أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - وهم الغائية-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان















المزيد.....


وهم الغائية-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4802 - 2015 / 5 / 10 - 16:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- نحو فهم للوجود والحياة والإنسان (28) .

أرى أن سر الفهم المغلوط للحياة والوجود هو تعاطينا مع فكرة الغائية لتكون منهجية تفكير رافقت الإنسان القديم حتى المعاصر . لذا فتبديد وهم الغائية سيجهز على فكرة الآلهة والأديان ويدق المسمار الأخير فى نعشها , فمن فكرة ومنهجية الغائية خلقنا الإله وتسربت رؤى ومصالح الأقوياء والنخب فى السيادة والهيمنة من خلال المعتقدات والأديان فهكذا هى غايات الآلهة .
لقد حولنا مظاهر الحياة الطبيعية إلى غايات الآلهة ومراميها فى سياق إسقاط الإنسان ذاته على الطبيعة مما أدى إلى مفاهيم مغلوطة فى التعاطى مع الحياة والوجود مازالت سائدة فى الفكر العربى حتى الآن للأسف .
لن يكون مدخلنا لتبديد وهم الغائية أن نخترقها من قلعتها المتهالكة بالقول أن وجود الغاية لدى الإله يعنى وقوعه تحت الحاجة والرغبة مما يبدد كماله وألوهيته علاوة أن كثير من الغايات الإلهية تنبئ أنه شرير أو ذو أفعال تبدو متناقضة وعبثية لننصرف عن هذا ليكون تبديدنا لوهم الغاية من التناول العقلى العلمى المنطقى .

- الغاية تعنى تقديم الإرادة على الفعل لذا عندما نقول أن الأرض تفيض بالخير أو البراكين أو حتى مقولاتنا العلمية الحديثة كالإنتخاب الطبيعى فهذا يعنى أننا نفترض أن الطبيعة تقذف بمشاهدها بإرادة وعقل وتنتقى ,وهذا قول مهترئ شديد التهافت فالطبيعة مادة ليس لها عقل ولا فكر ولا إرادة .

- الغاية نظرة مستقبلية وقدرة على التنبؤ المستقبلى تأمل فى التحقق ,فإستباق الحاضر لا يتم إلا فكرياً , لذلك الغائية مرتبطة بالتفكير الواعى وكحالة تخيلية إفتراضية لذا من الهراء القول بأن الطبيعة ذات غاية فهى لا تفكر ولا ترتب ولا تنظم وليس لديها آمال تبغى تحقيقها وتجاهد فى سبيلها بل تخضع لحتمية علاقاتها المادية .

- الغائية مبنية على السَببية , وهنا ليس لدينا إشكالية التعاطى مع منطق السببية فى ذاته بالرغم مما يؤخذ عليه ليكون توقفنا أمام من يعطى السبب لغير مُسببه وهذا هو الخلاف بين الفكر الإلحادى والإيمانى كون الأخير يضع سببية مُفترضة للأشياء ليست منه بينما الإلحاد والعلم يعتنى أن يكون السَبب من ذاك المُسبب .

- من العبث أن نقيم للحياة غرضاً وهدفاً بالمعنى الإنساني لهذه الكلمة , لأن كل من يقول بوجود هدف معين فهو إنما يفكر في وجود نموذج سابق يستقى منه رؤيته ويطلب تحقيقه بينما تكوينات النموذج السابق واللاحق هو فكر بشرى فى النهاية .

