حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1351 - 2005 / 10 / 18 - 10:17
المحور:
الادب والفن
اللا قانون في الأسرة والمجتمع_ثرثرة من الداخل
ما الأثر الذي يتركه غياب القانون على الشخصية وعلى المجتمع؟
لا يختلف أهلي كثيرا عن بقية الأسر السورية, يعتقد والداي أنهم قدموا المثل النموذجي في التربية الصالحة لأبنائهم ولمجتمعهم, ويدركون بنفس الوقت جوانب قصورهم الشخصي وأحيانا يعترفون بذلك صراحة. فيما يخصني وأنا على أعتاب العقد السادس, ما زلت أصارع تركتهم البائسة, الأخلاقية بالدرجة الأولى, مشكلتي الأساسية مع حاوية القوانين الأخلاقية التي لا تصلح لا للعيش ولا للإبداع, وقد زرعها أبواي في أعماق شخصيتي لتتكفل بعدها أجهزة ومؤسسات الدولة السورية في إيصالها إلى نتيجتها الطبيعية, شخصية اكتئابية مفككة تفتقر إلى قانون أساسي ينظم الشخصية ويوحّدها, مع نقص خطير في درجة التقدير الذاتي ونتاجه المباشر في العداء للآخر, القريب أو البعيد, مع ما يضمره من تعصب وطغيان انفعالي أو"جفاف عاطفي".
في منزل طفولتي كان القانون الثلاثي(التحريم والمنع والعشوائية) عمود البيت وسقفه, تحريم شامل لأي كلام في الدين والجنس والسياسة, منع صارم لأي تجريب, الغريب والمجهول من أعمال الشيطان, وكلمة بدعة مرادفة للشناعة الفظيعة, وثالثة الأثافي تكتمل مع العشوائية المطلقة في اللعب واللهو وكذلك في المكافأة أو العقاب, لا نعرف لماذا نكافأ أو نعاقب, والأهل أنفسهم كانوا خاضعين لنزواتهم ووجدانهم الطفلي الضيق, يحركهم الواقع النفسي المجهول ,مع العلاقة بالخارج السيئة أغلب الأوقات.
أهلي فات زمن مساعدتهم أو تغييرهم أو إصلاحهم, وأعتقد أن في قبولهم كما هم عليه إنجاز إبداعي على الصعيدين الإنساني والاجتماعي, وتبقى تركتهم وآثارهم المشكلة المتنقلة عبر القرون, والمشترك في تلك التركة تخريب العالمين الخارجي والداخلي للشخصية وللمجتمع, هذه الحقيقة المرة التي لا أجد أمامي سوى الصراع اليائس معها.
*
في المساء يكون لدي قناعة راسخة بصحة وصوابية ما أقوم به وخصوصا بعد كأسين, في الصباح ألتقي بشخصية أخرى, ما كتبته كان زبالة وكلام سخيف, وما عملته هو الشناعة التي تستحق الخزي والندم, نعم حتى اليوم ما زلت أفكر بالانتحار, صحيح خفّت تلك القسوة بعض الشيء, وصرت أقبل النقد والاختلاف من المقربين, وأتقبل بعض النقص والتناقض في ممارساتي, لكن "الأنا العليا" ذلك الجلاّد الرهيب الذي تركه الأبوين في أعماقي, ما زال ينغّص عليّ عيشي ويدفعني إلى الجنون.
المشكلة أنني أعرف أن معرفتي نسبية وناقصة ومجرد شذرات, شيء بسيط من كل شيء, تمنعني من محاولة التعلّم الفعلي بشكل جاد وجديد, وتمنعني بالمقابل من الاستقرار الذي يمنحه الاعتقاد بالمعرفة المؤكدة.
القانون الغائب في أسرتي وفي مجتمعي ودولتي السورية, لا يمكنني الاستغناء عن وجوده, وليس بمقدوري صياغة قانوني الشخصي, فكيف بممارسته واحترامه؟!
مضى على زواجي أكثر من عشرين سنة, ولا أعرف حتى اليوم عن المرأة السورية ومنها زوجتي وأمي وأخواتي وصديقاتي, ما تحب.. ما تكره.. ما تخاف.. ما تحلم به.. ما تحترمه فعلا.. وما تنبذه فعلا...., أكثر مما يعرفه ولد في العاشرة أكان من سكان العاصمة أم من الضواحي والأرياف. لا أعرف فعلا.
مضى على ابتعادي عن الله والدين أكثر من ربع قرن, وما أعرفه عن الخير والشر والخطأ والصواب والمناسب والمرفوض, ليس سوى النزر اليسير إن تكلمت بصدق.
وأما السياسة(التي تحقق مصالح الأكثرية) للأسف وعلى خلاف ما سبق لدي شبه قناعة, بأن بلادي بكاملها سلطتها ومعارضاتها وشعبها, نصيبها منها أقلّ من نصيبي من اليقين. ولهذا السبب تقتصر أرائي السياسية على الأسس:استقلال القضاء, التعليم المفتوح, حرية الإعلام بلا شروط, احترام حقوق الإنسان كما تنص عليها شرعة حقوق الإنسان حرفيا ولا نحتاج لإعادة اكتشاف العجلة.
ولأنني كما بدأت, أفتقر لقانون أساسي موحّد لشخصيتي وحياتي, أظن صيغة الكتابة التي تناسبني, هذه الثرثرة المستمرة بما فيها من فجاجة أو ركاكة. ومع معرفتي واعترافي بأنني شخص متناقض بشكل مأساوي: ملتزم وخائن, بخيل ومبذر, متزمت وإباحي, شهوني وزاهد..., أظن السبب الجوهري في ذلك غياب القانون الواضح والمحترم عن أسرتي وعن مجتمعي ودولتي السورية, ولو كان لدي أبناء( مؤخرا تنتابني رغبة جامحة أحيانا بالإنجاب) لكان أكثر ما أرغب بتقديمه لهم, قانون واضح ومحدد للمنزل والأسرة وأحترمه قبلهم.
*
التحريم والمنع والإكراه وجميع الممارسات التي يتم فرضها بالقوة من الخارج, لا علاقة لها بالقانون كما أعتقد, على العكس تماما, القانون الموحّد للشخصية ينبع من الداخل ويفتح آفاق الحرية الشخصية ولا يضيّقها. جسر الأنا للعبور فوق الخوف والقلق وفوق الغباء الأخلاقي و النفاق الاجتماعي, هذا القانون الذي يتمثل بالدور المناسب للأب, ويفتح الأبواب الجديدة, بدلا عن الاختناقات والمآزق, أمام المبادرات الإبداعية على الصعيدين الفردي والمشترك, هو ما يسمح بتكّون دور القيادة في تحصيل إبداعي للإصغاء والرؤية والاقتراح, ليكتمل بالوصول إلى القرار المناسب للجديد الذي هو في طور التشكل دوما. هذا الحيّز هو الموقف الشعري, بضموره يسود الطغيان الانفعالي وصولا إلى الجفاف العاطفي, وفي تفتّحه يحصل الكائن على كنزه الحيّ المتجدد بلا زيادة أو نقصان.
حصتي في الوجود, حصتي مع الكنز, أهدرها الأهل والسلطات بتحالفهم الشيطاني مع ثقافة الموت, حيث يخرج المسخ من الأغوار السحيقة في النفس وفي اللغة, وتصبح القضية فعلا أن أكون أو يكون, لتتكامل مع نظرة شكسبير المشعّة عبر القرون:
أنت التقيت بما يولد
وأنا التقيت بما يموت.
صباح الخير يا وردة الكينونة....
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