أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عجيب - ثرثرة من الداخل(2) تحت الشخصية














المزيد.....

ثرثرة من الداخل(2) تحت الشخصية


حسين عجيب

الحوار المتمدن-العدد: 1305 - 2005 / 9 / 2 - 11:47
المحور: الادب والفن
    


1
تحت الشخصية
حتى في لعبة الشطرنج من الصعب معرفة الخطوات الأولى, التي تتسبب بالضعف اللاحق ثم الخسارة المحققة في الأدوار النهائية. في الحياة لا يمكن معرفة ذلك بشكل دقيق أبدا, نكتفي بالخطوط العامة التي تمنح وهم المعرفة, ومع الكثير من الحظ والمناخات الملائمة, يمكن زحزحة اليقين الجاهل بعض الشيء, لنكتسب خبرة من هنا ومهارة من هناك, ولا يندر أن نخسرها جميعا, تحت ضغوط مختلفة منها الرغبة في تمثّل موقع العارف والمتكيّف أو تحت ثقل الحاجات التي تتزايد وتتسع مع تقدم العمر, وتتلازم مع ضعف القوى الروحية والعقلية والجسدية المحتّم.
مع أنني ولدت في عصر الفضاء والذرّة والوصول إلى القمر, لم أركب طائرة ولا أعرف قيادة السيارة وأستخدم الكمبيوتر بشكل بدائي, وأجهل جميع اللغات الأخرى, ليس لنقص في الطموح ولا لتقصير شخصي, هكذا أعتقد, وهذا من الأمور القليلة التي لدي قناعة راسخة بشأنها. ترافق مولدي مع سيادة و شيوع ثقافة الموت في بلدي مع ثلاثية الاستبداد والفقر والجهل, والتي سحقت الأغلبية المطلقة من السكان بغضّ النظر عن المواصفات والجهود الشخصية. كان الخيار الوحيد الذي عرفته طوال أربعين سنة إما خسارة الواقع أو خسارة الحرية, وأظنني من الصنف الذي خسر الاثنين معا.

*
كهولة مبكرة:

سنة 1967 كانت المدرسة في بيت ياشوط امتداد طبيعي للعائلة البطريركية, كل أشكال العنف الجسدي والمعنوي, مع التحقير المرافق للصغار, شكّلت قوام التربية السليمة بعرف الأهل والأساتذة. لم تكن أمامنا خيارات تذكر, الطاعة ثم الطاعة, والحل المتاح في المراوغة والخداع, للنجاة من الاعتداء يلزم صرف كامل الطاقة العقلية والوجدانية, وللحصول على أبسط الحاجات تلزم مهارات متعددة في التمثيل والنفاق. أتذكّر الآن تعامل جيل الآباء والأجداد معي ومع زملائي, أكثرهم صاروا في عالم الأموات والقلّة الباقية تصارع آخر العمر وأرزله,بتعبيرنا الدقيق والمطابق.
لا أحقد عليهم ولا أقوى على مسح كل الندوب والجروح التي تركوها بدون قصد,
حدثت الهزيمة أو النكسة كما أسمتها أدبيات ذلك الزمن, كتحصيل حاصل لخسارات تبدأ بالفرد وترتدّ إلى المجتمع بكافة أطيافه. غادرت بيت يا شوط تاركا فيها طفولتي ومراهقتي,وكان الانسحاب إلى العالم الداخلي والعيش في الحلم, هو الحل الذي اخترته,بقيت في الهامش وما أزال وكل ما حصلت عليه بعد ذلك أو خبرته لم يؤثر كثيرا على الواقع النفسي, الذي تشكل وتصلّب في شخصيتي العميقة, بعيدا عن الوعي والإرادة, هناك بدأت في ممارسة العادة السرية, بعدها حياة سرية كنت أظن أنها تخصني وحدي, لأعرف متأخرا جدا أنها المشترك الأول وربما الوحيد بيننا.
ما زلت أرى في نداء سقراط الخالد" اعرف نفسك" الحلقة المركزية بين الطفولة والشباب,هي عودة إلى مركز الشخصية من جهة, وتوق مفتوح إلى التحرر والخلاص من مصادر الضغط الكبرى, ضغط الغرائز والضمير والواقع, التي ستترك الوعي شقيا إلى الأبد, حسب تعبير فرويد في أنقى لحظات صفائه.