- الغاية من المفاهيم التى إختلقها الإنسان ثم نسى أنه من خلقها فلا وجود يحتوى على غاية بل نحن من نمنحه الغاية فهو بدون غاية فى ذاته .. نحن نتوهم أن الاشياء ذات غاية , فالشجرة تقدم لنا الغذاء فتصبح ذات معنى بالنسبة لنا ثم نقفز لنتوهم أن ورائها صاحب غاية يتولى إطعامنا لنخلق الجدوى .. الشجرة متواجدة قبل حضور الإنسان بملايين السنين تنتج ثمارها فكون حيوان أو إنسان يتطفل عليها ويقتات منها فى وقت لاحق فلا ترتيب ولا غاية فى ذلك . الإنسان جرب ان يأكل تحت رغبة الحاجة فإستحسن طعامها فإعتبر بتعسف وغرور إنها تواجدت خصيصاً من أجله ولم يلحظ انها كانت قبل وجوده كما أن هناك أشجار يستقبح إنتاجها.

- الفرق الجوهرى بين تفكيرنا والحالة الوجودية للجماد والكائنات الحية الأخرى إننا نفكر ونتعامل مع الوجود بطريقة مختلفة عن باقي الموجودات كوننا نستخدم البنيات الفكرية السببية والتنبؤية كما نستبق المستقبل في التعامل مع الخيارات فمن هذا التمايز نتميز عن باقي البنيات الوجودية الأخرى, لنتعامل مع الخيارات في زمن ماض و حاضر ومستقبل , أما باقي البنيات الجامدة والحية فهى تحت الطبيعية المتاحة فى إنعدام إدراكها بالزمن أو كجزء من زمن ماضي مع لحظة آنية فقط , فلا تستطيع القفز من الحاضر إلى المستقبل في تعاملها مع الخيارات لتعيش فى إطار حالتها المادية والبيولوجية .

- التخطيط الفكري هو ترتيب الصور المادية يرافقها السببية الفكرية وهو ما يميز تفكيرنا عن باقي بنيات الوجود , فنحن فقط من نستطيع أن نختار الخيار الأنسب من بين مجموعة خيارات متاحة لنا وذلك بفرزها وإنتقاء أفضلها وفقاً لنفعيتها وإن كان هذا الخيار لا يتم بإستقلالية تامة كما نتصور بل تحت تأثير القوى المادية الموضوعية المؤثرة وهذا ما سنتناوله لاحقاً فى بحث عن وهم الحرية , لذا توهم الإنسان بوجود غاية فى مشاهد الطبيعة ليسقط أداءه ومنهجية تفكيره على الطبيعة ليمنحها سلوكه ورؤيته ومن هنا جاءت فكرة الآلهة والأوثان وعبادة الطبيعة .

- إذن منشأ فكرة الغائية جاء من لجوء الانسان الى إسقاط السلوك البشرى الهادف على الكون كله مستعيراً منهجية سلوكه الهادف بإسقاطه على الطبيعة وقد طبع هذا على الفكر الانسانى منذ زمن سحيق لينتج الأسطورة واللاهوت والميتافزيقا , بل للأسف تعدى هذا إلى العلم ذاته ليقرأه أصحاب اللاهوت والميتافزيقا بنزعة غائية وسنذكر لاحقاً أمثلة على هذا النهج فى ظل عدم إعتناء العلم بدحض هذه الرؤية .

- نستطيع أن نفهم لماذا لجأ الإنسان منذ أن وطأت قدمه الأرض إلى فكرة الغائية كمنهج تفكير , فالإنسان كائن نفعى يبحث عن منفعته الخاصة للحفاظ على وجوده وهو فى هذا لا يختلف عن أى كائن بيولوجى لتتخلق فى داخله غايات تبحث عن التحقيق فى ظل غموض الوجود وقسوة الحياة إضافة إلى جهله بالعلاقات بين الأشياء مع إدراكه أن هناك لحظة مستقبلية قادمة تحمل الغموض والتوجس والأمل ليبحث فى ظل هذا الخضم عن علل ومخططات مأمولة ومن هنا جاءت الغاية ,ولكن هذا الفهم عندما يتناول الطبيعة يكون خاطئاً كونه يفسر الظواهر الطبيعية حسب منفعة وإنفعالات ورؤية إنسانية بينما المادة لا تستجيب لرؤى آملة متوهمة أو إنفعالات أو حالة نفسية مزاجية .

