أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - الصمت والصدى ... قصة قصيرة














المزيد.....

الصمت والصدى ... قصة قصيرة


صلاح زنكنه

الحوار المتمدن-العدد: 4960 - 2015 / 10 / 19 - 17:06
المحور: الادب والفن
    


منذ اللحظة التي أقتحم فيها عيادتي أيقنت أنني أمام شخص غير أعتيادي شخص استثنائي
خلته للوهلة الأولى طبيبا جاء يستشيرني بشأن العيادة الشاغرة جنب عيادتي , خصوصا وهو يضع نظارة طبية على عينيه ويتأبط كتابا سميكا وتعلو سحنته مسحة من الحزن الشفيف ويبدو رجلا أنيقا في الأربعين من العمر وهو في غاية القلق رحبت به ببشاشة وبادرته ان كان ثمة خدمة أسديها له , استل سيجارة واوقدها مرتبكا وراح يدخن على مهل ويسرد لي مراجعاته الكثيرة لأطباء مختصين على شاكلتي في الأنف والاذن والحنجرة ولم يسعفوا حالته , وهذه المرة وقع خياره عليّ , لكوني طبيبا ناجحا وجراحا ماهرا حسب قوله , وطلب مني ان اجري له عملية جراحية لازالة طبلتي اذنيه كي يخلص من محنته , محنة الطنين , تسألت بأستغراب :
_ أي طنين ؟
قال : طنين الرياء , رياء الأخرين .
وزعم أنه جد مرهق وجد منهك جراء هذا الطنين وما يسببه له من ضجيج وضوضاء في تلافيف دماغه , وحدثني بأسهاب عن نظرية الصمت والصدى
وما يتمناه بالضبط هو الصمت المطبق صمت بلا صدى , لأن صدى الأصوات المتقاطعة والمتداخلة يصيبه بالدوار ويهد أعصابه حد الأنهيار , وحين طلبت الكشف عليه واجراء بعض الفحوصات له لمعاينة حالته , رفض بشدة أوصيته بمراجعة طبيب نفساني ليوصف له بعض المهدئات قهقه ساخرا من كلامي وقال أنه شخص سوي ورجل مثقف ولا يشكو في حقيقة الأمر من أعراض فصامية أو عصابية وأنه ليس مجنونا كما يخال لي , وأن راحته وسعادته رهن يدي البارعتين , حسب تعبيره .
أخبرته أن ما يطلبه هو المستحيل بعينه , وهو جريمة بحقه وحق شرف المهنة التي أمارسها وأكدت له أن فقدان السمع يؤدي بالنتيجة الى فقدان النطق , قال أن هذا الأمر لا يقلقه كونه أعتاد الأمتناع عن الكلام , لكن مشكلته تكمن في عدم قدرته على الأمتناع عن الأستماع مرغما الى الكثير من اللغط والهراء مما يقض مضجعه ويعكر صفو حياته , وأكد على تحمله كافة التبعات والعقابيل ان طاوعته في مسعاه , وأن جل ما يبغيه هو الصمت التام , لايريد أن يسمع أي صوت أية كلمة , أية نأمة , لأنه يعاني من جعير المغنيين وصراخ الباعة وتشاتم السوقيين وتوسلات المتسولين وينفر من نعيق المؤذنين ونشرات الأخبار والأعلانات المزيفة والقصائد العجفاء .
ولما حاولت اقناعه بشتى السبل للكف عن هذه الهلوسات السمعية , قذف آخر سيجارة على الأرض ودعكها بقدمه وغادرني غاضبا محتجا , وأنا كلي حيرة وأسى , وألفيت نفسي وحيدا وصدى كلماته يرن في ذهني كما الناقوس ليتحول الى طنين هائل سرعان ما اشتد بمرور الوقت .
وشيئا فشيئا رحت أسمع صدى أصوات متداخلة .... أنين المرضى وزعيق الصبيان ونهيق الحمير وزئير الخطباء وجعجعة الشعراء تخترق أذنيّ , حتى بات الصخب يفقدني صوابي ورحت كالملسوع أعدو خلف ذلك المعتوه الذي أورثني طنينه , كي أدرك علته وعلتي الا أنه أختفى في زحام الشارع الذي ضج بالضجيج والضوضاء .

1999



#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخنزير ... قصة قصيرة
- التماثيل ... خمس قصص قصيرة
- سأقتل الجنود ... قصة قصيرة
- واقع حال العراق الآن
- الظاهرة العنفية في الاسلام
- بلاد موحشة
- متواليات عراقية
- زواج عرفي
- المقدس والمدنس
- علامات خراب الدولة المدنية في العراق
- ساسة العراق الجدد
- رمضانيون بلا حدود
- الأسلام والنكاح
- وخزات في صميم الوجع العراقي
- الجنة موحشة جدا
- صلاح زنكنه
- خليل
- ((المسجد بيت الله)) قصيدة للشاعر الكردي قوبادي جلي زاده
- القمني وهزيمة المثقف الأعزل


المزيد.....




- تحديات جديدة أمام الرواية الإعلامية حول غزة
- وفاة الفنان السعودي حمد المزيني عن عمر 80 عامًا
- حروب مصر وإسرائيل في مرآة السينما.. بطولة هنا وصدمة هناك
- -لا موسيقى للإبادة الجماعية-.. أكثر من 400 فنانا يعلنون مقاط ...
- الأوبرا في ثوب جديد.. -متروبوليتان- تفتتح موسمها بعمل عن الأ ...
- الصّخب والعنف.. كيف عالج وليم فوكنر قضية الصراع الإنساني؟
- تايلور سويفت تعود لدور السينما بالتزامن مع إصدار ألبومها الج ...
- تجمع سوداني بجامعة جورجتاون قطر: الفن والثقافة في مواجهة مأس ...
- سوار ذهبي أثري يباع ويُصهر في ورشة بالقاهرة
- جان بيير فيليو متجنياً على الكرد والعلويين والدروز


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - الصمت والصدى ... قصة قصيرة