أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - صباحُ الخير يا زينب














المزيد.....

صباحُ الخير يا زينب


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4941 - 2015 / 9 / 30 - 03:20
المحور: الادب والفن
    


محظوظاتٌ زوجاتُ الشعراء! وهن كذلك أتعسُ الناسِ حظًّا!
محظوظاتٌ حين يرحلن في حياة أزواجهن الشعراء؛ لأن الخلودَ سيُكتَب لهنّ، وسوف يعشن، في قصائد أزواجهنّ، أعمارًا كثيرة فوق أعمارهنّ. مثلما عاشت "بلقيس" عقودًا طوالا بعد طيرانها للسماء، وسوف تعيش. ومثلما ستعيش "زينب" بعدما غادرت عالمَنا وغدرت بشاعرها وتركته وحيدًا. كذلك هنّ محظوظاتٌ في السماء. حيث خصّص اللهُ لهن أيكةً مخصوصةًفي الفردوس، يرتحن فيها من تعب الأرض، وإليها يتوجّه كلٌّ شاعر ليبحث عن عصفورته حين يصعد إليها.
ولكنهن أتعسُ الناس حظًّا، إن رحل أزواجُهنّ الشعراءُ عنهنّ أثناء حياتهنّ. لأن الشاعرَ، والفنّان بوجه عام، كنزٌ ثريٌّ من المشاعر والرؤى والخيال والتفرّد والجنون. إن مضى، لا تعوِّض خسارتَه كنوزُ العالم. إن طار الشاعرُ ما عاد في البيت عصفورٌ يشدو.
و لكنْ، فيما بين الحَظّين: الحَسَن إن رحلن باكرًا، والتعس إن تأخر رحيلُهن، تمتدُّ حياةُ زوجات الشعراء وتتواتر أيامُهن في مزيجٍ عاصفٍ متطرّف؛ يتأرجح بين الفرح الأقصى، والشقاءُ الأقصى، بين شلالات الدفء الغامرة، وعواصف الوجع الجارحة.
عليهنّ، أثناء الحياة، أن يتحملن جنونَ الشاعر ونَزَقَه وتحليقه الدائم وعدم سيره على الأرض مثل بقية خلق الله، ومثل ما عداه من الرجال. على زوجة الشاعر الصبرُ على فراشاتِ إلهامه التي تغزو مملكتَها وترفرفُ بأجنحتها فوق خِدْرها، وتقضُّ نُعاسَها بين الحين والحين. عليها أن تبتسم مع كل قصيدة يكتبها الشاعرُ في عينين عابرتين ليستا عينيها. وتنتظر، في حكمة أُمٍّ صبور، عودةَ الزوج من أعشاش عصافير الخيال إلى عُشِّها الخاص، وهي تربّت على أجنحة صغارها الحيارى وتهمسُ: لا تقلقوا يا عصافيري، غدًا سيعودُ الأبُ من رحلة قنص القصيدة، جالبًا لكم حبّات القمح ومكعبات السكّر. زوجة الشاعر حكيمةٌ بما يكفي لتعرف أن الشاعر حين يطارد عيني امرأة سواها، فإنما يطاردُ الشِّعر، ولا يبحث إلا عن قصيدة.