- الغاية نتاج وعى أدرك الوجود واللحظة الماضية والمستقبلية فإدراكنا الواعى باللحظات التى مرت بنا ويقيننا أن هناك لحظات مستقبلية سنمر بها خلق فكرة الغاية فى الداخل الإنسانى لنسبب الأسباب ونخلق المُسببات حتى ولو بتهور لتأتى إشكالية فهمنا للوجود من كوننا نقحم عليه غاية ليست منه ومن هنا أنتجنا أفكار ومعتقدات وخرافات فى ظل هذه المنهجية الباحثة عن غاية فى وجود بلا غاية .

- العلة الغائية حالة من الإغتراب الفكرى عن الوجود المادى يحركها البحث عن المنفعة، فالإغتراب الفكرى نتاج عجز وفهم خاطئ للعلل والوجود لتنتج حالة اغترابية تؤدي إلى قلب علاقات الأشياء حتى أن الإنسان يضع كثيراً العلة مكان النتيجة والفرضية مكان السبب .
عندما يغترب الإنسان أي عندما يبحث عن العلل بدون أن ينجح في بحثه نتيجة إفتقاره للمعرفة مع تشبثه بمحاولة فهم الوجود بمنظور الأنا الذاتية سينتهي به الحال إلى تفسير الظواهر الطبيعية التي تخضع للحتمية بتفسيرها إنطباعياً حسب ما يشعر به ووفق ما يريد فهمه ليسقط هذا النهج الفكرى المقلوب على الظواهر الطبيعية فيقول أن الأشياء تواجدت وخلقت لهذه الغاية والوظيفة فينزلق في التفسير الغائي بشكل لا شعوري ويصل به الحال إلى النرجسية متوهماً أن وجود الكائنات الحية جاءت من أجل سواد عيونه وليبلغ به الشطط والتخريف حداً ليتوهم أن غاية الكائنات والوجود المادى الجامد هو السجود والتمجيد والتسبيح للإله وبالطبع لن ننحدر فى بحثنا الذى يبغى تفنيد وهم الغائية بتناول هكذا صور خرافية وهلوسات .

- من هنا إزدهرت الأفكار الغائية المتمثلة فى الأسطورة والتى ترجع سبب الخلق الى رغبات الآلهة فى إثبات وجودها وهيمنتها ,ليروج الدين لهذه الفكرة بغية تحقيق رؤى النخب والاقوياء , فالإنسان من خلال فكرة الإله لديه رغبة ومنظومة مجتمعية وأخلاقية محددة تطلب التنفيذ تتمثل فى أسياد وعبيد فكما هناك سيد فى السماء وعبيد على الارض فهكذا هناك أسياد وعبيد على الأرض لتشرعن وتقنن فكر السادة , علاوة على تجذير فكرة السيادة والهيمنة الذكورية كرغبة إلهية كما فى المعتقدات الحديثة وليسبق كل هذا تابو الملكية فلا إقتراب من أرزاق بل الإنزعاج الشديد من السرقة والزنا كإعتداء وتبديد لتلك الثروات .. أى أن الغائية فكرة إنسانية أنتجت فكرة الإله فى سياق نهجه الفكرى لتظهر فجاجتها فى الأديان عندما يعلن الأقوياء عن غاياتهم ومصالحهم بشكل فج , أى أن الأديان توظيف عملى للغائية لصياغة المجتمعات وفق نظام ومصلحة .

- لا يجرؤ دعاة الغائية الإعلان عن فكرة الغاية عند التعاطى مع الوجود الفيزيائى بالقول مثلاً أن غاية الاكسجين هو صدأ الحديد كذا غاية الرياح إسقاط الأمطار فسيكون كلامهم مهترئ عابث ,فالوعى السائد عن المادة أنها غير واعية بينما السلوك الهادف صفة الوعى وبالتالى لا يمكن أن تكون الطبيعة هادفة علاوة أن المادة ذات سلوك حتمى لا يحيد عن الخط الحتمى المعروف إلا تحت تأثير سبب خارجى مادى طبيعى أيضاً .

