أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عجيب - وردة الكينونة_ثرثرة من الداخل















المزيد.....

وردة الكينونة_ثرثرة من الداخل


حسين عجيب

الحوار المتمدن-العدد: 1350 - 2005 / 10 / 17 - 05:23
المحور: الادب والفن
    


الخريف في اللاذقية كائن حي, يتنفس ويغضب, ويسخر من الكل.

استيقظت مرتبكا هذا الصباح 15|10, بعد أسبوع حافل وحاشد, سكر, أصدقاء جدد, زياد وسامي من دمشق, عبد النبي, هشام , مفتاح, من المغرب, شرب متواصل مع كلام كثير, واليوم حفلة العرس لسمير, أيضا سيكون أصدقاء كثر وشرب وسهرة متأخرة, وصديقتي في البلد الآخر, ربما أحرجتها, ربما تجاوزت حدودي, كما يحصل معي بشكل متكرر مع كل صديقة ومع كل تجربة جديدة.
خط التلفون معطّل منذ أسبوع, وأنا خارج الانترنيت, ربما تكون مناسبة لالتقاط الأنفاس والتروّي بعض الشيء, ولترتيب المادة التي أدونها الآن: الذاتية والعلاقة مع آخر, العواطف بطانة الأفكار, تشكل محركها المستمر كما تحدد فضاءاتها ومحاورها الأساسية. العواطف المتخثرة والجامدة تنتج بشكل آلي أفكارا ثابتة تقترن بممارسات متكررة لا تتغير, منفصلة إلى حد كبير عن الواقع الخارجي, وتسبب الانحراف الدائم في إدراك الواقع, هي قرينة الوعي الزائف بنفس القدر مع العواطف الجامحة والمتأججة,ويبدو أنني سأدور بين الحدين حتى النهاية ولن اصل إلى توازن مستقر.
كل الاشتراطات الحدية تؤدي إلى تشويه إدراك الواقع, واختزاله في البعد النفسي الشخصي, ذلك سبب النفور العارم من كلمة ذاتية, وهو ما يصف ويفسّر فقر الدم والروح المزمنين في الأدب السوري والعربي.
ما زلت في طور رد الفعل على "الغيرية" المزعومة, التي يمكن تجميعها في حزمة صغيرة من الممارسات والأفكار تحت مسمّى "أخلاق التضحية", وذلك يبرر نقص مستوى الاهتمام بالشأن العام والمشترك, في هذه النصوص التي تتركز أساسا على الشأن المشترك وتسعى لإبراز البؤر الأساسية في الاجتماع والسياسة السوريين, تارة من خلال التركيز على الحلقات المفقودة والأجزاء المتقطعة في المشهد العام, وتارة على النقيض من خلال التركيز على البؤر الجاذبة(فضائح, سلطة, مظاهر متكررة).
العائق المباشر أمام التفكير تشكله الأفكار المسبقة, هل توجد أفكار غير مسبقة؟
هل ينطوي العالم الأكبر في شخصية فرد ما فعلا؟ ذلك رهان خاسر في حده الأقصى, وتوجه إبداعي في صيغته التكاملية بين ذاتية محققة في انفتاح الشخصية على الخارج الواقعي بتعدد مستوياته. من الناسب تذكّر عبارة فرويد: كل تكرار في الممارسة السلوكية أو الفكرية ناجم عن اللا شعور, ويؤكد وضعا غير سوي.
*

لم تكن الخدعة حقيقية, نصبت الشرك أولا وانتظرت. في اللحظة التي تبدأ لعبتي سيكون التالي جاهزا لتكملة دوره, زوجتي لم تكن رهينة ولا مشاركة فعلية, لكن قبلت ودخلت في اللعبة. كنت مغرما بالنهايات, بالأثر الذي يبقى, فانتظرت طويلا ولم أكمل اللعبة, لا بل أفسدتها تماما. الفتاة ذات الشعر الذهبي اقتربت كثيرا, وتغيرت كل القوانين والحدود التي كان متعارفا عليها. ضحكت وبكيت في السر أولا, ثم صرت أقهقه وأبكي مع الآخرين وحتى الغرباء, وصارت المجموعة تضحك بشكل هستيري. صليل الأبواب الحديدية والأقفال بقي يرنّ في ذاكرتي, اختلطت الطفولة بالشباب, واختلطت المغامرة باليأس القاتم. كنت في عمر أل 33 , العمر الذي يثير الشجن أكثر من أشباهه22,11,44, 55 متى سينتهي العدّ....؟
بعد هذه السنوات الكثيرة صرت أكتب على الكمبيوتر مباشرة, تغير اللمس والشعور, وصرت أسكر بعد كأسين أو ثلاث, ليس الضحك ملازما للفرح بالضرورة, أحيانا يكون العكس, إذا ابتعد الفرح كثيرا نغرق في الضحك المفتوح, ضحك بلا ملامح, أصوات وضجيج لكن مصدرها الضحك هذه المرة.
الخريف في اللاذقية كائن حي, يتنفس ويغضب, ويسخر من الجميع.
*

