أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - وهم الوجود(1)- نظرية البحث عن علاقة .















المزيد.....


وهم الوجود(1)- نظرية البحث عن علاقة .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4880 - 2015 / 7 / 28 - 20:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- وهم الوجود - جزء أول .
- نحو فهم للوجود والحياة والإنسان (34) .

شفرة حياتنا ووجودنا وصراعنا فى الحياة بالبحث عن علاقة بين الأشياء وإعطائها معنى لتكون فكرة العلاقة من إنتاج وعينا وإنطباعاتنا الخاصة . لذا يمكن أن نعتبر فكرة مقالنا "البحث عن علاقة" جزئية مؤسسة لفكرة "وهم الوجود" والذى سنؤكده فى أبحاث أخرى .
يستحيل أن يتكون وعى للإنسان بدون إيجاد علاقة بين الأشياء المادية فهكذا سبيلنا لتكوين الوعى وبما أن الأمور نسبية ليست بذات حقيقة فهى تعتمد على زاوية رؤية أحادية تتشبع بذاتيتها وكم معارفها وإسقاطاتها لذا فنحن نعيش وهم الوجود , ولكن الخطورة تكمن عندما تتحول هذه الرؤية والعلاقة إلى حالة متغطرسة تتدعى يقينية العلاقات وديمومتها مع حالة من الغيبوبة عندما يتغافل الإنسان أنه من أنتج العلاقات وصاغها لينسبها لقوى خارجية قامت بالإنشاء والتحكم بينما هى إنتاجه الخاص .
وهم الوجود يعنى أن الأشياء كما هى خارجة مستقلة عنا تفرض منظومتها وعلاقاتها بينما هى زاوية رؤية خاصة متوهمة ترى الواقع بمنظورها وتختلق علاقتها .
إذن كل فهمنا ووعينا للحياة والوجود بناء على تبنى علاقات بين الأشياء توصلنا إليها من خلال عمليات رصد وربط وإنطباع , فمانراه من نظام هو علاقات أوجدناها نحن بين الأشياء ليكون فهمنا للوجود من خلال ما توصلنا إليه بإيجاد علاقات بين مفرداته ومن هنا تأتى نظريتى " البحث عن علاقة ". ولنعطى أمثلة .

- الأعداد 1 ,2 ,3 , 4 نعتبرها متسلسلة نظامية كذلك يمكن أن نجد مجموعات نظامية أخرى مثل 2-5-8-11 ومجموعة 2- 4- 8- 16 فالأولى متوالية عددية والأخرى متوالية هندسية ولكن لو وجدنا مجموعة 3- 9 -81 فسنقول أنها مجموعة عشوائية لجهلنا العلاقة بين حدودها ولكن لو قلت أن هذه المجموعة تعتمد على تربيع كل حد ليعطى الحد التالى فهنا سنقول هذه المجموعة نظامية ولو قلت لك مجموعة 7-5- 3- 5-7 فستعتبرها عشوائية أيضا لأقول لك أننا يمكن تنسيقها فى نظام فهى مجموعة تقل بمقدار -2 لتصل لرقم 3 فتنقلب لزيادة +2 وكذلك مجموعة 8-6-4-8- 16 يمكن إيجاد علاقة نظامية فهى متوالية عددية تقل -2 حتى تصل لرقم أربعة لتتحول لمتوالية هندسية لتزيد بالضرب فى 2 .
ما أريد قوله هو أننا نبدع فى إيجاد علاقات بين الأشياء فالقول متوالية عددية أوهندسية هى من إبداعنا ومن هنا نقول هناك نظام بينما قولنا عن الشئ عشوائى يأتى من عجزنا عن إيجاد علاقات لجهلنا أو صعوبة وتعقيد العلاقات ولكن يمكن أن نجرب ونجتهد لو أردنا ذلك لنبدع ونختلق علاقات .

- لننظر سويا إلى التسلسل التالي 17839748591234507843264938746574605لنرى أن هذا التسلسل لا نظام ولا تصميم فيه لعدم وجود علاقات إعتدنا أن نتعامل بها لتجد لها سبيلا فى التعامل مع هذه السلسلة ولكننا لو نظرنا لنفس هذا التسلسل مرة أخرى مع التركيز على جزء فيه سنرى فيه تسلسلاً جزئياً منطقياً (12345) أي هناك مجموعة جزئية يبدو عليها النظام في داخل المجموعة الكلية العشوائية. لذا تكون رؤيتنا للنظام هو رصد جزء من الكل نلقى عليه علاقات نراها ذات مدلول .