- من هذا الفهم الخاطئ للوجود المادى يصيغ أصحاب الميتافزيقا القوانين الفيزيائية بصيغة غائية تتناسى الحتمية المادية ,ليتردد القول أن الحامض يتحد بمركب قلوى من أجل تكوين الملح وهذا قول خاطئ فكأنما هناك إرادة للحامض لإنتاج الملح وصوابه يقول أنه في حالة تفاعل حامض مع قلوى ينتج ملح , فالعلم يرصد حالة مادية لا يضيف إليها رأى ووجهة نظر أو شيئا من خارجها بينما يسقط الميتافزيقون الغائية بالباراشوت وبتعسف بدون إثبات وبشكل مهترئ كونهم يريدون إرساء منهجية تفكير ساذجة مغتربة باحثة عن إسقاط الأنا لإثبات فعل غائية مجهولة .

- إن القانون الفيزيائى للغازات القائل : " أنه عند ثبوت درجة الحرارة يزداد الضغط بصغر الحجم بحيث يكون حاصل ضربهما ثابت " هو قانون حتمى فمن السخافة صياغته غائيا بالقول : " يحاول الغاز زيادة ضغطه إذا قل حجمه والعكس من أجل ابقاء حاصل ضربهما ثابتاً عند ثبوت درجة الحرارة " فهنا نحن أمام إستعراض أراجوزاى وصل به الحال أن يجعل للغاز إرادة وتخطيط .!

- نستطيع تفسير سقوط الأجسام نحو الأرض , وتفسير كيف يشكل النهر مجراه وكيف ينحت موج البحر والرياح الجبال الخ , دون ان نعتمد على تخطيط فكري غائى مُسبق وذلك بالإعتماد فقط على العناصر الموجودة والآليات الفيزيائية والكيميائية التي تؤثر وتتفاعل , أما فى حالة الجهل وتصاعد الأنا والنزعة النرجسية والإغتراب الفكرى فستنطلق ميتافزيقا الغاية لتدلو بدلوها وتسرد لنا قصص طريفة ساذجة .

- العلم حتمي فإما أن يكون كذلك أو لا يكون علم ,لتظهر الحتمية بجلاء فى عالم الفيزياء حيث الأحداث التي نلاحظها في الحاضر أو المستقبل مربوطة بمعارفنا عن قوانين الطبيعة مما يسمح لنا معرفة مسبقة وبصورة دقيقة ومنضبطة للظاهرة أو ماسيحدث في أوقات لاحقة هذا فى حال معرفتنا الكاملة بالحالة الفيزيائية لذا لا معنى على الاطلاق لمقولة الغائية .

- العلماء والفلاسفة يعتبرون الحتمية سائدة غير مشكوك فى صحتها وتحقق فهم حقيقي لعالمنا المادى , فالتعامل مع الوضع الراهن للكون كأنه أثر ناتج عن حالته السابقة وهو السبب الذي يتأتى منه حالته اللاحقة .

- العقل أدرك القوانين العلمية من رصد لسلوك المادة بعد وعيه بشكل قوى الطبيعة المحركة للظواهر والمتحكمة فيها فلا شيء يستطيع أن يخرج عنها , كما أن المستقبل كما الماضي كما الحاضر في عيون العلم والوجود المادى , وعليه لا يكون أى معنى للغاية فى ظل حتمية مادية , فالأمور تسير فى إتجاه علاقات مادية فحسب , فحالة تفاعل حامض مع قلوى سينتج ملح حتما ليصبح من العبث القول أن الحامض يتحد بمركب قلوى من أجل تكوين ملح أو أن الشمس تسقط أشعتها على الأرض لتجلب الدفء أو لتكوين فيتامين d فى أجسادنا وهذا يقربنا من مفهوم العشوائية التى تعنى فى رؤيتى إنعدام الغاية الموجهة , فسقوط الشمس على الأرض جلب الحرارة كحالة مادية وجودية غير هادفة .

