؟
- صفر مريم النبيل
- حزب النور، حاوي الحواة
- طاووس حزين
- هندوسٌ في الإمارات وأقباطٌ في مصر
- مَن يذكر -فرج فودة-؟
- قلب ابتهال سالم... عصفورة الجنة
- رسالة إلى نقابة المحامين.. نقابة العظماء
- الفارس -بدر عبد العاطي-
- جمال الغيطاني، ستعيشُ ألفَ عام
- سجّلْ يا زمان


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أنا أغنى امرأة في العالم