- من المعروف رياضياً أن أي مجموعة من الأرقام يمكن أن تشكل دالة ما , أي أننا نستطيع استنباط نظام من أي مجموعة أرقام نختارها بعشوائية , وهذا يجعلنا نتساءل حول معنى كلمة نظام وقانون فهل هناك قانون ونظام فعلاً أم مفاهيمنا وعلاقات أسقطناها على الأشياء .. أرى أن وجهة النظر الثانية هى الصحيحة وهو ما تؤيده العلوم والواقع المادى والإستدلالات الرياضية .

- نظرية الأكوان المتوازية القائلة أن الكون الذي نعيش فيه مجرد جزء من مجموعة كلية عشوائية، ليكون ما نتصوره عن كوننا كنظام هو زاوية نظر إنتقائية جزئية بحكم وجودنا في داخل هذه الجزئية لأن وجودنا كجزئيات مستحيل وجودها في داخل أحد الأكوان الأخرى.

- أى قانون عبارة عن رموز وعلاقات بين تلك الرموز فى صياغة رياضية تحتوى على الجمع والطرح والضرب والقسمة والتربيع والتكعيب الخ فمن أبدع تلك العلاقات الرياضيات أى (+ , - ,x , الأس ) فهل القانون قال للعقل إضربنى فى هذا الحد أو إضفنى مجموعاً أو إطرحنى خصماً لتحصل على نتيجة أم أن الإنسان صاغ برياضياته علاقة للمادة .

- عند الذهاب إلي الشاطئ نجد أحجاراً متناثرة نلحظ عدم عبثية ترتيبها فهناك دوائر للزلط الغليظ ودوائر أخرى للزلط الرفيع لتتدرج من الأكبر إلي الاصغر كلما بعدنا عن الشاطئ . هذا المشهد قد يدفع أصحاب الفكر الجاهل أو الميتافزيقى أو الباحثين عن حل خرافى لأى مشهد يرونه غريباً ذا لغز إلى القول بوجودة جن قام بهذه المهمة , بينما العلم يقول ليس هناك من رتب الزلط فالمشهد كله يخضع لقوى الأمواج العبثية فى الإزاحة , فالأحجار الكبيرة نسبياً تسقط قريبةَ من الشاطئ بينما تذهب الأصغر إلي مكان أبعد وهكذا أنتجت الطبيعة من عشوائية لاواعية لاغائية مشهداً نراه ونُُقيمه نظامياً .

- مشهد المدقات على الطريق أو الأحجار التى ننثرها لتهدينا للطريق يمكن منها فهم علاقتنا مع الوجود العشوائى فلدينا نقطتان ألف وباء نريد التحرك من أ إلى النقطة ب , ولا يوجد لدينا وسائل إيضاحية بحكم جهلنا فنلقى بمجموعة من الحجارة اثناء سيرنا من أ إلى ب – لقد اصبحت لتلك الحجارة معنى بينما هى حجارة ليست ذات مدلول فى ذاتها كما أننا خلقنا نظام من فعل عشوائى ليصبح الطريق من أ إلى ب محدداً ويمكن لاحقاً أن نثبت الحجارة أو نزرع أشجار أو نرصف الطريق من أ إلى ب أو نقلل من المسافات المهدرة لنختصر الطريق , ثم نقوم بعد ذلك بالعمل المهم والذى نتصوره نظام فنسجل خريطة لوضع الأحجار التى ألقيناها بعشوائية ونضع قانون لزاوية انحراف كل حجر عن الآخر لنتوهم بعد ذلك أن الوجود منظم .

- انظر لعلم الفلك فماهو إلا إيجاد علاقات بين النجوم أى رصد الزوايا بين بعضها ومنها نحدد طريقنا ليتوهم البعض أن هناك من رصها على هذا النحو لتمتد الصور وتتعقد ونسأل لماذا لدينا عينين وليس ثلاث عيون فلو كانت 3 عيون سنشيد بوضعيتهم فى هذه الحالة كونهم يعطون مجال أوسع للرؤية . فنحن من نوجد العلاقات والمعانى لأشياء بلا معنى أو علاقة .
الطبيعة ليست معتنية أن تقدم لنا علاقات وقوانين وأنساق بل تلقى بأوراقها مبعثرة لنحتال ونبدع بإيجاد علاقات فنحن لا نعرف العيش فى العشوائية أى لا نستطيع تحمل اللامعنى واللاغاية فنخلق علاقات نظامية .