- المرتع الخصب لأدعياء الغائية تكون فى البيولوجيا ولا يكون هذا إتكاءاً على منطق أو علم يقدمونه بل لكون البيولوجيا شديدة التعقيد والغموض وعصية على الفهم وتحتاج لجهد جهيد وأبحاث كثيفة عميقة لإدراك عمق وجذور الظواهر البيولوجية لذا تجد الأسئلة تندفع فى السؤال عن كيفية تكوين الخلية الحية والعين والبروتين وهكذا .
يظهر بعض اللاهوتيون بثوب يتمسح بالعلم كأصحاب نظرية التصميم الذكى الذين لا يقدمون أى رؤية علمية بل أسئلة ودهشة وغموض وأفواه مفتوحة بنثر ملاحظات كثيرة عن التعقيد فى الحياة لنقول كان حرىّ لهؤلاء الذين يسألون أسئلة حائرة أن يقدموا نظريتهم وفهمهم ويشرحوا لنا شرحاً دقيقاً بخطوات كيف تكون البروتين والخلية الحية والعين بواسطة فاعل غائى , ولكن ستجد بالفعل إفلاس وفشل تام فثقافتهم لا تعدو قصة الخلق الطينية الخرافية لتكون وسيلتهم اللعب على جهل الإنسان وإبهاره بالتعقيد .

- يحير البعض ظهور وسائل دفاعية للحيوانات كوجود مخالب وأنياب للحيوانات أو تلون الحرباء باللون الأخضر أو نمو أشواك للقنفذ كوسيلة حماية لتبدو هذه الأمور ذات منحى غائى لجهلنا بآلية تطور وظهور هذه المشاهد ومن هنا تجد الغائية مكاناً وسط العقول الميتافزيقية لتمرر مقولة أن وظيفة العضو سابقة للعضو وأن هناك صانع ذو غاية .

- إعتبار الظواهر الطبيعية واقعة تحت تأثير غائية يأخذنا الى فرض غير مقبول عقلياً أن الوظيفة سبقت الماهية , وأن التفاعلات الكيميائية العضوية هى تفاعلات تمت بقوى غائية، وهذا ما يرفضه العلم والعلماء فقد يبدو لنا أن حركة يد الحيوان فى إتجاه الغذاء فعلاً هادفاً للحصول على الغذاء من أجل توفير الطاقة الكيميائية الضرورية للحياة , ولكن التفاعلات التى إنتهت الى تخليق السعرات اللازمة لهذه الحركة هى تفاعلات عمياء غير هادفة كونها حتمية مادية , أما مشكلة التناقض بين مظهر الظواهر الحية الغائى وجوهرها غير الغائى فيمكن تبديدها بتجنب صياغة الظواهر البيولوجية صياغة غائية والاكتفاء بوضعها فى صيغة حتمية كمنهجية تفكير وبحث ومعاينة مثلما تعاملنا مع القوانين الفزيائية .

- الإنسان منذ البدء لم يتناول طعامه مدركاً فائدته البيولوجية بل لإشباع جوعه فقط فهو لم يدرك الأطعمة التى تحتوى على بروتينات لبناء جسده أو المواد الكربوهيداتية والسكرية لإمداده بالطاقة أو فائدة الفيتامينات فكل هذا لم يدركها إلا لاحقاً من الملاحظة لذا من السخف القول أن هذه المواد تواجدت لإفادة الجسم بل هى تؤثر كيميائيا على الجسم على هذا النحو الغير هادف كحال تأثير المواد المخدرة .

