أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - عسل أسود














المزيد.....

عسل أسود


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4964 - 2015 / 10 / 23 - 14:26
المحور: الادب والفن
    


يتساءلُ المرء عن سرّ غياب البطولة النسائية عن الفيلم المدهش "عسل أسود"؟ أقصد خلوَّ الفيلم من عنصر نسائي يشتبك معه البطلُ في قصة حب. تلك مغامرة جسور، ومحسوبة من المؤلف. أما كونها "مغامرة"، فلأن المُشاهِد العربي، اعتاد أن ينتظر بشغف العنصر الأنثويّ الذي يشكّل "النُّصف الحلو" للعمل. وأما كونها "محسوبة"، فلأن الدلالة من وراء هذا "الإقصاء الأنثوي" خدم على نحو كبير فكرة الفيلم ورسالته فلسفيًّا.
إقصاء المرأة، وبالتالي تغييب عنصر العاطفة بين البطل، والبطلة، أخلى حلبةَ الصراع ليكون، النزالُ بين بلدين: أحدهما غولٌ عظيم، أمريكا، والآخر نامٍ متعثّر، هو مصر: الوطن. لو أن المخرج، جدلاً، قد نسج بالفيلم قصة حب نشأت بين البطل/ أحمد حلمي، وفتاة ما، ثم اختار البطلُ في الأخير أن يضحي بأرض الأحلام، أمريكا، ليختار البقاء في أرض الشقاء، الوطن، لربما ساور المشاهِدَ بعضُ شكٍّ أن قصة الحب وراء ذلك الاختيار "الصعب". لكن ذلك التغييب المتعمَد أفسح المجال للون آخر من الحب، أكثر رحابةً من حب رجل وامرأة. حبّ مجتمع كامل، بحُلوه الشحيح ومُرّه الشاسع، بعثراته ومحنه وأزماته. ذلك الإقصاء جعل الخيار بين أرضين. إحداهما مثالٌ للجدية والديمقراطية والنظام والنظافة واحترام حقوق الإنسان، والأخرى مثال صارخٌ، من أسف، لعكس كل ما سبق! فبدا النِّزالُ صعبًا، بقدر عبثيته، وبدا، من ثَم، الخيارُ عسيرًا، يقترب أيضًا من العبثية. لكن الوطن، بكل فوضاه وأزماته، وقسوته، انتصر في الأخير، لماذا؟ لأنه ببساطة: الوطن.
الوطنُ، بكل تناقضاته (يا كل حاجة وعكسها)، حاضرٌ في كل مشهد: السياراتُ الفارهة وعرباتُ الكارو، الأبراجُ الباذخة والبيوتُ الواطئة الفقيرة، الواجهاتُ البلّورية والمشربيات، الثراءُ والعَوَز، ثم الزحام الخانق، الملوثات بأنواعها: السمعية والبصرية والحسية والفكرية، وهلم جرا. هذا عن الوطن، أما الموطِن، فقد شاء الفيلمُ أن يكون حاضرًا دائمًا عبر اسم البطل: "المصري سيد العربي". (هل ثمة إشارةٌ ماكرة ما في هذا الاسم؟) أظن ذلك. ولو أنصفوا لسمّوه "سيد العالم"، ليتذكّر المواطنُ أن "المصريَّ" كان، ومفترض أن يظلَّ، أبَ التاريخ، على المستوى الحضاريّ والتاريخيّ والعلميّ. فهل من المعقول أن ذاك السيد "القديم" أمسى اليوم سائقًا يبتز الراكب عندما يكتشف جهله بالظرف الراهن، وسائسًا يعطي مواطنه حصانًا رديئًا ويحتفظ بالجيد للأجنبيّ، وموظّفًا مرتشيًا، وهاربًا من لغته إلى لغات لا يتقنها (fery good!)، و"الفهلوي" الذي لا يقول: لا أعرف، حينما يكون لا يعرف!