- نحن ننشأ علاقات من إبداعنا فالأشياء ليست ذات علاقات واعية ولا تحمل لنا رسالة خاصة ليفتح الخلل فى تفكيرنا المجال للخرافة والأوهام بإيجاد علاقات متوهمة ليس لها أى علاقة بالوجود المادى .

- خطأنا الدائم الغفلة عن إدراك أننا من أوجدنا وأنتجنا العلاقات بين الأشياء لنتوهم أنها علاقات خاصة مستقلة عنا وهناك من أوحى بذلك وبث فيها العلاقة والغاية .. ولكن الاشياء بلا علاقات ونحن من نضعها فى علاقات . القانون المادى ليس خارج عن المادة بل هو توصيفنا لطبيعة المادة من خلال مراقبة العلاقات وايجاد صيغة .

- الرسم ليس تلك اللوحات الفنية الجميلة فحسب بل لغة وفلسفة الحياة , فالكتابة مثلا عبارة عن خطوط عشوائية إتفقنا على رسمها ومنها نستطيع ان نقرأها كرسم فلا يكون الحرف أو الكلمة بذات معنى بل إتفاقنا على تعبير عن معنى محدد لذا تتباين الكتابات واللغات فى رسم حروفها وكلماتها ليبقى لكل جماعة بشرية إتفاق على مدلولات لرسم حروفها , فالحروف المتشابكة ليس لها أى بناء أو تنظيم بل النظام والبناء جاء من البشر الذين إتفقوا على تشابك حروف عشوائية لتعطى لهم معنى ودلاله معينة .. فيمكن لأى انسان أن يشبك مجموعة مختلفة من الحروف وهذا ما يحدث بالفعل من إختيار أسماء المعدات والأجهزة والماركات فهذا التشبيك العشوائى للرسومات نترجمه لدلالة ومعنى معين حتى تكون شفرة بيننا بإدراك ماهيتها .. أى أننا تعايشنا مع الوجود العشوائي وأنتجنا منه ما نتصوره نظام .أى أن الإنسان أنتج وإستثمر من العشوائية أشكال وعلاقات يراها نظامية .

- عندما نقول أن الطفل شرب اللبن فهى جملة ذات معنى ومفهوم ولكن عندما نقول : " اتغك غثفث حخته" فهى جملة ليست بذات معنى فهى ضرب عشوائى منى على الكيبورد , فما الذى جعل الجملة الاولى ذات معنى بينما افتقدت الثانية للمعنى سوى اننا إتفقنا على أن الطفل شرب اللبن لها معنى محدد بيننا ويمكن للجملة الثانية ان تكون ذات معنى لو اتفقنا أنها تعبر عن فعل وحالة معينة .
إذن الوعى الذي خلق معنى النظام وهو أيضا الذي خلق للنظام فكرة فبدون الوعي سيتساوى النظام والعشوائية ولا يوجد معنى لأى شيء فهكذا كل وجودنا بحث عن علاقة وإتفاق على أشياء ووضع علاقات ومعانى لها ولكن الشئ فى ذاته متحرر من المعنى وهذا يعنى انه لا يوجد شئ خارج وعينا يمنحنا المعنى والقيمة والغاية .

- نحن لا نقرا الحروف والكلمات .. نقرأ رسومات فحياتنا كلها رسومات لذا أعتبر الرسم هو وعينا الحقيقى بالحياة فهو لا يقتصر على لوحة جميلة رسمها فنان بل الرسومات طريقة تعاطي أدمغتنا مع الحياة فنحن مثلا لا نقرأ الحروف والكلمات فى جريدة أو كتاب أو تلك الكلمات التى تقرأها فى بحثى هذا فأنت تقرأ رسومات فقط متمثلة فى حروف متشابكة ذات أشكال مرسومة لتمر سريعا على كلماتى بدون أن تتهجاها وهذا يرجع لأن لديك فى ذهنك أرشيف هائل من رسومات للكلمات فيقوم الذهن بإستدعاء رسم تلك الكلمه وإدراكها لذا نحن لا نتهجى الكلمات التى لها رسومات سابقة فى ذهننا فهكذا نتعامل مع اللغة كتابة وقراءة كرسومات نستدعيها لتكون أى كلمة جديدة مثل " انسطالبوك " ككلمة لم نعهدها من قبل فنتصور أننا نتهجاها والحقيقة أننا نصورها بعيوننا لنسجلها كرسمه جديدة نخزنها فى أرشيف الدماغ والدليل ان هناك كلمات أجنبية او حروف فرعونية لا نعرف نطقها ولكن نحفظ رسمها , فالكلمة لن تتواجد لها وعى بدون رسم لها , وهذا يعنى أن الوجود والحياة خطوط ورسومات يتكون منها وعينا الذى هو إستدلال على تلك الخطوط التى جاءت بشكل عشوائى .