- سأعتنى فى أبحاث قادمة شرح كيفية تكوين المادة الحية وتطورها وكافة الأسئلة الحائرة المراوغة لأثبت أن الفعل المادى هو منتجها وكفاعل طبيعى غير مُتعمد ولا مُرتب ولا هادف بدون حاجة إلى فكرة مُصمم ذو غاية ولكن لحين تناول هذه المشاهد الحية فلنا أن نتعامل مع الأمور بشكل منطقى فلسفى .

- إن الدراسة العلمية للظواهر الحية لا يكون إلا في نطاق حتمي ذلك أن الظواهر الحية هي نفسها الظواهر الجامدةفيزيائا وكيميائيا, فالمظاهر التي تبدو في الظواهر الحية هي نفسها المظاهر التي تتجلى في الظواهر الجامدة وتخضع لنفس الحتمية ..فلنلاحظ إن طابع التشابه بين الظاهرة الحية والظاهرة الفيزيائية قوي كونه يتعلق أصلا بالمكونات المادية بينما الاختلاف الوحيد بينهما يظهر في درجة تعقيد الحالة البيولوجية والذي يعد إختلافا في التعقيد وليس في التركيبة المادية أي اختلاف عرضى وليس جوهري , فالتجارب العلمية تكشف أن تحليل المادة الحية يوصلنا إلى مكونات طبيعية كالكربون ,كالسيوم ,حديد ,يود ,فوسفور الخ ثم إن التفاعل الذي يتم على مستوى المادة الحية هو تفاعل كيميائي فى النهاية .

- عندما يقال أن وظيفة الكلوروفيل فى النبات تصنيع النشا يكون هذا القول قولاً غائياً منح الكلورفيل فعلا إرادياً وظيفياً بينما القول أن النشا يتكون حال وجود الكلوروفيل قول حتمى يرصد الحالة بدون إدخال فرضيات لسنا فى حاجة إليها كقولنا السابق أنه في حالة تفاعل حامض مع قلوى ينتج ملح وليس القول أن الحامض يتحد بمركب قلوى من أجل تكوين ملح فكلمة (من أجل) هذه تفتح الباب أمام الغائية بينما الأمور بالنسبة للكلورفيل والملح غير موجهة بل تفاعلات طبيعية أنتجت مواد إستطعنا أن نميزها ونعطى لها معنى .

- كذلك القول أن وظيفة خلايا الدم البيضاء حماية الجسم من العدوى قول غائى خاطئ وكأن خلايا الدم البيضاء موجهة وذات فعل إرادى لأداء هذه الوظيفة بينما يقول العلم أن وجود خلايا الدم البيضاء فى تركيز معين يقلل من فرصة غزو البكتريا للأنسجة وبدء العدوى , فهكذا تفاعلات نتج منها حالة معينة كحال مثال الملح لنمنحها نحن المعنى ولنتهور بخلق وهم الوظيفة والغاية .

- قانون ستارلنج الفسيولوجى الذى يتم صياغته غائياً بالقول كلما ازدادت كمية الراجع الدموى الوريدى تمددت عضلة القلب لتدفع بكمية أكبر من الخارج الدموى الشريانى ولكن نفس القانون يمكن التعبير عنه حتمياً كالآتى دون تغير مضمونه: يؤدى ازدياد كمية الراجع الدموى الوريدى الى تمدد عضلة القلب وبالتالى الى إزدياد كمية الخارج الدموى الشريانى .وهنا نحن وصفنا المشهد بدون إقحام رأى ليس فيه .

- القول بأن وظيفة الجلد حماية الأنسجة الداخلية من عوامل الوسط الخارجى هو مفهوم غائى مهترئ كأن الجلد موجه لوظيفة وهدف بينما يمكن القول أن وجود الجلد بين الوسط الخارجى والأنسجة الداخلية تسبب فى عزل عوامل الوسط الخارجى عن الأنسجة كحال استخدامنا للمواد العازلة للرطوبة والحرارة والصوت فى البناء فلا يمكن القول أن هذه المواد وظيفتها العزل بل حال وجودها تقوم بعزل الرطوبة والحرارة فهكذا طبيعتها الفيزيائية الكيميائية .