لكنْ، يحدث أن تتعب الزوجةُ وتقرر أن تخلد إلى الراحة. يحدث أن تطير الزوجة إلى السماء، إلى حيث تطير الطيورُ المجهدة لتبحث عن السكون بعد زلازل الهوى، وتجرب الراحة من عواصف القصيدة التي يطاردها الشاعرُ الحرون. فيرتبك الشاعرُ ويبكي زوجتَه كما طفل فقدَ السكنَ والأهل. ثم يبدأ في النزف. لكنه، كما طائر مالك الحزين، لا ينزف إلا وهو يغني. ولا يعني إلا وهو ينزف. فينزف شعرًا وقصائدَ.
قبل عقود طوال، طارت "بلقيس" الجميلة، زوجة الشاعر الحرون "نزار قبّاني"، فنزف عليها شعرًا يقول: "بلقيس/ لا تتغيبي عني/ فإن الشمس بعدك/ لا تضيء على السواحل/ ... أيتها الشهيدةُ/ والقصيدةُ/ والمطهرة النقية/ سبـأٌ تفتش عن مليكتها/ فرُدي للجماهير التحية/ يا أعظمُ الملكات/ يا امرأةً تجسد كل أمجاد العصور السومرية/ بلقيس/ يا عصفورتي الأحلى/ ويا أيقونتي الأغلى/ ويا دمعًا تناثر فوق خدّ المجدلية..."
وقبل أيامٍ قلائل، طارت عصفورةٌ أخرى إلى حيث أيكة زوجات الشعراء. “زينب الناغي"، زوجة الشاعر النبيل "شعبان يوسف". في سرادق العزاء، شاهدتُ في عيني الشاعر تلك النظرات الحائرة الزائغة التي تغشى العيون حين يفقد عصفورٌ بوصلته فلا يعرف إلى أين يطير، فيحطّ على أقرب شجرة مُجهدًا موجوعًا نازفَ القلب يقطرُ حروفًا دامعةً تتشكّل شعرًا.
على صفحته بفيس بوك بكى العصفورُ يقول: “يا زينب، أنا طلبتك الصبح على التليفون الأرضي وعلى الموبايل. أنتِ فين؟ ليه مش بتردى عليا؟ والنبى بلاش الحركات ده عشان أنا تعبان تعبااااااااان.”
ثم جاء الشعرُ يصرخ: “كلُّ شيء في البيت أصبح غريبًا/ الصباحُ والمساءُ والظهيرة/ الملاعقُ والسكاكين/ المطبخُ/ غرفةُ الصالون/ السريرُ الذي خلا/ ذلك المرح الفطريّ/ والروحُ التي لا تعرف اليأس/ ولا يوجد سوى ذلك الوحش المفترس/ كلُّ شيء اختلف/ فلا الأبيضُ ظلَّ أبيضَ/ ولا الأسود/ حتى السجاجيد التى كنت تسيرين عليها/ تمردت/ والورود تأخذ طريقها لتغدو أشواكًا وأظافرَ/ وأنا لم أعد أنا/ نفسى تضيع/ تستعصي على العودة إلى مقعدها القديم.
"أنا لم أعد أنا/ ووجهكِ/ يُطلّ من خلف الستائر/ أنتِ حاضرةٌ جدًّا/ وأنا الغائبُ/ أنا المشدوه/ أنا التائه والضائع والمشرد واليتيم الحقيقي/ أنا الصارخُ في بريتك الشاسعة/ أنا المقتول/ كل هذا الألم/ يتحرك دون أيُّ ضوابط/ ودون أيُّ مراعاة لشيخ في الستين/ ودون مراعاة لسيدة الدار التي ذهبت/ وتركت النوافذ مفتوحة للأبد.”
***

صديقتنا الجميلةُ، زينب الناغي، زوجة صديقنا الجميل الشاعر والناقد والمثقف "شعبان يوسف"، اذكرينا كما نذكرك، أيتها الوديعةُ عذبةُ الابتسامة نقية القلب. ويا شاعرنا النبيل، قلبي معك يا أجمل الشعراء وأرقى المثقفين.
ولكن الشاعر يسأل على صفحته: "إزاى هييجي العيد من غيرك يازينب؟". ولا أعرف بمَ أجيبه، لكنني أعرف أننا سنكون حولك ومعك لنسدَّ شِقًّا نحيلا من الفراغ الشاسع.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكارت الخائب
- أنا أغنى امرأة في العالم
- مسيحيو حزب النور
- بيان إلى السلفي ناجح إبراهيم من فاطمة ناعوت
- إحنا آسفين يا خروف!
- مرة واحد فكّر، طق مات ( حوار تليفزيوني مع كاتب)
- شهداءُ من أبناءِ زايد
- موت أمي
- طفلُ البحر... لا أحدَ يريده!
- دموع مريم، قضية أمن قومي
- لماذا يكرهون هذا الرجل؟
- هل تعرف طاعن نجيب محفوظ؟
- صفر مريم النبيل
- حزب النور، حاوي الحواة
- طاووس حزين
- هندوسٌ في الإمارات وأقباطٌ في مصر
- مَن يذكر -فرج فودة-؟
- قلب ابتهال سالم... عصفورة الجنة
- رسالة إلى نقابة المحامين.. نقابة العظماء
- الفارس -بدر عبد العاطي-


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - صباحُ الخير يا زينب