اللا واقعية المفرطة سبب ثاني يعزز حالة السلب وانعدام الأمان التي تشرح وتنتج آليات الاستبداد وثقافته بشكل دوري متصاعد.
جهد أقلّ ومتعة أعلى: ذلك ما تطلبه الشخصية السورية النموذجية, مجموعة إعاقات وعقد معوّضة على حساب الأقرب(الأبناء والإخوة والأهل). ويبقى السؤال المرير: كيف تكسر تلك السلسلة الجهنمية, بدون قتل فعلي للأطراف المنافسة؟ الاستبدال الرمزي أو الفعلي يقلل الخسائر ولا يحل المشكلة, تبقى تحت الرماد تنتظر الفرصة المناسبة لتهدم البيت والمؤسسة وتعيد كل شيء إلى الصفر.
ليس الخوف وحده ما دفعني بعيدا في الزوايا المهملة, ليست قلة الحيلة وسوء التدبير, بل الشعور القاتم بدمار اللحظة وعدميتها, التشبث بما يتلاشى بين الحواس بلا أمل.
*
كان من الملائم جلب كتاب اللا طمأنينة معي إلى الضيعة. ذلك كتبه شخص وصل الحدود القصوى في القلق وانعدام الألفة, وبقي صحوه وتركيزه في درجة مثيرة للإعجاب وللدهشة كذلك. ما زلت لا أحتمل الصحو طويلا, تتجمع الذكريات والصور القاتمة وتثقل وعيي ومشاعري, بعدها اغرق في نوبة من الكآبة الشديدة, فأهرب إلى السكر إلى انعدام الوعي ومحو الذكريات بكل طاقتي. في حركة دورية بين التركيز الأقصى والغيبوبة الفارغة لا تنتهي, بقيت حياتي تنوس بين الحدين, لم أنجح في التكيف ولم أجرؤ على قطع الحدود الأخيرة مع العرف والعائلة والمجتمع, أي بائس أنا وأي خبيث يجمع بين يديه ما يتعذر وصول اليد الأخرى إليه, لو كان الأمر مع حياة طبيعية ومسالمة. جذور الشر والعدوان عندي مشتبكة بأنهار من الدم والعذاب, لا تهدا,ولا ترتوي إلا بصرع الخصم أو المنافس وتمريغه بالوحل والخزي, والذي يكون دوما شبيهي وأنا الآخر, وجهان فوق بقع الدم الحمراء الطازجة, كل منهما يعرف أن في هلاك الآخر عدمه الشخصي, توأمان بدماغ مشترك ونقيضان.
ما زال صراخ الرعب والذعر والقتل يملأ أودية بيت ياشوط وقراها . ما زالت بشائر اللهفة والحب والرحمة تملأ شجر بيت ياشوط وعشبها وبيوتها الكتيمة. في دماغ كل رجل في بيت ياشوط يتعايش القاتل والقتيل في حيّز أضيق من رأس الدبوس. في رحم كل امرأة من بيت ياشوط صقر أو حمامة, يولدان معا ويموتان معا. الفراشات والدبابير والعقارب نسغ تراب بيت ياشوط, وما اشقى من يحاولون الفصل بينها.
لم أخدع سوى نفسي, ولم أقتل سوى شبيهي ولا أقوى على العيش بغياب الآخر أكان شبيهي أم قاتلي. أنهار وسواقي بيت ياشوط جافة إلى حد اليباس, حيواناتها وطيورها عاشقة وهائجة إلى حد الوله, فما الذي سيحدث في غيابي.
الخريف في اللاذقية كائن حي, له ذراع القاتل, ونظرة الفزع في عيون في الضحية.

ما سبب هذه الميوعة العاطفية, هذا الجرف الهائل من الأوساخ والركام والذكريات والأحداث المتعفنة, أهو غياب الكأس أم تحول الفتاة الأجمل بنت أل 17 عاما إلى امرأة بدينة وغبية تثير السخط؟
لا هذا ولا ذاك إنها الموجة في توالي صعودها وانحسارها, خارج وعيي ورغبتي وشعوري وإرادتي, فإما أتحول إلى حكيم وأقبل أو أتحول على حكيم وأرفض, وفي الحالتين أدير ظهري لضوضاء الشبق واللهاث والصراخ المحموم اليائس.
وأفهم أن الذي مضى, مضى حقا وفعلا وانتهى الأمر.