- من طبيعة رسم كلمات اللغة الماثلة لوعينا تتأكد الرؤية أن الوجود عشوائى فى طبيعته بمعنى أن مشاهده لا غائية ولا مرتبة وأن النظام رؤية بشرية إعتنت بتحديد معنى لرسومات خطوط عشوائية لنراها نظام , فنظرتنا وتعاطينا مع الحياة هو الإتفاق على رسم عشوائى وإعطاءه معانى ودلالات وإذا كان الإنسان منذ البدء فعلها فنحن مازلنا نفعلها بإبداع رسوم لماركات وبادجات معاصرة ولا مانع أن نخلق من تلك الرسومات المعقدة العشوائية قواعد وكتابات شعرية لتكون كل هذه التمظهرات منتجات نظامية جاءت من تعاطى مع العشوائية .

- وعينا يتمثل فى إحساسنا بالخطوط فلا يوجد وعى بدون إحساس فمن الإحساس بالخطوط والألوان نكون علاقات وإنطباعات ويكون تقاربنا كبشر فى التذوق والتقييم والاحساس بحكم تقارب التكوين البيولوجى والنفسى والتجارب والخبرات البشرية ولنلاحظ أننا يمكن أن نتقارب ولكن يستحيل ان نتطابق ليظل مفتاح وعينا هو إحساسنا وإنطباعاتنا عن الخط واللون ودرجة تفاعلنا معه أى مدى فاعلية الإحساس وقوته ومن هنا يتكون الوعى بترميز هذا الإحساس الذى جاء من إنطباع مُختلق على خطوط عشوائية ليدخلها بصياغة شفرة فى نظام , ويجدر الإشارة أن القول بالإحساس ليس مقتصراً على التفاعلات القوية الفجة كالإحساس بالخوف والبرودة والسخونة وما شابه بل هى تلك النمنمات الكثيرة من التفاعلات الحسية الكيميائية مع الأشياء التى نتحسسها ولا نستطيع صياغتها فى مفردات لغوية كون "الإحساس يسبق اللغة ".
الإحساس بلوحة تشكيلية أو معزوفة موسيقية يختلف تماما عن نوعية الإحاسيس المعتادة , فالرسم شأنه شأن الموسيقى ذو منظومة وعالم آخر من الأحاسيس بكل نمنماتها ليعجز المرء التعبير عنها سوى أن يستحسن أو يستقبح فى المجمل فاللغة تتضاءل أمام الإحساس فهى تحاول الإقتراب والتعبير فقط .

- نفهم الطبيعة برؤية مغلوطة يكسوها فهم ميتافزيقى متأصل عندما نقول بأن الطبيعة تمارس قانون الإنتخاب الطبيعى ,فبالرغم أن الإنتخاب الطبيعى مقولة علمية إلا أننا صيغناها بمفهوم ثقافى لنتصور خطأ أن الطبيعة تمارس عملية فرز وإنتقاء للموجودات الحية لتنتخب الصالح والقوى..الطبيعة ليست لها عقل وإرادة ومزاج لتتحكم فى العمليات الحيوية فتنتخب هذا وتترك ذاك بل هى قدرة الكائنات التوافق مع مادية الطبيعة فمن توفرت له الظروف المادية للتواجد والإعاشة إستمر وبقى ومن لم ينسجم مع مادية الطبيعة إندثر..الطبيعة لا ترحب بأحد ولا تفطن لمن بقى .هذا المفهوم من الأهمية بمكان إدراكه لتصويب وعينا بالحياة والوجود

- القول أن الإنتخاب الطبيعي هو إنتخاب الطبيعة لسمة معينة لتستمر عند بقاء وتكاثر حاملها ليكون البقاء للاصلح والاقدر على التكاثر ولكن فى الحقيقة الطبيعة لا تنتخب شيء لأنها لا تقيم تصنيفات للأشياء , فالطبيعة تنظر الى الحمار و والإنسان والدودة بصورة واحدة , والحي عندها مثل الميت ليبقى المعنى موجود داخل الوعي الإنسانى فقط , فعشوائية الطبيعة مثلا قامت بتكوين طفرة سببت عيبا في القلب لحيوان ما فلم يعش طويلا ليموت فكيف نقول أن الطبيعة إنتخبت.

