أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - ثمة حلم ثمة حمى ... قصة قصيرة















المزيد.....

ثمة حلم ثمة حمى ... قصة قصيرة


صلاح زنكنه

الحوار المتمدن-العدد: 4969 - 2015 / 10 / 28 - 08:25
المحور: الادب والفن
    


البيت الذي ولجته مشدوها مبهورا مرتبكا , متصنعا هدوءك وتوازنك هو بيتها , لقد جف ريقك وتعثرت كلماتك على لسانك وعجزت ساقاك عن حمل جسدك وأحسست بدوار في رأسك وكاد ان يغمى عليك لو لم تجلس على أقرب أريكة وأنت تسأل بخجل قروي :
- عفوا السيدة ايناس موجودة ؟
كنت تعرف أنها موجودة , لكنك كنت تبغي ان تتأكد من وجودك أنت في هذا المكان الباذخ الذي يشبه قصور القياصرة والملوك , او تكون ايناس سليلة هؤلاء ؟ أم أنك في حلم ؟ العمة العجوز أكدت لك ببشاشة وجودها في غرفتها العلوية , خمنت أنها قد تراقبك وأنت تتصبب عرقا , بينما هي تصفف شعرها الكستنائي , أو ترتدي أبهى فساتينها أو تضع لمساتها الأخيرة من زينتها ,
وحين أقبلت بثوبها الهفهاف هابطة السلالم بخفة ورشاقة , استكان قلبك قليلا ومع كل خطوة تخطوها على السلالم كانت خفقة من الهواء تزيح أذيال الثوب فيشرق بياض ما فوق الركبة , ودون أرادة منك أستقرت عيناك هناك , حيث ومضات الفخذين البضين الأسرين , وددت لو السلالم تمتد وتمتد الى ما لانهاية لو ريحا عاتية تعصف بالثوب عاليا عاليا , لكنك واريدت الرماد على الجذوة المتقدة في أعماقك , وكبحت جماح الرغبة المستعرة , ووقفت على قدميك مادا كفك لتحتضن كفها , تحسست ليونة الكف ودفئها بلهفة مشوبة بحمى .
- أهلا .. أهلا أستاذ
- شكرا لك
ثم التفت الى عمتها وحدثتها بنبرة فخر نبرة من عثر على لقيا ثمينة :
- هو ذا الكاتب الذي حدثتك عنه الأستاذ ..
قاطعتها العمة العجوز .
- تشرفنا , لقد حدثتني ايتاس عنك وعن كتاباتك كثيرا ...