"المصريُّ" الذي يعتز بمصريته مُهانٌ. بل غدا ذلك الاعتزازُ نكتةً تثير الضحك. يردد البطلُ باعتزاز: "أنا مواطن مصري، وعندي حقوق مصرية!"، فيتحول إلى مسخرة، بينما تلك العبارة ذاتها ترتعد منها الحكوماتُ رعبًا؛ فقط إذا ما استُبدلت كلمة "مواطن مصري" بكلمات أخرى مثل: "مواطن سويسري- مواطن أمريكي"، الخ.
عشقُ الوطن في هذا الظرف التاريخي الصعب، عبّرت عنه بذكاء الشاعرة الغنائية الشابة "نور عبد الله"، عبر أغنية "بالورقة والقلم" التي صاحبت المشاهَد بصوت ريهام عبد الحكيم. كلمات تنفذ إلى عصب مشكلة المصري المُهان الذي لا يزال يعشق تراب بلاده رغم ما يلاقيه من عنت وجوع وقهر: "خديني 100 قلم/ أنا شفت فيكي مرمطة وعرفت مين اللي اتظلم/ ليه اللي جايلك أجنبي/ عارفة عليه تطبطبي/ وتركّبي الوشّ الخشب وعلى اللي منك تقلبي/ يا بلد معاندة نفسها/ يا كل حاجة وعكسها/ ازاي وأنا صبري انتهى/ لسه باشوف فيكي امل/ طرداك وهي بتحضنك/ وهو ده اللي يجننك/ بلد ما تعرف لو ساكنها والا هي بتسكنك/ بتسرقك وتسلفك/ ظالماك وبرضه بتنصفك/ ازاي في حضنك ملمومين/ وانتي على حالك كده".
"كأن البلد بقت قرافة كبيرة" جملة بليغة قالها هلال المصوراتي، لتلخص المفارقة. فالمصري اليوم يفرُّ "للحياة" في بلد آخر، ثم يعود "ليُدفَن" في وطنه!
عديد السلبيات يسددها الفيلمُ لقلب مصر: بدءًا بحفنة التراب التي يستنشقها البطل في أول لقاء له بالوطن، بينما يفتح رئتيه ليتنسّم عبير بلاده، فيباغته السعال. وليس انتهاءً بطفلة في السابعة ترتدي الحجاب، بل إن البطل/ الرجل، وضع حجابًا في أحد المشاهد نزولاً على طلب المتشددين الشكلانيين الذين اختزلوا الفضيلة في شَعر المرأة!
عبر كوميديا راقية، اعتدنا عليها في كافة أعمال أحمد حلمي، وإيقاع هادئ، رغم توتّر مواقف تدخل في حقل الكوميديا السوداء، وموسيقى نافذة أبدعها الموسيقار عمر خيرت، ولقطات كاميرا ذكية، وأداء جيد لفريق التمثيل، خرج الفيلم كأنه "مرآة ميدوزا"، التي سلّطها فريق العمل بقسوة إلى وجه الوطن، حكومةً وأفرادًا، كي يروا سوءاتهم وأغلاطهم، علّهم يصححونها.

فاطمة ناعوت
مجلة 7 أيام



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المال مقابل الكرسي
- جمال الغيطاني... خذلتني
- قانون مكافحة التجهيل العمدي
- هكذا الحُسنُ قد أمر
- ما العلمانية؟
- سجينة طهران
- السلطان قابوس والاستنارة
- حزب النور سنة 1919
- السيف والرمح والقرطاس والقلم
- المراجعات على نهج ناجح إبراهيم
- أرجوحةُ الخَدَر ودولةُ الحاجة
- الأوغاد لا يسمعون الموسيقى
- حوار شامل مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت حول التيارات المتطر ...
- صباحُ الخير يا زينب
- الكارت الخائب
- أنا أغنى امرأة في العالم
- مسيحيو حزب النور
- بيان إلى السلفي ناجح إبراهيم من فاطمة ناعوت
- إحنا آسفين يا خروف!
- مرة واحد فكّر، طق مات ( حوار تليفزيوني مع كاتب)


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - عسل أسود