- لو جاز لنا إستعارة قول المشخصين للطبيعة فالأمور بالنسبة للطبيعة سيان أن يموت حمار أو يعيش أن يظهر الانسان أو لايظهر , ان تبقى الحياة على الارض او لاتبقى , أن تبقى الارض أو لاتبقى , فلا قيمة ولا إعتناء بالنسبة للطبيعة ومن هنا نبدد وهم النظام والغاية والمعنى كأشياء خارجة عن الطبيعة ذات تأثير .

- فلنعد قليلا إلى دهاليز الزمن السحيق حيث ظهرت أول خلية . ولننظر الى الخلية الحية , فهل هذه الخلية ذات معنى ؟ّ بالتأكيد لها معنى حيث أننا نراها نظام متكامل به أجهزة متناسقة تقوم بعمليات البناء والهدم والتكاثر ولكن في الحقيقة هذه الخلية ليس لها معنى فى نشأتها حيث لم يوجد وعي إنسانى ليحكم عليها بالمعنى .

- يكون الزمن الذى نعيشه ونرصده على نفس الشاكلة فمهما تناولنا تعريف الزمن ورصدناه فلا معنى له بدون وعى الإنسان الذى أنتج العلاقة من حركة المكان ليرصده , فلتدور الأمكنه فلا زمن بدون وعى الإنسان أنتج العلاقة .

- النظام والعشوائية له معنى فقط في الوعي الانساني وبشروط الوعي الانساني , فالعشوائية مفهوم مجرد يعكس عدم قدرتنا على الإحاطة بالأسباب وبالتالي فالعشوائية إجابة متعجلة لسد الثقب المعرفي لدى الانسان الواعي وليس الطبيعة.

- عندما نقول هل كان هذا الأمر خياراً أم اضطراراً أم قدراً ام عشوائية؟! فهذا سؤال لا يدرك ماهية الوجود وماهيتنا .. فالكلمات لها معانيها المسبقة المتداخلة في دماغنا لتشكل إسقاطات ثقافية الى درجة أنها تكون أحيانا السبب في سوء التعبير وسوء الفهم ,وهى نتاج الخوض في تفسير عمليات عمياء كمثال القول من خلق الكون فنحن أسرنا السؤال فى إجابة نريدها فهناك شئ إسمه خلق وفاعله عاقل .

- الطبيعة لاتبحث عن معنى إذ ان المعنى مفهوم واعي من ضمن منظومة ثقافية انسانية عاقلة ولكن الطبيعة نفسها حركة وبالتالي معنى ذاتها فى حركتها أما المعنى الذي تبحث عنه فهو المعنى الذي يتوافق مع متطلبات سقفك المعرفي وثقافتك وتساؤلاتك كأنسان يسقط ذاته على السؤال .

- من أين تأتي العلاقة والمعنى .. العلاقة والمعنى موجود فقط في العقل و بدون الإنسان لايوجد أى معنى لأي شئ ولا علاقات بين الأشياء , فما المعنى من وجود أكبر نجم معروف لنا Canis Major ذو قطر يعادل 2000 مرة قطر شمسنا؟ عندما اجيب أنه لامعنى لها من وجهة نظري فذلك لانني لا أعلم لها أى تأثير على وجودي , وبالتالي فوجودي هو المعنى المركزي التي تدور معاني بقية الاشياء حوله , فلامعنى لشئ لايؤثر على وجودي بالذات كون المعاني تُخلق في دماغي من زاوية مركزيتي , لذا لا يعنينا سببية إنفجار نجم هائل أو إبتلاع ثقب أسود لمجرة بينما يعنينا سقوط حجر من أعلى جبل على رؤوسنا .