*********************
في سيارة السوبر الفارهة التي انطلقت بكما بخفة الريح وهي تجلس خلف المقود المطرز بالدانتيلا الملونة وتلاعب خصلات شعرها بقلق بالغ , همست لك :
- هل تعرف من أكون أستاذ ؟
رفعت قدمها عن دواسة البنزين , فتبطأت السيارة وأنزاح الثوب قليلا عن ركبتيها فأتقدت جمرة الرغبة , الرغبة اللاهبة اللاسعة :
- أعرف أنك امرأة في غاية الرقة والشفافية والأنوثة .
ورغبت ان تقول , أنك امرأة مثيرة وشهية ولذيذة ...
- أنا زوجة العقيد هزبر !!!
قالتها ببرود قاتل كأنها توغل بنصل السكين في عمق الجرح الذي راح يشخب بالدم الساخن , هزبر كتلة من الحقد والكراهية والقسوة , العقيد هزبر بكرشه المندلق وعينيه الجاحظتين وشاربه المعقوف وسيل الشتائم والسباب ومسدسه الذي لا يتوانى عن استخدامه في أية لحظة
( حياتك رهن سبابتي ) .
هزبر الخنزير بطل سيناريو الرعب والعنف والكوابيس , هو نفسه زوج هذه الايناس ؟
أهي مصادفة ؟ مؤامرة ؟ لعبة مسلية أو خطرة ؟ هذه الايناس من جاءت ؟ وماذا تريد منك ؟ أتبغي الأيقاع بك ؟ ولماذا ؟
- مالك سكتت ؟
كانت قد أوقفت السيارة , ومالت نحوك ونهداها المكوران يكادان ان يقفزا من القميص , فاشتعلت ثانية تلك الجذوة في الاعماق , مددت يدك وفتحت باب السيارة وهممت بالخروج بالهرب , لكنها اوقفتك , أمسكت بك مسكة أم رؤؤم تخاف على صغيرها من السقوط , ولفحت رائحتها , رائحة جسدها المكتنز أنفاسك , فدهمك خدر لذيذ وثمة حمى ثمة حريق بدا يشب رويدا رويدا في كيانك كله , لترضخ لجبروت أنوثتها وأنت ترتجف كما لم ترتجف في أي
صقيع أي زمهرير , يا لهذه المرأة كأنها شخصية روائية أو سينمائية أو من الخيال المحض , وها أنت تفكر بمشروع كتابة قصة جديدة بطلتها ايناس .....
- سيدة ايناس ...
ضغطت على دواسة الوقود فانطلقت السيارة بأقصى سرعتها مجتازة السيارات
الأخرى في الشارع ...
- نادني ايناس فقط .
- حسنا يا ايناس , ماذا تبغين مني ؟
ضغطت باصبعها على زر التسجيل فانساب صوت فيروز هادئا دافئا .....
.... أنا عندي حنين .. ومابعرف لمين .....
- أبغي ان تثق بي ان تعرفني كما أعرفك .. أبغي تتخذني صديقة , رفيقة
وان شئت عشيقة , أبغي ان تهيم بي وتكتب عني ....
- أنت امرأة مجنونة .
- مجنونة جدا وبحاجة الى مجنون مثلك ...
تيقنت أن هذه المرأة مجنونة فعلا , أو ممثلة بارعة أو هي واحدة من اياهن صاحبة
كار مدسوسة عليك من ذلك الهزبر .
لقد جعلتك في حيرة وذهول هذه الايناس , امرأة غريبة , جمال وفتنة ولباقة وغنى
التقيتها قبل أيام في رواق الفندق اثناء حفل توقيع كتابك الجديد , وكان حضورها الباهر يضفي على المكان نكهة خاصة ويثير الأسئلة تلو الأسئلة , من تكون هذه المرأة ؟ فنانة ؟ صحفية ؟ بائعة هوى ؟ وكانت واثقة من نفسها , متبخترة بأنوثتها
وفتنتها وابهتها , ومدركة حجم حضورها وهي تستل بين حين وآخر سيكارة من علبة الكنت وتضعها بين شفتيها الكرزيتين وتشعلها أعتدادا ولا مبالاة وكأن العالم كله لا يعنيها بل كأن الحفل أقيم من أجلها وحدها , وهي ترمقك بنظرات حارقة خارقة كأنها سهام من نار, تجعلك تلوذ بالأوراق المتناثرة أمامك , وكنت أنت أكثر الحضور اهتماما واعجابا ومتابعة لهذه الحمامة التي حطت على شجرة وجدانك دون سابق انذار , حتى زادت من حيرتك واستغرابك في ختام الحفل حين أقبلت نحوك مباشرة وثمة ابتسامة رائقة ارتسمت على محياها وهي تحييك بعذوبة
