أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - سوريا ومسيرة «الإنسان»














المزيد.....

سوريا ومسيرة «الإنسان»


طيب تيزيني

الحوار المتمدن-العدد: 4975 - 2015 / 11 / 4 - 08:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد تردّدت حين عزمت على الكتابة، قبل سنة تقريباً، تحت هذا العنوان. أما التردّد فكان مصدره أمران اثنان؛ الأول منهما يتمثل في كونه حالة معقدة تعودُ إلى ما يُعتبر انفصالاً للإنسان الاجتماعي الجديد عن بداياته البيولوجية. ويبرز الأمر الثاني في تعقيد البحث بهذا الموضوع؛ لضآلة مصادره ومرجعياته التي نحددها في الأدوات المعرفية والأدلة التاريخية، رغم الاقتراب تدريجياً من ضبط تحولاته التاريخية والمجتمعية والمعرفية والسيكولوجية. في ذلك المنعطف المعقد والثري تتبلور عوامل الانتقال من البيولوجي إلى المجتمعي الإنساني؛ وهي التي تجلت، فيما يرى علماء من القرن التاسع عشر، منهم فريدريك إنجلز، في ثلاثة عوامل كبرى وجامعة، هي القدرة على انتصاب الجسد، وتوافر استخدام الأصابع في لُجَّة العمل الإنساني، وأخيراً في تطور دماغي ملفّع بطاقة جديدة مركّزة من القدرة على ضبط الأشياء منطقياً ومعرفياً ونفسياً. في هذا التحول نسجّل توازياً وتقارباً وتفاعلاً بين الذات الإنسانية والعوامل المجتمعية المؤسّسة للموضوعية. ويبدأ التاريخ الإنساني، وتبدأ معه الصعوبات والتعقيدات وكذلك الحوافز وربما الضرورات لنشوء قدرات على ضبط الموضوعي وتحويله إلى إشارات ورموز وكلمات الخ؛ أما المجتمع البشري فينحو نحو تكامله في مساره التاريخي بأبعاده المتعددة، التي تجعل منه سياقاً بشرياً تاريخياً مفتوحاً.

تلك الأفكار كانت مدخلاً إلى فكرة حاسمة، تتجلى في أن الانتقال من البيولوجي الطبيعي إلى المجتمع البشري بدأ يمثل قطب الرحى في التحول البشري.


ذلك أولاً؛ أما الأمر الثاني فيتجسد في أن عملية التحول المذكورة لم تكن متماثلة في المناطق التي راح يتوضّع فيها. وقد ظهر ذلك خصوصاً في عملية التحول من الطبيعي البيولوجي إلى المجتمعي البشري، لكنه يظهر دائماً وفي كل المجتمعات والمناطق الجغرافية متساوياً أو متوازياً. لقد اكتسب ذلك التحول احتمالات مفتوحة تمثلت في التقصير أو في عدم التكامل والتقارب بين تجمع الكائنات الحية وفي مراحل انتقالها من البيولوجي الطبيعي إلى المجتمعي البشري. وهاهنا نكون قد وضعنا يدنا على الاختلافات اللاحقة التي ستظهر بين الحضارات هنا وهناك، الاختلافات التي تجلّت في نِسب التطور المجتمعي والذهني واللغوي وغيره.

وهنا نقول إن فرقاء من تلك الكائنات الحية المتعددة قاربت البنية الإنسانية، دون أن تندمج بها وتتوحد فيها. فالتحول من الحيواني إلى الإنساني لم تتح له إمكانات الاتساق العقلي والنفسي والعاطفي على نحو يحقق التحول بكيفيات متناسقة مع الممارسات المجتمعية الجديدة. وعلى هذا، فقد ظل العامل الثالث في الانتقال الناجز من البيولوجي الطبيعي إلى المجتمعي الإنساني، ضئيلاً وغير حاسم في البنية الدماغية. وهذا ما تجلى في المراوحة بين الوحشي من طرف والإنساني من طرف آخر.

لقد لاحظت ذلك شخصياً في سياق مساعدة المراهقين والمظلومين والمدانين وذوي المعتقلين والمخطوفين والمفقرين المذلين وغيرهم من الرجال والنساء والأطفال. فسمات من يقومون بمواجهة هؤلاء قريبة من سمات وهيئات ومظاهر الأفاعي القاتلة السامة. لقد ظهر في سياق ذلك الفعل الدّامي أن ثنائية الوجود والعدم في حياتهم هي أقرب إلى العدم: فأولئك بعد أن يقترفوا أشنع طرائق القتل والاستباحة والتدمير، يلجؤون لحرق ما تبقى من مظاهر الحياة الإنسانية، مجسدين تلك الثنائية لمصلحة الإماتة والتفجير والسحق.

وبذلك تدور دورة التاريخ البشري، والسوري من ضمنه، بمشاركة الوحوش الضارية في الوصول إلى موت محقق للسوريين؛ لكن في هذا وذاك، يتصاعد ضوء يكاد يتماثل مع شمس الحياة في وطن عريق يتجدد!



#طيب_تيزيني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «داعش» وفوكوياما و«الربيع العربي»
- يوم حشر سوري عالمي!
- الإرهاب يواجَه بالفكر
- من «البعث» إلى الفاشية الدينية
- ثورة الجياع في «الرستن»!
- مشروع عربي توحيدي
- جريمة صهيونية نكراء
- التنوير والأزمة العربية
- أرقام اللاجئين ومحنة السوريين
- وثيقة شرف وكرامة للسوريين
- سوريا: الحل السلمي والسياسي
- سوق «السُنّة»..المضحك المبكي!
- بيان في النهوض العربي
- هل هي «سايكس- بيكو» جديدة؟
- أربع سنوات هزت العالم
- «الربيع العربي».. الدين والسياسة
- نكون.. أو لا نكون!
- أدونيس.. مستسهِلاً ومختزِلاً
- العراق وتجسيد الاستبداد
- أوباما بين الجريمة والهزيمة


المزيد.....




- إسبانيا تنزل علمها من جزيرتين قرب مدينة الحسيمة شمال المغرب ...
- درعا : ملجأ الفارين من معارك السويداءْ جنوبَ سوريا
- الشرطة الألمانية تستخدم العنف وتعتقل متضامنين مع غزة
- صدامات جديدة خلال احتجاجات مناهضة للهجرة في بريطانيا
- العالم يزداد حرارة، هل تؤثر موجات الحر على أدمغة البشر؟
- كولومبيا: الحكم على الرئيس السابق ألفارو أوريبي بالإقامة الج ...
- برج حمود في بيروت.. زيارة إلى -أرمينيا الصغيرة-
- هجوم لقوات -قسد- بمنبج يخلف إصابات في صفوف الجيش السوري
- محللون: نتنياهو يرفض إنهاء مشكلة التجويع
- مطالب العمّال والمفقّرين لن تتحقق إلا بمزيد النضال الواعي وا ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - سوريا ومسيرة «الإنسان»