*
مع النسبة العالية من التجريد في عبارة" فوق سن ال 18 " لا يوجد معيار مشترك آخر لبلوغ النضج والرشد سواها, هي العتبة بين الطفولة والشباب. مغادرة حياة بكاملها, فيها جميع عناصر وتضاريس وأحداث العالم الداخلي,والانتقال المؤلم إلى العالم الواقعي, حيث أولى شروط النجاح فيه, إنكار الحياة الخاصة, وتمثّل وتمثيل القيم والأعراف والتقاليد(الخارجية والمجردة إلى حد بعيد), إنها بأبسط التعابير وأوضحها تكرار حياة الجيل السابق أو الأجيال.
لا توجد صورة شخصية لي قبل سن 18 , وهي أولى الصدمات التي تعرضت لها بعد محاولتي لمعرفة نفسي, على العكس الكثير من الحوادث والذكريات, ما زالت تحتفظ بشدّتها النفسية, يتعذر علي ترتيبها بشكل منطقي, كما أخاف وأحرج من عرضها للعلن, منها ما حدث عشية حرب تشرين في مدرسة بيت ياشوط الإعدادية,
طلب مني مع بعض زملائي ضبط ومراقبة بقية تلاميذ الصف, بعدما أفهمونا أن دورنا في محاربة العدو لا يقل عن الجنود في الجبهة. سجلّت اسم أحد التلاميذ وقدمته للجنة الانضباط: الأستاذ الأول ربّت على كتفي وشجّعني على سلوكي الصادق, والأستاذ الثاني تحدّث معي على انفراد, ولا مني على خيانتي لزميلي, لا أذكر من الحادثة, سوى الشعور بالضيق والتوتر, غاب عن ذاكرتي تماما أسماء الأساتذة والزملاء, لكن الشدّة النفسية التي عشتها في تلك التجربة, ما زالت على حالها, ولم أحسم خياري حتى اللحظة, هل أعبّر بصدق عما حدث, أم أحترم خصوصية الآخر سواء أكان صديقا أم خصما!
ما أعرفه أنني تحولت إلى كهل قبل سن ال 18 متردد وحذر ويعيش حياة سرية منفصلة عن حياته الواقعية, وبنفس الدرجة ما زلت طفلا بعد ال 45 سريع الانفعال والغضب ولم يسيطر على مخاوفه الطفولية بعد, بتلك الشخصية المزدوجة أعيش وأفكر وأكتب, مرة أكون خائنا لكل خصوصية بما فيها علاقتي بفريدة السعيدة, وتارة أسلك دور الأمين بكل ما يقتضيه من السلبية والتخلّي.
ما زلت أسعى لنيل إعجاب الآخرين وبنفس الحدّة أسعى لإشباع رغباتي الخاصة.
كثيرا ما تساءلت ضمنا وعلنا عن تفسير سلوك مزدوج آخر, لما ذا أحاول إخفاء نواقصي وعيوبي,مع الادعاء المضمر غالبا والصريح أحيانا أنني أفضل مما أنا عليه فعليا, مع معرفتي وانتباهي بأن المزاج السوري العام يرى الآخر أقل مما هو عليه وأسوأ مما هو فعلا!؟
أعتقد أنه في بلادنا على الأقل, طريق السعادة وطريق النجاح وطريق النزاهة, ثلاثة محاور متعامدة, تجتمع في نقطة واحدة لحظة الولادة ولحظة الموت فقط.



#حسين_عجيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الآخر السوري_ثرثرة من الداخل
- لو أن الزمن يسنعاد
- الزيارة
- الذكاء العاطفي السوري(الكنز المفقود)
- محنة النساء في سوريا
- نساء سوريا الغبيات
- على هامش مهرجان جبلة الثقافي
- المهرجان والوعد
- الليبرالية تحت الشعار
- الارهاب مسؤولية مشتركة
- جميلة هي البلاد التي أغلقت أبوابها
- خاتمة أشباه العزلة
- رالف
- ظل أخضر
- أبواب متقابلة
- ورق الخريف_ أشباه العزلة
- لا يوجد طريق لا تمشي عليه امرأة عاشقة
- الفصل بالفأس بين الديقراطية والثقافة الليبرالية
- قوس قزح على الأرض
- الأقرب من الألم..الجزء الثاني لأشباه العزلة


المزيد.....




- زلزال في -بي بي سي-: فيلم وثائقي عن ترامب يطيح بالمدير العام ...
- صورة -الجلابية- في المتحف تثير النقاش حول ملابس المصريين
- مهرجان -القاهرة السينمائي- يعلن عن أفلام المسابقة الدولية في ...
- زلزال في -بي بي سي-: فيلم عن ترامب يطيح بالمدير العام ورئيسة ...
- 116 مليون مشاهدة خلال 24 ساعة.. الإعلان التشويقي لفيلم مايكل ...
- -تحيا مصر وتحيا الجزائر-.. ياسر جلال يرد على الجدل حول كلمته ...
- منتدى مصر للإعلام يؤكد انتصار الرواية الفلسطينية على رواية ا ...
- بابكر بدري رائد تعليم الإناث في السودان
- -على مدّ البصر- لصالح حمدوني.. حين تتحول الكاميرا إلى فلسفة ...
- هل تحلم بأن تدفن بجوار الأديب الشهير أوسكار وايلد؟ يانصيب في ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عجيب - ثرثرة من الداخل(2) تحت الشخصية