- القانون العلمى ذو صياغة حتمية لا يحشر وجهة نظر خاصة فى المشهد الطبيعى , فالقانون الذى يتناول الغازات القائل "عند ثبوت درجة الحرارة يزداد الضغط بصغر الحجم بحيث يكون حاصل ضربهما ثابت ". لا يصح صياغته بشكل غائى بالقول "يحاول الغاز زيادة ضغطه إذا قل حجمه والعكس من أجل إبقاء حاصل ضربهما ثابتا عند ثبوت درجة الحرارة فهنا تم وضع فعل إرادى اختيارى ذو غاية للغاز بينما الغاز مادة غير واعية تسلك وفق سلوكها المادى فحسب .

- من المفاهيم المهترئة القول أن الوظيفة فى الطبيعة سابقة للعضو وأتصور سبب هذا الفهم الغبى هو إسقاط الإنسان لرؤيته التصميمية على الإنجاز بالرغم أنه لا يوجد شئ إسمه تصميم ووظيفة من لا شئ , فنحن نصمم كعملية تركيب وتعديل وتنسيق للمشاهد المادية فقط ووفق قوانينها , ونستقى أفكارنا الإبداعية التصميمية بما هو موجود ومتاح من صور مادية .

- من المفاهيم المغلوطة أيضاً الفصل الميتافزيقى للوجود المادى ليكون هناك فصل بين العمليات والقوانين البيولوجية والفيزيائية , ففكرة الوظيفة نشأت في سياق تفسير العمليات البيولوجية بدون الرجوع إلى القوانين الفيزيائية الأساسية ,أي بدون رد البيولوجيا إلى الفيزياء كما نشأت أيضا في سياق فلسفة العقل الغائى الذى يهدف تجاوز المشكلات التي قابلت تفسير العقل الإنساني .
الوظيفة والغاية فكر ومعنى إنسانى أسقطه على الحالة المادية أى هو تقييم ورؤية وإستنتاج إنسانى للحالة المادية تتوسم المنفعة والإستفادة وكحالة إستنتاجية خاصة فلا يوجد مشهد مادى يتحرك أو أنتج نفسه ليفى غاية ووظيفة محددة بل هو نتاج تفاعلات كيميائية بيولوجية وتأثيرات عوامل فيزيائية أنتجت حالة ما لنضع نحن لها تقييم ومعنى .

- الفرق بين الحتمية المادية والغائية هو الفرق بين رصد الحالة بدون إبداء وجهة نظر مسبقة أى تبقى الحالة كما فى صورتها وهذه هى الحتمية وبين من يقحم معنى وخيال خاص به على الحالة لتصل الأمور إلى التعسف والقفز لتتصدر الغاية المشهد والفعل وهذه هى الغائية ليمكن ترميز هذه الفكرة بمثال س , ص فتكون الحتمية أن س تؤدى الى ص , أما الغائية فتقول أن ص تنتج من س من أجل تحقيق الحالة ص .!

- الغائية ليست صفة واقعية فى الظاهرة وانما فكرة تعسفية سلفية سبقية ,فهى تعسفية كونها ليست تجريبية وبلا وجود محسوس لتميل للظنية الإستنتاجية كوسيلة لتوجيه التفسير أو تسهيل الفهم هذا إذا توخينا حسن النيه .. الغائية إستباقية سبقية كونها غير مستنبطة من مُقدمات سابقة عليها لكى تثبت وجودها من ملاحظات تجريبية لتطرد التفسيرات الأخرى مثلا ..إذن هى مجرد فكرة نظرية فى الذهن لا يمكن البرهنة عليها ولا التيقن من صحتها تماما مثل فكرة القدر والغيب والخرافات أما كونها تعسفية فلأنها تم إقحامها بدون داعى لذا يمكن حذف الأفكار المُقحمة التعسفية بدون أن تؤثر على صيرورة وفهم المشهد وهذا من مبادئ المنطق , فالأفكار والفرضيات الزائدة يمكن حذفها بسهولة طالما تستقيم الأمور بدونها .. أى يمكن القول ان الغائية قراءة خاصة للمشهد يدخل فيه الإنفعال وزواية رؤية متخيلة متعسفة يمكن حذفها دون أن تؤثر على فهم المشهد الحياتى .