( أشلونك أستاذ ؟ ) ثم تطلب توقيعك على نسختها من كتابك الذي بادرت بأقتنائه حال صدوره وتستسمحك بالأنفراد بك قليلا لتبلغك بشغفها بما تكتب وولعها بكتابتك الجريئة وأنها جاءت الى هنا خصيصا كي تلتقيك وتتشرف بمعرفتك ثم تتوسلك وتستحلفك بالله على ان توصلك بسيارتها الى المكان الذي تقصده حتى ولو كان في اليابان , وفي الطريق تعرض عليك أن تزورها في بيتها ( رجاء رجاء ) لتكتشف انها امرأة الجلاد الذي طالما لا حقك وطاردك ...
- أنا وهزبر منفصلان , مطلقان .
ولاحظت ثمة دموع تترقرق في مآقيها وتنهمر على وجنتيها .
- أنت حزينة من أجل ذلك ؟
ضحكت وضحكت بل راحت تقهقه حتى امتزجت دموعها بكحلها ومكياجها فاضطرت
لمسحها بالمحارم .
- أنت تسخر مني بالتأكيد ...
- أنا لا أسخر وأنما اتساءل ؟
- أرجوك يا ...
ها هي تخاطبك باسمك المجرد دون صفة أستاذ , وشعرت أن ثمة جدارا بينكما قد تهاوى .
- هل كان يحبك ؟
- وهل تعرف الوحوش الحب ؟
- أجل وأحيانا تحب بجنون .
- الا هزبر فهو وحش استثنائي .
- اذن لماذا تزوجتيه ؟
وضحكت ثانية واشعرتك بسخف سؤالك , فبادرتها بسؤال لاحق .
- وأين هو الآن ؟
- أحيل على التقاعد , أو بالأحرى طرد لتسببه بمقتل شخصين وهو الآن يتاجر بالـ .....
- والأطفال ؟ أعني أطفالكما ؟
- لا أطفال لنا ...
قالت الكلام بعصبية ونفاد صبر دون ان تنظر اليك وأضافت :
- وهذا أحد الأسباب الذي جعلني أطلب الطلاق .
- هذا يعني انه كان عقيما .
- غير مهم , المهم اني لم أنجب منه ...
كانت تتحدث متوترة موتورة وبدت السيارة كأنها على وشك الطيران وأحسست بأنك قد أحرجتها بهذه الأسئلة , فبادرت بالأعتذار الا انها قاطعتك بود :
- لا تأسف على شيء , أرجوك .
كانت شاردة حزينة قلقة طوال الرحلة , وكنت أكثر شرودا وقلقا وحيرة وها أنت تألفها كل الألفة وكأنك تعرفها منذ سنين طوال , أمسكت بكفها كما تمسك بعصفور جريح ...
- ايناس ... هدئي من روعك وابطئي من سرعة السيارة , كي نجلس في مكان ما ونتحدث بهدوء ...
وأدركت بأنها امرأة رومانسبة , عذبة , رقيقة , مكلومة وأنها ترتعش , وبغتة داست على الفرامل وأركنت السيارة جانبا , وأرتمت على كتفك وراحت تجهش في البكاء , وشعرها الكستنائي منسدل على صدرك , مسدت على شعرها بحنو , رفعت رأسها واحتضنتك بألتياع وهي تهمس :
- أحبك ...
بمحاذاة سيارتها تماما , لمحت سيارة فارهة يطل منها وجه مكفهر بعينين جاحظتين وشارب معقوف وفوهة مسدس وضجيج اطلاقات ورذاذ الدم يتناثر على وجهك وقميصك وووصمت .
1991



#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لكنها بعيدة ... قصة قصيرة
- قصتان قصيرتان
- لعنة الحمام ... قصة قصيرة
- أنهم يبيضون ... أنا أبيض أيضا ..... صلاح زنكنه
- القيد ... قصة قصيرة
- عام الخروف ... قصة قصيرة
- حفنة تراب ... قصة قصيرة
- جثث لا تعنينا ... قصة قصيرة
- الصمت والصدى ... قصة قصيرة
- الخنزير ... قصة قصيرة
- التماثيل ... خمس قصص قصيرة
- سأقتل الجنود ... قصة قصيرة
- واقع حال العراق الآن
- الظاهرة العنفية في الاسلام
- بلاد موحشة
- متواليات عراقية
- زواج عرفي
- المقدس والمدنس
- علامات خراب الدولة المدنية في العراق
- ساسة العراق الجدد


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - ثمة حلم ثمة حمى ... قصة قصيرة