أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - تغييب السبب الرئيسى إما جهلاً أو خجلاً













المزيد.....

تغييب السبب الرئيسى إما جهلاً أو خجلاً


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4891 - 2015 / 8 / 9 - 20:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- لماذا نحن متخلفون (37) .

الثقافة ليس زخم من المعلومات والمعارف يتم حشو الرؤوس بها بل هى نهج ونمط تفكير لمسائل حياتية وطرق علاجها لذا عندما نقول ثقافة متخلفة فهذا يعنى أدائها الفكرى وطرق تعاطيها مع مسائل حياتية حيث لا تخلو هذه الثقافة من الجمود والنمطية والمحدودية فى ظل ثوابت تتحول إلى تابوهات وأصنام لتدور مدارات الفكر فى محتواها .
نتناول هذه المرة نمط فكرى شائع فى حياتنا يتمحور فى فكرة دفن الرؤوس فى الرمال ,فنهمل أو نتغافل دوماً الخلل والسبب الرئيسى لنعتبره كأنه غير موجود ثم نتحرك فى دوائر عبثية تتعامل مع الإسعاف وليس العلاج , فثقافتنا لا تحل مشكلة من جذورها بل تحوم حولها لتبحث عن الخلل الماثل أمام عيونها فقط لتحاول التعاطى معه مُنصرفة عن الخلل الرئيسى المُنتج دوماً لكل الإشكاليات .
تخلفنا الفكرى ومعاناتنا تتمثل فى تغييب السبب الرئيسى للإشكالية سواء جهلاً او عمداً أو إستهتاراً أو خجلاً من طرحها لنظل ندور حول الإشكالية فلا نعالجها من جذورها لتفرز إفرازاتها فى كل مرة ثم نكرر نفس العمل العبثى فى كل مرة , فالإشكالية موجودة لم تفارقنا قادرة على إنتاج نفسها دوماً .

دعونا نطرح بعض الأمثلة فى خلل ثقافتنا البائسة .
- المصريين والمرض .
يعانى ملايين المصريين من أمراض فتاكة تتمثل فى الإلتهاب الكبدى الوبائى فيروس C والفشل الكلوى والسرطان بنسب أعلى من أى مجتمع آخر وفق رصد منظمة الصحة العالمية ليقول المرء فى سريرته ألا يكفى غلب المصريين وما يعانونه ليزداد الغلابة غلباً , ولأسأل نفسى لماذا حظ المصريين شديد البؤس عن أقرانهم فى أوربا , ولكنى لا أستسلم لنزعة الحزن والأسى والتأسى لأدرك أن الحالة المتردية لصحة المصريين ترجع إلى التلوث الذى يصيب نهر النيل والزرع الذى يأكلونه .
ينتابنى الألم والضيق عندما أرى إعلانات فى محطات التلفاز تدعو للتبرع ولو بجنيه لإكمال مستشفى للسرطان أو الكبد أو تزويده بأجهزة حديثة ليكون سر أسفى أن صحة وحياة البشر مرهونة بالتبرعات التى تقترب من التسول ممن تتحنن قلوبهم للتبرع .
رغم محاولة تشييد مستشفيات للعلاج تصل تكلفتها إلى مليارات الجنيهات فإنها لا تكفى الأعداد المتزايدة التى تطلب العلاج ليتوقف المرء أمام سياسة أو قل ثقافة غريبة غبية تتعامل مع المرض ولا تفكر فى الوقاية منه لتدور فى حلقة جهنمية لا تنتهى تفتح فاه الموت , فالحكومة تحاول جاهدة أن تنشأ مستشفيات لعلاج الكبد الوبائى والفشل الكلوى والسرطان التى تطلب ميزانيات ضخمة للعلاج لتجرى فى ماراثون لا ينتهى من الجهد والإستنزاف بينما العلاج الحقيقى لم يقترب منه أحد وذلك بمنع إلقاء الصرف الصحى فى النيل وإنشاء محطات تنقية وتخليص هذا الصرف من السموم الذى تقذف به فى النيل , فمن المؤكد أن هذه المعالجات والوقاية ستوقف سيل المرضى فى الحاضر والمستقبل .
سياستنا أو قل ثقافتنا تعالج ما هو أمامها فنحن أمام مرض ينهش أجساد المصريين فلنحاول علاج ما يمكن علاجه بالتسول عبر الإعلانات داعين الشعب للتبرع بينما الحل الحاسم المتمثل فى حظر إلقاء مياه الصرف الصحى فى النيل وإنشاء محطات لمعالجة مخلفات الصرف الصحى نتغاضى عنه بالرغم أن التعاطى معه لن يكلفنا الكثير وسيوقف شلال المرضى فى المستقبل .
هل سبب إخفاق معالجتنا للأمراض الناتجة عن التلوث أننا أغبياء أم مهملون أم ثقافتنا التى تتعامل مع المشهد النهائى غافلة السبب الرئيسى المُنتج للمرض أم خجلنا من القول أننا شعب متخلف قذر لا يمت للتحضر فهو يشرب ويأكل من الإناء الذى يتبرز فيه .