*
خرجت من المنزل باتجاه مكتبة أثينا وصديقي مصعب, هو مستعجل للشرب النهاري, لا أوافقه ربما أو فّر على نفسي نزاع جديد بين الأنا العليا وسعير الشهوة بعد الشراب, تتضاعف الرغبات الجنسية وتبرز أهمية أعضاء اللذة بعد كاسين أو ثلاث, أعود إلى وضعيات المراهقة غير المحسومة, الأعراف والحدود كلمات واضحة وقاطعة كالجدران أحيانا, لكنني أرفضها جملة وتفصيلا في حالات النشوة والكتابة, ومع كل صديقة جديدة تعود مشكلة الحدود والأعراف إلى البداية, تعود قبلها كل مفاصل شخصيتي أو الحلقات الضعيفة فيها لتحتل الصدارة, من أنا وماذا أريد, من نفسي ومن الآخر الصديقة أو الصديق؟ كثيرا ما أشعر بالفراغ العاطفي والجوع الجنسي بل الشره, وحتى مع وجود فريدة, تتأجج رغبات متناقضة, ومع الكأس الأخير تنتصر أعضاء الجنس على ما عداها, أقلعت عن ممارسة العادة السرية من اليوم الذي نقلتها إلى العلن, لا أرغب بتكرار العادة مع ما يرافقها من تبكيت ضمير وإحساس قاسي بالخزي, وفي لحظات الضعف هذه أحوّل مشاكلي إلى الأصدقاء, إذا لم أنجح بتحويلها إلى الكتابة. مع كل صديقة أولد من جديد, تستعاد كل التفاصيل الكريهة والمنبوذة بالتلازم مع ما رعيته وبنيته بوعي وإصرار, كل امرأة عرفتها في حياتي كانت لي أما جديدة, وفي حالات نادرة نجحت في دور الأب المعوّض, لا اعرف كيف ينظرن إلي الآن, ربما أكون مصدر سعادة وفخر للبعض ومصدر تعاسة وحرج للبعض الآخر, لا اختلف عن غيري في المكبوت والمسكوت عنه, فقط أقلب البطانة بين الحين والآخر, وأعرّض أسراري ورغباتي للضوء.
الخريف في اللاذقية كائن حي, يتنفس ويحزن, ويتألم معنا.
*

كنت أشعر ببهجة عارمة هذا الصباح, ولم يعكر مزاجي حدث ما, وبعدما وصلت إلى البيت القديم, كتبت ما خطر على بالي, وما أزال في حالة انخطاف, وتوق شديد لما سيحدث اليوم, وفي هذه اللحظة تذكرت أنه يوم 6|10 الذكرى 32 لحرب تشرين أو أكتوبر أو الغفران, كنت في عمر أل 13 ولم أحتفظ إلا بشذرات من ذكرياته , وأنا الآن خارج شعور السعادة أو الحزن أو الأسف, أنا في حالة انعدام وزن, مثل الفراشة أو الخروف أو التمساح, وارى مباشرة أمامي سرب حمام على أسلاك التوتر العالي, وعصافير الدوري اقتربت مني كثيرا, لكنها لم تصل بعد لتأكل من كفي.
الخريف كائن يشبهنا, يبكي ويضحك, لا يمتثل وكثيرا ما يتجاوز كل الحدود.



#حسين_عجيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دخان ويوغا_ثرثرة من الداخل
- اللاطمأنينة_ ثرثرة من الداخل
- ظلال منكسرة_ثرثرة من الداخل
- الغضب والعزلة
- الأوهام_ثرثرة من الداخل
- مأساة هدى أبو عسلي_مأساة سوريا
- العين الثالثة_ثرثرة من الداخل
- ابن الكل_ ثرثرة من الداخل
- ثرثرة من الداخل(2) تحت الشخصية
- الآخر السوري_ثرثرة من الداخل
- لو أن الزمن يسنعاد
- الزيارة
- الذكاء العاطفي السوري(الكنز المفقود)
- محنة النساء في سوريا
- نساء سوريا الغبيات
- على هامش مهرجان جبلة الثقافي
- المهرجان والوعد
- الليبرالية تحت الشعار
- الارهاب مسؤولية مشتركة
- جميلة هي البلاد التي أغلقت أبوابها


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عجيب - وردة الكينونة_ثرثرة من الداخل