- هناك إشكالية فى منهجية وفلسفة الفكر الايمانى فهو يقصر رؤيته على المنتج النهائى أو الظاهرة أو الحالة المكتملة ليعطى لها إنطباع بالنظام والقانون ولا بأس أن يغلفها أيضا بالغاية والحكمة بغية خلق الوجود المشخصن العاقل المفارق بمعنى الإغفال عن أن الحالة الطبيعية خاضت ملايين الحالات من التغيير والتعقيد ليتصور أنها بهكذا حال أى هناك نظام وترتيب مقصود مُتعمد بينما واقع الحال أننا اوجدنا الرؤية النظامية بما توفر أمامنا من معطيات أى برمجنا أدمغتنا وولفنا عقولنا على ماهو واقع وموجود بحالته لنقول أن السماء تمطر أو أن الماء يغلى عند درجة 100 درجة مئوية وأن المعدن الفلانى ينصهر عند كذا درجة مئوية أو المعدن العلانى يصدأ مع الهواء وقس على ذلك أى ظاهرة طبيعية ولنعزى هذا لقانون مادى لتجد أن سلوك المادة منفصل عنا وأننا نستقبل مشاهدها وتمظهراتها وسلوكياتها لنصيغها فى علاقات وقوانين بعد مراقبتنا لها لذا وجدنا أن الماء يغلى عند 100 درجة ويتجمد عند صفر درجة ولو كان يغلى عند 90 درجة ويتجمد عند 10 درجات فهكذا سيكون حال قولنا وقانوننا فلا قيمة أو تميز للرقم إلا بما نعطيه نحن له من قيمة ومعنى , لذا فلا يجب أن يكون ما أسقطناه على المادة من معانى ودلالات هو معنى مستقل فى ذات نفسه وعليه يكون أى تمظهر ووضعية وحالة للمادة هو إسقاط انطباعنا عليه وكمثال على هذا القول أننى سأمنحك 1000 دولار إذا رميت زهرى الطاولة وحصلت على رقمى 2, 6 فهنا أصبح للرقمين 2,6 معنى بالرغم انهما رقمين عاديين من أرقام الزهر .

- مشكلتنا في الوعى أننا حددنا مغزى من داخلنا وصدقناه لينفصل هذا المغزى ونتوهم أنه ذو إستقلالية مثلما حددنا الأرقام التي لها مغزى قبل رمي أحجار زهر الطاولة , فلو كان الكون موجوداً بشكل آخر سننظر إليه ونقول، "هذا النظام لا يمكن أن يوجد بدون إله ومهما يكون شكل الكون سنقول نفس القول مثلما نقول أنظر التصميم الذى يجعل للإنسان عينان أليس رائعاً ولكن لو كان لدينا ثلاث عيون فحينها سنقول : أنظر أليست ثلاث عيون رائعة أفضل من عينين.

- نحن من نخلق علاقات نظام أى نبتدع وسائل عقلية لإيجاد علاقات بين الأشياء ليست فى كينونتها نظامية ذات ديمومة بل حالة من عشرات الحالات لنركز الكاميرا عليها ونلقى الضوء على مشهد منها لنسقط علاقات بحثاً عن إيجاد صيغة للأشياء لقبولها ولنسميها نظام وقانون وما نعجز عن إيجاد علاقة للشئ نعتبره فوضى . الفوضى والعشوائية اللا مرتبة لا غائية ناموس الوجود لنختلق علاقة من وسط العشوائية لنطلق عليها نظام .

- مشكلة الفهم الانسانى المغلوط للوجود هو عملية الفصل بين مكونات الطبيعة وبين القوانين التي تحكمها لإيجاد مكان ودور لعنصر ثالث بينهما بغية الوصول إلى القول بضرورة وجود قوة خارجية مفارقة هي التي أوجدت هذه القوانين التي تحكم الكون .

- نتصور ان النجوم لها سببا ووظيفة ان تكون مصابيح وهداية للملاح , فهل هى كذلك .. هل نجوم أكبر من حجم الشمس كمواقد نووية بمليون مرة من حجم الارض وظيفتها أن تكون نقط مضيئة فى السماء أو ترشد ملاح فى رحلته الصحراوية او البحرية .؟!
نحن تواجدنا لنرى النجوم من زاوية كونية لتظهر لنا كنقاط مضيئة فبحثنا لها عن وظيفة ومعنى لنسقط رؤيتنا فى إيجاد غاية وعلاقة ووظيفة ومعنى ..بمعنى ان إنطباعنا عن النجوم أنها نقط مضيئة لم يأتى من تراصها على بعد هذه المسافات العظيمة لتتأجج لتصل لعيونك كمصابيح زينة بل أنت الذى تواجدت فى زواية من الكون أتاح لك هذه الرؤية لتعطيها معنى , ولتلاحظ فى النهاية أن كلمة "وظيفة " هى من إبداعنا الفكرى .

- لنا طبيعة المادة فى حد ذاتها كدلالة على عدم الترتيب والمعنى والنظام ,فالماء يتكون من ذرتى هيدروجين وذرة اكسجين ليتحد العنصران ليكونا الماء فليس فى هذا نظام محدد أو ترتيب أو غاية أو حكمة لأن أى خلل فى هذا الاتحاد والإلتحام سينتج مركبات اخرى فلن يكون الماء بل حالة مادية اخرى ولن يأتى من الماء كل شئ حى .. نحن بعد أن رأينا اتحاد عنصرى الهيدروجين والأكسجين تصورنا أن هناك حكمة وترتيب نظراً لأهمية الماء فى حياتنا أى أننا جعلنا لإتحاد طبيعى بلا معنى ولا غاية حالة من المعنى والغاية والحكمة فنحن جئنا من إتحاد عنصرى الاكسجين والهيدروجين ولم يأتى إتحادهما من أجلنا وهذا من الأهمية بمكان إدراكه .

- هناك رؤية تحايلية غريبة وطريفة فعندما نرى وظيفة عضو فى الجسد ونجدها رائعة نسارع بالقول أن هناك قصد وحكمة وتصميم رائع لتقفز فكرة الله ولا تعرف لماذا قفزت هذه الفكرة وما علاقتها بإعجابنا بهذه الوظيفة فلم يكن هناك من حضر منهم عملية التجهيز ! .. سواء أكانت من إله او من مخاض تطور طويل ومعقد فنحن غفلنا شئ مهم فى خضم هذه الأمور بل جوهر المشهد الذى قفزنا عليه , فقولنا أن هذا الشئ رائع هو تقييمنا نحن . أى ما نراه رائع وحكيم هو تقييمنا بعد تواجده أى بعد أن بحثنا له عن غاية ومعنى .. الغاية والمعنى تقييمات بشرية لما هو موجود.. الأشياء تتواجد بدون معنى لها فنحن من نخلق لها علاقة ومعنى كوننا لا نستطيع عيش الحياة بدون إيجاد معنى .

- مشكلتنا فى فهم الوجود أننا نتبنى مفهوم أن الإنسان يختلق سلوكه بينما الحياة هي التي تشكل البشر ليصطنعون سلوكيات ومنظومات وتبريرات لتبرير حياتهم ووجودهم وليقيموا منها علاقاتهم مع الأشياء .

دمتم بخير.
لو بطلنا نحلم نموت .. طب ليه ما نحلمش - شعار أختم به مقالاتى أرى هذا المقال يفسره فالوجود حلم ووهم فلما لا نحلمه بطريقتنا .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عالم معندهاش دم ولتحذر غدرهم وخيانتهم
- نظرية ورؤية فى فهم الوجود والحياة والإنسان
- لا هى أخلاق ولا يحزنون-الدين عندما ينتهك انسانيتنا
- تأملات فى فكر ونفسية الإعتقاد – لماذا يؤمنون
- أسئلة مُحرجة – مشاغبات فى التراث 5
- زهايمر- تناقضات فى الكتابات المقدسة –جزء12
- الجمعة الحزينة فى تونس والكويت وفرنسا
- كتابات ساخرة ولكن ليست كتاباتى-مشاغبات فى التراث4
- مشاغبات فى التراث3-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- تشويه الحب والجنس على مذبح الأديان
- عن الحب-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان
- وهم الزمن والإله-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان
- مصر إلى أين ؟!
- المصارحة والمكاشفة كسبيل لخروج الإسلام من مأزقه
- فى العشوائية والحتمية والسببية-نحو فهم الوجود والحياة والإنس ...
- صفعات – لماذا نحن متخلفون .
- مشاغبات فى التراث2-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- وهم الحرية-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان
- وهم الغائية-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان
- تراثنا وثقافتنا الحلوة-لماذا نحن متخلفون


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - وهم الوجود(1)- نظرية البحث عن علاقة .