- أتصور أن سبب شيوع التفسيرات الغائية فى البيولوجيا على ألستنا جاء لتسهيل الشرح والتصور وتسريع وتقريب الفهم من الظاهرة بإستعارة تمثيل الأفعال السلوكية مثل فهمنا عن الإنتخاب الطبيعى ليتصور البعض أن الطبيعة تنتخب وتنتقى وتختار بينما الطبيعة ليست صاحبة وعى ,ولا فكر غائى ,فلا تنتقى , ولا تنحاز , فالأمور لا تزيد على أن من يمتلك إمكانيات تتوائم مع الطبيعة ليتغذى ويتكاثر سيبقى وغير ذلك سيندثر ولكن هكذا إعتدنا التعبيرات اللغوية التى إستخدمانها للشرح والفهم لتنسلخ وتستقل وتشكل فهم خاص أو قل تشوه وعىّ .

- إن الرؤية والنهج الأكثر أهمية الجدير أن نتنبناه هو أن الحياة ليس لها خطة أو تصميم ولا هدف أو معنى متأصل فيها وهذه حقيقة يتم التغاضي عنها غالباً ليتم توهم أن هناك خطة ما ,فالآلية العشوائية للإختيار الطبيعي مثلا لا تقدم لنا أي إحتمالية للتخطيط والتصميم، وبدون التخطيط فإن فكرة الهدف والغاية تصبح إفتراضية زائدة لا معنى لها , لذا أي تساؤلات متعلقة بمعنى الحياة تصبح غير منطقية على ضوء التأمل فى عملية النشوء والتطور وحتمية الفعل المادى .

في عالم بلا تخطيط وبلا هدف لا يمكن أن تكون هناك تساؤلات نتاج إسقاط معنى وغاية مستقلة عن الأشياء , فالسؤال " لماذا تكونت هذه الظاهرة على هذا النحو " يصير غير صحيح عندما يستلزم الجواب المُراد به غاية أو هدفاً للوصول لوهم أعلى غير موجود .

دمتم بخير.
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته" - حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تراثنا وثقافتنا الحلوة-لماذا نحن متخلفون
- خمسون حجة تُفند وجود الإله–جزء سادس41إلى47
- زهايمر-تناقضات فى الكتابات المقدسة –جزء11
- بحثاً عن حلول لخروج الإسلام من أزمته-كاملا
- الطبيعة ملحدة..العشوائية تنتج النظام
- منطق الله الغريب-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- أخلاقنا وأخلاقهم-فى فلسفة الخير والشر
- الإسلام السياسى هو التناقض الرئيسى فى كل صراعاتنا
- مشاغبات فى التراث-الأديان بشرية الفكر والهوى
- فى ماهية الإنسان والحياة والوجود .
- علم الله بين لعل وعسى وفليعلم
- الدين عندما يُفقد المرء محتواه الإنسانى
- سقطات إلهية أم نصوص بشرية
- تأملات فى ثقافة الإيمان السالبة
- أنا فهمت الآن .
- تأملات فى ماهية الإنسان
- إنهم يزرعون الوحشية ويمنهجون الهمجية
- تأملات فلسفية من رحم طرائفنا وسخريتنا
- أسئلة ليست حائرة إلا لمن يريد أن يحتار
- إمتحان ومشاغبة على جدران الخرافة والوهم


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - وهم الغائية-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان