|
عن ظاهرة مجّانيّة الخدمات ، في قطاع الصحة الحكوميّ
عماد عبد اللطيف سالم
الحوار المتمدن-العدد: 4952 - 2015 / 10 / 11 - 04:12
المحور:
الادارة و الاقتصاد
عن ظاهرة مجّانيّة الخدمات ، في قطاع الصحة الحكوميّ
تُلخّصُ صالات الطواريء في المستشفيات العراقية ، حال العراق بأسره .. اجتماعياً ، و سياسياً ، واقتصادياً ، وإداريّاً .. وصحيّاً بالطبع . انّ ما يحدثُ في هذه الصالات .. يختصرُ كلّ شيء . في هذه الصالات .. تجدون الحقيقة . الحقيقة التي لا يريد أحدٌ من المسؤولين أن يصارحكم بها ، من أجل خدمة صحيّة أفضل ، في هذا الجزء من المستشفيات ، الذي يكتظُّ بالمراجعين طيلة الوقت . لا تتقاضى المستشفياتُ أجرةً ، أو " رسماً " مقابل الدخول الى هذه الصالة لتلقي العلاج . إنّها تمنحك تذكرةً للدخول ، يقوم على تنظيمها موظفٌ يقوم بتسجيل البيانات المطلوبة . وعندما تسألهُ عن ثمن هذه الخدمة ، يقولُ لك ان لا رسمَ مُقابل هذه الخدمة .. وأنّ التذكرة مجانيّة . عجيب . أنت الذي تتعجّبُ ، وتسألُ لماذا .. وليس موظفُ قطع التذاكر .. الذي لا يعرفُ بماذا يُجيب . و هذه هي أولّ عجائب الدخول الى هذه الصالة ، بالنسبة لأمثالي من " الطارئين " ، المُتَعجّبين دائماً .. و الذين لا يعرفون شيئاً عن هذا العالم الذي يعيشون فيه ، غير مباديء الأقتصاد السخيفة ، و قصّة الكلفة - العائد الخرافيّة ، التي لا يشتريها أبسطُ الناس ، و " أرفعَهُم " مَنْصِباً .. بفلسين . و تدخلُ الى الصالة .. وتجد الأطباء النبيلين .. و يقومُ الطبيب بفحصٍ جيّد ومتكامل .. ويطلبُ أجراء تخطيطٍ للقلب . ويقومُ المُمرّضُ الوحيد ، في الصالة المُكتظّةِ بعشرات المرضى ( ومرافقيهم الأكثر عدداً منهم بكثيرً .. وبنسبة 1 مريض / 3 مرافقين على الأقلّ ) .. بإجراء التخطيط المطلوب بسرعة وبكفاءة .. و بجهازٍ تبيّن لي فيما بعد ، أنّهُ أحدثُ وأكثرُ دقةً في نتائجه من أجهزة تخطيط القلب التي يستخدمها القطاع الطبي الخاص (ومع ذلك .. فأنّ أحداً لم يقُم بمسح الغبار عنه منذ ثلاثة أيامٍ على الأقل ) . وعندما تسألُ المُمرّض عن كلفة تخطيط القلب .. يجيبك المُمرّضُ أنّ لا كُلفة على المريض مُقابل تقديم هذه الخدمة ( التي يتمّ اجرائها للمريض مرّتين خلال ساعتين ) . عجيب . أنت الذي تتعجّبُ ، وتسألُ لماذا .. وليس الممرّضُ الذي يقوم بإجراء تخطيط القلب ، لمرّتينِ خلال ساعتين ، و على أفضلٍ وجهٍ ممكن ، وبأحدثِ جهازٍ لتخطيط القلب .. و الذي لا يعرفُ بماذا يُجيب . و يكتبُ الطبيبُ العلاج اللازم .. وتذهب للصيدليّة .. وتجدُ العلاج .. وتسألُ عن ثمن الدواء .. فيجيبك العامل في الصيدلية : أنّ لا ثمن لهذا الدواء .. وهو مجّانيٌّ أيضاً . عجيب . أنت الذي تتعجّبُ ، وتسألُ لماذا .. وليس العاملُ في الصيدلية .. الذي لا يعرفُ بماذا يُجيب . ومع ذلك .. فأنّ هذه " المجّانيّة " أمرٌ عجيب . قوموا بفرض رسمٍ مقداره 1000 دينارٍ على كلّ تذكرة دخول ( باستثناء ضحايا العمليات الأرهابية ) . و نظّموا ذلك بقانونٍ ، وتعليمات واضحةٍ ، و صارمةٍ ، ومُلزمةٍ للجميع .. وأشتروا بالعائد شراشف وأغطيةً تُستخدم لمرّةٍ واحدةٍ فقط .. وأستروا بها عورات أسرّة المرضى الملطّخة بكل انواع البُقع و " الطُكَع " . شراشف وأغطية ، تُعوّضُ الناس عن مشقّة حِمل بطانيّات الأسى ، مع مرضاهم .. و لا تُحوّلُ صالة الطواريء إلى " معرَضٍ " للبطانيّاتِ المتعدّدة الألوان . اشتروا بالعائد أيضاً .. " ديتول " . و قاتل للذباب الذي يملأ الصالة .. وخصّصوا جزءاً منه كحوافز للعاملين ، وبالذات للممرضين والممرضات الذين يُطاردهُم ذوو المرضى المرعوبين ، وهُم يتنقّلونَ ، كنحلٍ مذعورٍ ، من سريرٍ إلى سرير . افعلوا ذلك .. ولا تتركوا الأطباء - الشباب - الرائعين - المُتعبينَ .. وحدهم .. في صالة الخُذلان المُدهشة هذه . هل تعرفون ما هو سعر القطعة الواحدة من الأغطية والشراشفِ ، وثياب المرضى " النبيذة " بسعر الجملة ؟؟ إنّها بضعةُ سنتاتٍ فقط .. في بحر دولارنا الهائج .. والمهدور . إنّ 1000 دينارٍ ، هي أكبرُ من كُلفتها بكثير . هل القيامُ بأشياء كهذه ، صعبٌ عليكم إلى هذا الحدّ ؟ لماذا تُفرّطونَ بأفضل ما تقدمونهَ من خدماتٍ في هذا الظرف العصيب .. بسبب عدم قدرتكم " ماليّاً " على توفير المستلزمات المناسبة ، لمثل هذا النوع " الحسّاس " من الخدمات ؟ لماذا تبخسونَ الناسَ أشياءها .. وهؤلاء الناس هم ناسُكُم : أطباء و ممرضين ، وممرضات ، وعاملين ، وعاملات ؟ . وإن لم يكن هذا من ضمن صلاحياتكم ( وأنا و غيري نعرف هذا تماماً ) .. فقولوا للناس أنّنا نفعلُ ما بوسعنا ، وأنّ بعض التقصير لا يقعُ على عاتقنا وحدنا .. وأنّنا نُطالبُ بـ " إصلاحات " ماليّة وإداريّة بسيطة ، ولكنها مهمّةٌ في تأثيرها علينا ، وعليكم .. ولكنّنا لا نجدُ من يسمعنا .. ولا نجدُ من يُجيب . قولوا ذلك للناس . هل قولُ ذلك للناس ، صعبٌ عليكم ، إلى هذا الحدّ ؟
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة اقتصادية للمقاربة والمنهج والسياسات التدخليّة لتحقيق ا
...
-
قانون تقاعد خام برنت
-
في هذا المساءِ المُلَفّق
-
شيءٌ من الأسف .. في سيرة الأسف العظيم
-
مثلُهُم .. تقتلني الأسئلة
-
عندما نذهبُ أنا و أمّي .. إلى الجنّة
-
أعداءُ أمّي .. وأعداءُ الحكومة
-
كوليرا .. كوليرا
-
جورج الوحيد
-
شهيق .. شهيقٌ عميق
-
أنا اتذكّركَ الآن . أنا أراك
-
عندما يبقى مكانكَ فارغاً .. في قلبِ روحي
-
أمّي .. في العيد
-
العيدُ نساءٌ .. و مُدُن
-
إي والله .. وهاي هيّة !!!!
-
في العيد .. في العيد
-
بغداد .. كاتيوشا
-
كاتيوشا
-
بغداد .. كوليرا
-
رائحةُ الياسمين .. التي تملأُ السيّدة
المزيد.....
-
تباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي وارتفاع معدلات التضخم بالربع الأ
...
-
انخفاض أسعار مواد البناء اليوم الخميس 25 أبريل 2024 في الأسو
...
-
نمو الاقتصاد الأمريكي 1.6% في الربع الأول من العام
-
بوتين: الاقتصاد الروسي يعزز تطوره إيجابيا رغم التحديات غير ا
...
-
الخزانة الأمريكية تهدد بفرض عقوبات على البنوك الصينية بزعم ت
...
-
تقرير: -الاستثمارات العامة السعودي- يدير أصولا بنحو 750 مليا
...
-
البنك الدولي: توترات الشرق الأوسط تهدد التقدم العالمي بشأن ا
...
-
معضلة الديون في فرنسا.. وكالات التصنيف قلقة ونظرتها سلبية
-
أرباح بنك -أبوظبي التجاري- ترتفع 26% في الربع الأول من 2024
...
-
البنك الدولي: توترات المنطقة تهدد التقدم العالمي بشأن التضخم
...
المزيد.....
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
-
جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال
...
/ الهادي هبَّاني
-
الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية
/ دلير زنكنة
-
تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى
...
/ سناء عبد القادر مصطفى
-
اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك
/ الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
المزيد.....
|