- يد تقاوم الإرهاب ويد تزرع الإرهاب .
مشكلتنا فى مواجهة الإرهاب إننا نتعامل معه أمنياً وليس فكرياً لنغفل السبب الرئيسى المُفرز لقيح الإرهاب بالرغم أن الكثيرين أدركوا هذا الخلل ولكن لا تغيير وفق ثقافة تتعامل مع إفرازات القيح لتسارع بإتخاذ الإجراءات الأمنية المناسبة دون أن تعتنى بعلاج القيح أو إستئصاله ليظل ينتج المزيد من القيح .
الإرهاب فكر قبل أن يكون فعل ليكون أدائنا هو التعاطى مع الفعل وليس الفكر المُنتج للإرهاب .. الإرهاب كالمفرخة لتعتنى بصرصار منه بينما المفرخة تنتج المزيد من الصراصير على قدم وساق ليكون جهدك فى المقاومة كمن يحرث فى الماء بالرغم من أن الأمور واضحة تطلب تجفيف منابع الإرهاب وغلق تلك المفرخة التى تقذف كل يوم بإنتاج جديد من الإرهابيين .
غلق المفرخة وتجفيف منابع الإرهاب لن يأتى إلا بمناهضة وحصار وإقصاء الأفكار المتطرفة , وتنقية وتعديل مناهج التعليم , ومراقبة خطب وفتاوى الشيوخ على المنابر والفضائيات , وحظر وتجريم أى فكر متطرف مع شيوع ثقافة مدنية تنويرية ترفع من قيمة الإنسان .. هذه هى ثقافتنا التى تدفن رأسها فى الرمال لتتنصل من مسئوليتها وتعالج أورامها السرطانية بمطهر الميكركوروم بينما السبب الرئيسى للمرض والوقاية ماثل للعيان لندور حوله فى حلقة مفرغة عبثية .
النظام المصرى على سبيل المثال فى حالة عداء مع الإخوان المسلمين ولكنه فى نفس الوقت يفتح الباب للفكر السلفى أن يتواجد وينتشر ويعلن عن نفسه تحت ظن أن السلفيين لا يرفعون السلاح وذلك فى برجماتية سياسية تتسم بالغباء الشديد فأصل كل التطرف والإرهاب هو الفكر السلفى ومنشأ كل التنظيمات الإسلامية الشديدة التطرف والعنف كداعش والقاعدة وخلافه جاءت من رحم السلفية فهى التى تزرع الفكر الأصولى المتشدد ولكن هكذا عادتنا أن نهمل الفكر والزرع المؤسس لنلتفت للغلة الفاسدة لذا لن تتوقف هذه الدائرة الجهنمية فالأرض تقذف بإنتاجها دوماً .. يا سادة الإرهاب فكر قبل أن يكون فعل .
قد يرجع سبب تغافلنا عن سبب الإرهاب هو عادتنا الأصيلة فى التعامل مع ما هو ظاهر امامنا أو قد يكون السبب فى أننا لا نفطن إلا عندما تقع الفأس فى الرأس أو قل هى ثقافة لا تريد الإعتراف بقبح تراثها وضرورة مواجهة الشاذ والقبيح منه , فثقافتنا وتراثنا زى الفل .!

- المؤامرة وفعل ثقافتنا الغائبة .
من قبح ثقافتنا التماهى فى فكرة المؤامرة لتنال هذه الثقافة الهشة من اليساريين والتقدميين فالكل يملأ الدنيا صراخاً بقبح الإمبريالية والصهيونية ومدى شرورها فى نسج المخططات والمؤامرات التى تريد النيل من شعوبنا وأوطاننا .
لا جدال أن الإمبريالية والصهيونية تريد النيل من وحدتنا وآمال شعوبنا رغبة فى الهيمنة والإستنزاف ولكن يبقى فى النهاية ماذا أنت فاعل أمام هذه القوى المعادية التى تريد التفتيت والتقسيم وجر شعوبنا للتناحر والخراب . هنا يسكت جهابذة الكلام وأصحاب الأصوات الحنجورية والخطابات الخشبية فهم يعلنون أنهم يعلمون مرامى الغرب فى منطقتنا ويشيرون لها ويحذرون منها ورغماً عن ذلك تتحقق تلك المؤامرات على الأرض وبأيدينا وحماسنا وجهدنا , فالصراع السنى الشيعى والتناحر الطائفى على أرض العراق على سبيل المثال نعلم مخططه قبل وقوعه لنقف كلوردات وخبراء السياسة نشير إلى رغبة امريكا فى تفتيت العراق بإغراقه فى نزاعات طائفية تطلب تقسيمه , فماذا فعلت أمام هذه الرغبات والأمانى الغربية , ولماذا لم تناهضها وتفشلها طالما أنت مُدركها مُتمسكا بوحدة السنه والشيعة حتى لا ينال الغرب مراده , ولماذا ننساق كالقطيع لأحلام وأمانى امريكا .
فى الحقيفة العراقيين هم من يندفعون بكل حماس للطائفية والتقسيم والتناحر تحت وطأة ثقافة نابذة عصبية ذات مخزون فكرى وثقافى وتاريخى طويل لا يعتنى بقبول الآخر .. كذلك الحال فى التيارات الاسلامية كالقاعدة وداعش والنصرة التى أطلقها الغرب لتحقق مشروع التقسيم والتفتيت والخراب فهل لم يفطن المسلمين أنها أداة تخريب بيد امريكا وحلفاءها من الانظمة الرجعية لتقوم بمهمة التفتيت فلماذا نلعن امريكا ولا نلعن ثقافة الإقصاء والخراب والتدمير , فأمريكا توسمت فقط وتوسمها هذا لا يفعل شيئاً لنقوم نحن بكل المهمة بحماس بالغ .ّ
يحلو لنا أن نلعن امريكا والغرب وهم يستحقون بالفعل اللعن ولكن هم توسموا فى خراب أوطاننا ونحن من قمنا بكل المهمة بحماس بالغ وبعزيمة لا تفتر لنغفل بجهل او تجاهل أو تغافل أن السبب الرئيسى كامن فى ثقافتنا التى تطلب الاقصاء والفرقة واستباحة دماء الآخر المختلف عن طائفتنا ومذهبنا وديننا .
لو كانت ثقافتنا داعية للوحدة والتماسك كحال شعوب كثيرة فى العالم التى تحوى جماعات ثقافية وعرقية متباينة , فلا ألف امريكا يمكن أن تحلم وتأمل فى إنهيارنا وتشرذمنا فلن يكون هناك مكان للفرقة والتناحر فالنسيج واحد قوى سيحول دون ذلك ولكن ماذا نفعل مع ثقافة تتأسس على الإقصاء والتناحر ونبذ الآخر .
تخلفنا كامن فى ثقافتنا وطريقة ونهج تفكيرنا التى لا تعتنى بالسبب الرئيسى للتخلف لتهمله جهلاً أو عمداً أو خجلاً لتدور فى تداعيات المشكلة , لتظل المشكلة تفرز إنتاجها بلا توقف ونحن نصرخ ونتألم بلا توقف .

-دمتم بخير.
" من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته" - حلم الإنسانية القادم فى عالم متحررمن الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهافت البلاغة – مشاغبات فى التراث(6)
- تصعيد ثقافات وليس صراع حضارات-فى نقد نظرية صموئيل هنتنجتون
- وهم الوجود(1)- نظرية البحث عن علاقة .
- عالم معندهاش دم ولتحذر غدرهم وخيانتهم
- نظرية ورؤية فى فهم الوجود والحياة والإنسان
- لا هى أخلاق ولا يحزنون-الدين عندما ينتهك انسانيتنا
- تأملات فى فكر ونفسية الإعتقاد – لماذا يؤمنون
- أسئلة مُحرجة – مشاغبات فى التراث 5
- زهايمر- تناقضات فى الكتابات المقدسة –جزء12
- الجمعة الحزينة فى تونس والكويت وفرنسا
- كتابات ساخرة ولكن ليست كتاباتى-مشاغبات فى التراث4
- مشاغبات فى التراث3-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- تشويه الحب والجنس على مذبح الأديان
- عن الحب-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان
- وهم الزمن والإله-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان
- مصر إلى أين ؟!
- المصارحة والمكاشفة كسبيل لخروج الإسلام من مأزقه
- فى العشوائية والحتمية والسببية-نحو فهم الوجود والحياة والإنس ...
- صفعات – لماذا نحن متخلفون .
- مشاغبات فى التراث2-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت


المزيد.....




- سامح شكري يبحث مع نظيره الإيراني حل المسائل العالقة بشأن تطب ...
- بعد تلويح قطر بإغلاق مكتبها.. تشكيك بدور -حماس الدوحة- وحديث ...
- هل -فشلت- شركة تسلا على نحو غير متوقع؟
- في إطار مراجعة دورها - هل تغلق قطر مكتب حماس في الدوحة؟
- واشنطن تبحث عن نفوذها الضائع في ليبيا
- غانتس يعلن أن إسرائيل لم تتلق ردا عن موافقة حماس على الصفقة ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مبنيين في مستوطنة شتولا شما ...
- مصر.. بيان من وزارة الصحة حول الإصابة بالجلطات بسبب -أسترازي ...
- فوز عمدة لندن صادق خان بولاية ثالثة
- الأرثوذكس الشرقيون يحتفلون بمراسم -النار المقدسة- في القدس ( ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - تغييب السبب الرئيسى إما جهلاً أو خجلاً